- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الانتخابات جوهر الديمقراطية وغايتها
عباس الصباغ
حسنا فعلت المحكمة الاتحادية العليا حينما وضعت النقاط على الحروف وثبتت موعد اجراء الانتخابات البرلمانية المقررة اجراؤها في الثاني عشر من شهر ايار القادم وعدم تأجيلها، وحسنا فعلت ايضا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حين اعلنت ان يوم العاشر من نيسان القادم سيكون موعداً لبدء ماراثون الدعاية الانتخابية، فتم بذلك قطع الطريق على جميع التكهنات التي انتشرت كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المغرضة، والتي انصبت اكثرها على تثبيط المواطنين وتخوفيهم من المشاركة في الانتخابات تحت ذرائع شتى منها: انه لاتوجد جدوى من اية نتيجة تحصل من الانتخابات، والافضل هو عدم خوضها لانها بحسب رايهم لن تاتي باي تغيير ايجابي وانما ستكون "نسخة" مكررة للانتخابات السابقة، وتعنونت تلك المحاولات التثبيطية بعناوين مثل (لن انتخب) (مقاطعة الانتخابات واجب وطني) وغيرها من الترهات الفارغة التي لفها التشاؤم المفرط والسلبية القاتمة والطعن الكيدي بالعملية السياسية ذاتها وبأن القادم لن يكون بافضل من السابق لذا يتحتم على المواطنين الركون الى سماع هذه الاصوات النشاز وتلبية دعواتها التي لن تكون الا نكوصا وتقهقرا الى المربع الاول وهو مربع ماقبل التغيير الذي انتظره العراقيون طويلا ودفعوا ثمنه باهظا من التضحيات الجسام والصبر الطويل، فتم لجم تلك الاصوات نهائيا.
تعد الانتخابات الديمقراطية الشفافة حقا دستوريا اقره الدستور العراقي الدائم: [المادة (20):- للمواطنين رجالاً ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ]، وهو حق تاريخي ايضا وبعد عقود طوال من الحرمان الديمقراطي من اية ممارسة ديمقراطية، والانتخابات ليست فقط ممارسة آلية وحضارية تحتكم الى صناديق الاقتراع يتم من خلالها فرز اصوات يفوز من خلالها بتمثيل الجماهير التي فوضت امرها اليهم تفويضا ديمقراطيا وسلميا وحضاريا، بل هي ممارسة تليق بالشعب العراقي الذي يستحق الكثير ان نعمل من اجله، فان كانت الديمقراطية مجرد فكرة او فلسفة (مثال) فان الانتخابات الشفافة هي التطبيق العملي (الواقع) لها وعلى الارض وهي لب وفحوى وجوهر اية فكرة ديمقراطية تطالب بها الجماهير ولاسيما التي حرمت منها او اقصيت عنها كالشعب العراقي، والانتخابات ان اجريت بأجواء صحيحة وشفافة مع ضمان مراقبة دولية لها تكون خط الصد والخندق الاول ضد نشوء اية نزعة ديكتاتورية تعتمد التداول اللاسلمي للسلطة كما هو معمول في اغلب بلدان العالم الثالث والتي تحتكر فئات معدودة جدا مفاتيح السلطة فيها حيث الحكم العائلي والوراثي.
تنبع اهمية الانتخابات البرلمانية في العراق، وفي هذه المرحلة بالذات، من عدة نواح اولا: لوضع خارطة طريق مستعجلة لمرحلة مابعد الانتصار الناجز على تنظيم داعش والاستحقاقات الكثيرة لهذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق والتي تتطلب تضافر جهود وطنية مكثفة لتجاوز الاثار والندوب التي تركها داعش على اديم الوطن، ويكون العزوف عن خوض الانتخابات ضربا لتلك الجهود بالصميم، وثانيا ان هذه الانتخابات ستكون بوابة مستقبلية نحو التغيير الذي ينشده جميع العراقيين في وضع خارطة طريق اضافية نحو تحسين الاداء الحكومي وهو طموح الشارع العراقي بشكل عام وموضع آمالهم المعقودة على هذه الالية الديمقراطية وهي البوابة الامنة التي يتأتى منها التغيير، وعن طريق التصويت الحر والشفاف المعتمد على وعي الناخب العراقي الذي امتلك تجربة ديمقراطية رائعة، هي حصيلة تمسكه بالثوابت الديمقراطية وحرصه على خوض غمار الانتخابات وتحديه جميع الظروف الصعبة والمخاطر الامنية التي رافقت الممارسات الانتخابية السابقة، ومع هذا فقد ادلى المواطن العراقي بصوته الثمين وادى ماعليه مدركا ان مايفعله هو واجب وطني يقع على عاتقه ولم يقصّر في اداء هذا الواجب التاريخي والمصيري.
ان جميع الآمال معقودة على نتائج الانتخابات المرتقبة التي ستشارك بها حوالي (204 أحزاب ونحو 24 كيانا انتخابيا) و هي التي سترسم خارطة العراق السياسية المستقبلية لأربع سنوات قادمة بكل حيثياتها الامنية والسياسية والاقتصادية والاستثمارية والخدمية والمعاشية وغيرها، وهي معقودة ايضا على ان هذه الانتخابات ستكون فاتحة عهد جديد اكثر اشراقا وحيوية وامانا للعراق.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب