عباس الصباغ
طُرح مشروع الخصخصة بعد استنفاد كافة المشاريع والسبل والوعود لاسيما تلك التي كانت تعد المواطنين بصيف “بارد” او بـ”تصدير” الكهرباء “الفائضة” عن الحاجة المحلية في وقت كان العراق وما يزال يستورد معظم طاقته الكهربائية من دول الجوار وبالعملة الصعبة، وسنويا يتم تحويل المليارات من الموازنات العامة الى حساب هذه الوزارة دون تقدم ملموس في مستوى الانتاج والتوزيع، فضلا عن الهدر المبرمج بمليارات اللترات من المحروقات المشغّلة للمحطات الكهربائية ولحدود 30 الف مولدة اهلية في عموم البلد تسهم في جعل العراق في مقدمة الدول الاكثر تلوثا وضجيجا، ناهيك عن الاموال الطائلة التي تهدر لترميم الشبكة الوطنية” الاكسباير” كونها لم تستحدث
منذ عقود.
وزارة الكهرباء في موقف لا تحسد عليه ازاء الصيف المقبل اذ تشير تقارير الانواء الجوية الى ان هذا الصيف سيكون قائظا جدا، ولحد الان لا يبدو ان هناك حلولا قريبة لملف الخصخصة والذي ما يزال اللغط يدور حوله مع رفض جماهيري واسع له وسبب ذلك ان الوزارة تركت المسالة دون تعريف يرفع اللبس عن المواطن البسيط لاسيما ان الخصخصة من الامور المستجدة في العراق، فتلاقفتها الاحزاب ومن فسر الامر على هواه وكانت اغلب التفسيرات غير واقعية او مهنية فالتبس الامر على المواطن بعد ان اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام غير المهنية بأفكار ساهمت بتجييش الشارع، واضحت لبعض السياسيين دعاية انتخابية مبكرة ومجانية فارتبطت الخصخصة في اذهان الناس بملفات الفساد حتى عدت نوعا من السرقة المشرعنة، فالذين عارضوها لم يفهموا من مداليل الخصخصة سوى الصورة المشوشة التي تداولتها تلك الوسائل ومن دون تعريف يضع النقاط على الحروف او يبعث برسالة اطمئنان لرجل الشارع بان الخصخصة هي ليست مشروع جباية فالدولة ليست عاجزة عن ذلك بل هي (فلسفة اقتصادية ستراتيجية ودولية حديثة، لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية من القطاع العام إلى القطاع الخاص) فالحكومة ووزارة الكهرباء تتحملان المسؤولية عن هذا الفراغ الإعلامي الهائل وعدم التعريف الكافي بمزايا هذه التجربة, إذ لم توضع خطة إعلامية صحيحة ومنظّمة لشرح تفاصيل الخصخصة الكهربائية وما هو مقدار المبالغ التي يتوجّب على المواطنين دفعها وماهو عدد الأجهزة ونوعها التي يسمح باستخدامها لكي تتضح الصورة بدلا من حالة الضبابية التي يعيش فيها المواطن والتناقض الحاد بين فوائد الخصخصة
ومساوئها.
ومع هذا تبقى مسؤولية تردي الطاقة الوطنية تضامنية ما بين الحكومة والمواطن، فالكثير من المواطنين يفتقرون الى ثقافة ترشيد الاستهلاك والكثير منهم وخاصة في العشوائيات وحتى في غيرها لا يدفعون مافي ذمتهم كجباية عن استهلاكهم كونهم لايمتلكون مقاييس اصلا او هم يحجمون عن ذلك، وحسب البيانات الرسمية: تُنفق الحكومة على الكهرباء في السنة ما يزيد على 13 ترليون دينار، بينما تبلغ الإيرادات المحصلة من المستهلكين 1,5 ترليون دينار فقط، وهذا يعني أن العجز الإجمالي كبير جدا، وكان يجب على الوزارة ان تشيع مبدا التعامل مع هذا الملف من باب المواطنة كالمحاسبة على الهدر في الاستهلاك والتقليل من الضائعات ومحاسبة المتجاوزين وفرض الجباية كواجب وطني وشرعي ايضا، بدلا من ان يفاجأ المواطن بسياسة واقع الحال بخصخصة كهرباء تحولت منذ اكثر من عقد من الزمان الى داء عضال، وهو ينتظر صيفا سيكون في احسن احواله
قائظا.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!