- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الرومي والحطّاب وعلمنة الخطاب
سامي جواد كاظم
هنالك اسلوب يتبعه ضعيف الحجة عندما يختلق او يعتمد قصة خيالية او خرافية يجعل ادواتها السلبية شاهدا على من يريد الطعن في افكاره وادواتها الايجابية حجة لدعم افكاره، ومثل هذا الاسلوب لا يلجا اليه الا كما اسلفت من كانت افكاره اوهن من بيت العنكبوت فيحاول باستشهاداته السوفسطائية ان يخدع الاخرين.
الحطّاب والافعى قصة اسطورية كما ذكر المستشهد بها لكي يطعن بالفكر الاخر، مصدره للقصة هو جلال الدين الرومي (محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري (604 هـ - 672 هـ = 1207 - 1273 م) الذي ذكرها في ديوانه المثنوي، يقول: ان هذا الحطّاب عثر في جبل على افعى متجمدة، فاخذها وجاء بها الى المدينة ليتفرج عليها الناس وبذلك يحصل على المال، الحطّاب يعتقد ان الافعى ميتة فجاء بها الى العراق (لاحظوا الى العراق) وعندما وصل العراق وضع الافعى على احد جسور المدينة ليتفرج عليها الناس الذين اجتمعوا حولها، وبسبب حرارة الشمس فان هذه الافعى دبت الحياة فيها من جديد وتحركت روحها وهجمت على الناس فقلت بعض منهم....انتهت القصة.
هذه القصة ذكرها عبد الكريم سروش في كتابه الفارسي "التراث والعلمانية" والذي ترجمه الى العربية احمد القبانجي، ـ أي اختلاف في نص القصة يتحمله المترجم لانني نقلتها نصا اضافة الى ما ساذكره من تعقيب عليها من نفس الكتاب ـ التراث والعلمانية ص/24 منشورات الجمل.
يعقب سروش حسب ترجمة القبانجي ان هذه الحية مثل الطبقة السياسية فالسياسيون معظمهم اشخاص جيدون او عاديون، ولكن بسبب المنصب عندما تبدا شمس السياسة تشرق على الافاعي الموجودة في داخلهم فيتحول هذا السياسي الى شيطان يمارس سلوكيات عجيبة.
المولوي (عبد الرحيم ملا سعيد مولوي الطوغوزي ويشتهر بإسم مولوي هو شاعر وصوفي كردي ولد في قرية سرشتة 1806 ـ 1882) ينقل نفس القصة ويستنتج منها ان الناس بدلا من التفرج على الافعى الاحرى بهم التفرج على انفسهم لان الانسان مخلوق عجيب يستحق التفرج عليه وان سائر المخلوقات يجب ان يتفرجوا على هذا الانسان.
هذا الاستدلال يتبعه استدراج حتى يصل بعقل القارئ الى عجز التراث الاسلامي من قيادة الحياة وانه اصبح الغطاء للسياسيين الذين ترقد في صدورهم الافاعي.
هذه القصة الخرافية استطيع ان استدل بها على هشاشة التفكير الذي يعتمده العلماني او التنويري حيث ان الحطاب بطل القصة حمل وديع لم ير سابقا افعى متجمدة فاخذه الفضول لحملها بغية استغفال الناس، ولان الانسان بطبعه يحب التطلع الى كل جديد فالمحتال يستغل هكذا فرص لكي يحصل على الاموال نظير حب الاستطلاع لدى الناس، واما ان الانسان هو المفروض ان تتفرج عليه سائر المخلوقات، فانه يريد ان يوصل فكرة للناس ان الله لم يقل او اخطا ـ والعياذ بالله ـ عندما قال (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وان بقية المخلوقات من الدواب والانعام والحشرات هي افضل من الانسان ويحق لها ان تتفرج عليه، هنا يدخل الاسلوب الملتوي ليقول من يدافع عنه انه يقصد ان الانسان بدا يتنكر الى انسانيته ويتصرف بهمجية بحيث ان قانون الغاب افضل من قوانينه ومن هذا المنطلق يحقن عقل الانسان لكي يحقد على اخيه الانسان ويتحول الى بهيمة وينكر عظيم صنع الله بخلق الانسان.
لا اعلم هل ان الرومي هو من ذكر العراق ام المؤلف ام المترجم ؟ ولماذا العراق؟، وعجبا على افعى يتم حملها عبر الامصار ولم تاتها الحرارة الا عبر اشعة الشمس على احد جسور العراق، انه يقول قصة اسطورية، والاسطورية بهذا الصنف هي قبل الاسلام فالافكار الاسطورية والاساطير كانت في مجتمع الجاهلية، فهل في مجتمع الجاهلية كانت جسور في العراق ؟ اما الاساطير الاسلامية فاغلبها تتحدث عن غيبيات وقوى خارقة.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- المثقف وعودة الخطاب الطائفي
- رصانة لغة الخطاب الاعلامي