- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراق المحتل .. " ميليشيا " إكسون النفطية والخط الأزرق
بقلم: طارق الدليمي
الحكومة الآن تتبع نهجاً، حارِب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه. وإن بارزاني المنتهية صلاحياته يردّد: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى " وذلك ليؤكّد بأنه كما كان في الماضي بل أيضاً كما هو الآن. وهو يحوّل النزاع السياسي إلى صراع حول هوية الأرض من دون اعتبارات هوية السكان، وبعدها يحوّل هذا الصراع إلى مطالب سياسية تستهدف الاستحواذ على الثروات النفطية في المناطق التي استولى عليها خارج الخط الأزرق.
الحرب أولها الكلام، وبغضّ النظر عن الحرب أو السلام سيكون الاستفتاء قد طويت صفحته، والآن أصبحت الخطة الحكومية هي رجوع البيشمركة الكردية إلى حدود 19 آذار 2003، قبل الاحتلال الامبريالي للعراق.
إنه عملياً الخط الأزرق المثبت في الخرائط الدولية، خط العرض 36، ويحدّد العلاقة الإدارية والسياسية بين العراق العربي والمناطق الكردية التي أضيفت إلى دولة العراق الناشئة في قرارات مؤتمر القاهرة في آذار 1921.
وهذا الخط هو الذي حدّد محافظتي أربيل والسليمانية أولاً، وبعدها تم تلفيق محافظة دهوك لأسباب إدارية محضة وبعد سنوات من الخلاف.
وغنيّ عن البيان أن كركوك خارج الخط الأزرق تاريخياً وهي ليست معنية به.
وبعد العدوان الشامل على العراق في كانون الثاني 1991 فرضت أميركا الحماية على المناطق الكردية ضمن الخط الأزرق واعتبرتها محمية دولية تحت الإشراف التركي ـ الأوروبي وبقيادة الأمم المتحدة وأميركا.
وقد منعت أميركا الحركة الكردية من القيام بأيّ نشاط عسكري مُناهض لحكومة بغداد والجيش العراقي. لكن الاحتلال الأميركي في نيسان 2003 أفسح المجال ولأسباب متعدّدة لقوات البيشمركة الكردية في التمدّد خارج الخط الأزرق وتحديداً في كركوك والموصل وصلاح الدين وحتى ديالى. وعليه فإن الحكومة في بغداد تعتقد أن فرَص بناء السلطة السياسية، وتطوّرها الآلي إلى دولة، واحتكارها لاستثمار الموارد الطبيعية هو أيضاً " الخط الأزرق " بينها وبين الدعوات الجارية نحو ابتداع الأقاليم وليس الاقليم الكردي وحده فقط.
الحكومة الآن تتبع نهجاً، حارِب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه. وإن بارزاني المنتهية صلاحياته يردّد: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى " وذلك ليؤكّد بأنه كما كان في الماضي بل أيضاً كما هو الآن. وهو يحوّل النزاع السياسي إلى صراع حول هوية الأرض من دون اعتبارات هوية السكان، وبعدها يحوّل هذا الصراع إلى مطالب سياسية تستهدف الاستحواذ على الثروات النفطية في المناطق التي استولى عليها خارج الخط الأزرق.
عِلماً أن الدستور الذي ساهم الكرد في كتابته وإقراره عام 2005، يؤكّد في مادته " 140 " على أن بغداد وكركوك خارج أي اقليم. إن تصرّفات البارزانية لا تختلف أبداً عن مفهوم الملكية الاستعمارية العقارية التي يطبّقها الاحتلال الصهيوني الاستيطاني في فلسطين المحتلة. ويضاف إلى ذلك رغبة البارزاني في بناء اقتصاد محلّي مستقل يشكّل الدعامة المركزية للاستقلال السياسي الذي يلوّح به دائماً ومن دون طائل. وفي غضون الاستفتاء استأنفت شركتا إكسون النفطية وشيفرون أعمالهما في السنجق الكردي بعد انسحابهما منذ عام 2014، ويجري العمل على قدم وساق في كركوك الآن.
عِلماً أن استثمارات إكسون في عقوده الثلاثة مع أربيل تشمل مناطق، مخمور وألقوش الموصلية، أي عملياً خارج (الخط الأزرق)، إن آمال البارزاني معلّقة بالنفط وإكسون وتفاقم الاحتقان قد يؤدّي إلى وقف التصدير كلياً.
لكن كل الصراخ الذي يهدّد به بارزاني حول قوّته العسكرية يتبخّر في فضاء الحال المزرية التي وصلت إليها البيشمركة بعد اندفاع " داعش " في عام 2014، حين سيطرت على مناطق عديدة من " ملكية " بارزاني وفي مقدّمها " سنجار " العراقية التابعة إدارياً لمحافظة الموصل. لقد أفل نجم البشمركة وتحوّلت من " محمية طبيعية "، ضمن الفكر الصهيوني، إلى قوات بحاجة دائماً للدعم الأميركي في التدريب والتسليح، وبذلك ضمرت عقيدة التفوّق الصهيوني التي تربّت عليها البيشمركة.
بيْد أن الإعلام البارزاني قد اضطر إلى الكشف عن الرسالة التي وجّهها وزير الخارجية الأميركي، رئيس شركة إكسون سابقاً، في 23 أيلول المنصرم، قبل يومين من الاستفتاء، وهي تبدو محرّضة على الاستفتاء لا تأجيله أو إلغائه. وهو في الرسالة يؤكد، ريكس تيلليرسون، على أن أميركا ستضمن حقوق الكرد بعد سنة من المفاوضات مع بغداد، تنفيذ المادة 140، وتقرير حدود السنجق الكردي عن طريق الحوار، وفقاً للآلية الواردة في المادة 140، سواء أكان ذلك يعني فيدرالية حقيقية معمول بها أو نوعاً من الكونفيدرالية أو الاستقلال.
وإذا عرفنا أن بغداد مدعومة جيّداً من الجارة إيران المتحالفة مع سوريا وحزب الله في الدفاع عن وحدة العراق واستقلاله وسيادته، وأن الثقة أخت الحذر، فلا يمكن الاطمئنان للموقف التركي، ولا مجال للحديث عن صفقة " فاوست " مع البارزانية،لأن المساومة هنا تعني ضعفاً في التماسك الاستراتيجي وأن الحكومة عاجزة عن تصويب الموقف المطلوب بالمناورة الناجعة. ولقد حذّر الخبير الاستراتيجي الأميركي " جوزف ناي " من أن إدارة الرئيس " دونالد ترامب " قد فشلت في جعل السنجق الكردي ليكون " ملاذاً " لقوّتها السياسية والعسكرية، وعليها أن تحذر في أن تقع في "فخ " جديد، قياساً للاستراتيجي الأميركي الراحل تشارلز كيندلبرغر، حيث يخيّل للاحتلال بأن حكومة حيدر العبادي بأنها أضعف مما هي ولا يمكن أن تتصرّف بكونها أقوى مما يرفضه الاحتلال.
ولكن في يوم الأحد 15 تشرين الأول الجاري اجتمع المكتبان السياسيان للحزب البارزاني والاتحاد الطالباني في دوكان، السليمانية، بحضور رئيس جمهورية العراق، فؤاد معصوم، ورئيس السنجق الكردي، مسعود بارزاني. وتم إرسال خمس نقاط للحكومة العراقية تتضمّن عدم إلغاء نتائج الاستفتاء والرغبة في مفاوضات غير مشروطة وبإشراف أطراف دولية. فهل يمكن التكهّن بمضاعفات هذا التصعيد الكلامي أم هو مناورة لحفظ وجه مسعود بارزاني وتلبية لرغبات الاحتلال في تجزئة حلول الأزمة والتركيز حالياً على كركوك ونفطها لأنها بنظر الجميع هي عقدة النجار في الصراع الراهن.
إن الوضع الآن مرتبط بالأساس بالموقف الشعبي المتراص ومعركته الحازمة ضد الاحتلال الأميركي الذي هو أساس كل البلايا والشرور. فالبارزانية تراهن على الاحتلال والخلافات بين ما يُدعى " المكوّنات " ولا مناص من إعادة اللحمة التاريخية لعرب العراق ويكون شعارها آن أوان الجد فاشتدي زيَم.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!