- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قراءة في كتاب/ العراق.. غمد السيف أم درب المعبد؟
بقلم:مهدي الدهش
صَدر حديثاً للباحث الدكتور علي عنبر السعدي كتاب ]العراق: غمد السيف أم درب المعبد[، عن المؤسسة اللبنانية للإعلان والنشر في بيروت ـ 2012م، ويقع في (360) صفحة. يتألف الكتاب من مُقدمتين وخمسة فصول تحوي عشرات الأبحاث الفرعية. وقَدّمَ له الأستاذ الدكتور عبدالحسين شعبان، وهو المُفكّر العراقي والكاتب والأكاديمي المعروف والذي ينتمي إلى الجيل الثاني لتيار التجديد والحداثة الثقافي، وصحاب دراسات وأبحاث تجاوزت الخمسين كتاب، وحالياً يُدرّس القانون الدولي في إحدى الجامعات اللبنانية.
يُعد الدكتور السعدي من الكتاب والمفكرين الذين يمتاز نتاجهم بالوعي الشديد للقضايا الحساسة التي تَمس في مُجملها المجتمع العراقي، سواء التاريخية منها أو الاجتماعية ناهيك عن قضايا السياسة ودورها الفاعل في رسم خريطة الفكر لدى المجتمع. وتتضّح أفكار الباحث السعدي من خلال عناوين مؤلفاته المطبوع منها أو المُعد للطبع وكذلك من خلال مقالاته وأبحاثه المبثوثة في الصحف المحلية والعربية والمجلات البحثية المُتخصصة على الصعيد العالمي، هذا إلى جانب صفحته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي.
يمتاز كتاب الدكتور السعدي المُشار له أعلاه بتنوّع المفاصل التي يتناولها قلم الباحث بالتفحّص والتشريح والقراءة الدقيقة لمختلف المفاصل التي يتناولها في كتابه ومن مُختلف جوانبها. فهو لا يترك مجالاً من مجالات الموضوع إلا وأشار إلى الأصل التاريخي الذي يمتد إليه جذر الموضوع، وبشكل خاص في التاريخ العراقي القديم أو الوسيط.. وهكذا.
ففي المقدمة الأولى للكتاب، يتخذ الباحث السعدي موضوعاً وعلاقة طالما كانت مثاراً للبحث والتمحيص، وهي العلاقة القائمة ما بين الجغرافية والتاريخ، وطبيعة الافرازات الناتجة عنها في المجتمع العراقي تحديداً، من خلال الربط بين ثنائية الهزيمة والانتصار، ولدى جميع المُكونات التي تبلورت في بلد تمتد جغرافية لتلتقي مع تاريخ موغل في القِدَم. من هنا ينطلق الباحث نحو توضيح وتبيان المُقدّمة الثانية، وهي التي تُخصص لبحث مفهوم " الوطنية " الدى الانسان العراقي، والتي يصفها الباحث تهكُماً (بالتهمة البغيضة)، كونهُ يأخذ بتفاصيل مهمة عَن مُشكلة سادت مؤخراً.. تلك هي (المُحاصصة) وما رافقها من التبعية النفعية لمحيط دول الجوار العراقي، وما أفرزتهُ مِن تشكيلات سياسية تنضح بالفُرقة، لا على الصعيد السياسي فحسب بل والمُجتمعي والفكري والتكويني وحتى التاريخي وصولاً إلى الجغرافي، وفق المُسمّيات المعروفة من (سُنة، وشيعة، وعرب، وأكراد، وغيرها من التوصيفات الفرعية الكثيرة). فهو يُناقشها بموضوعية متناهية في الدقة والحيادية، وهذهِ مِن مميزات الكاتب في جميع أبحاثه ودراساته الصادرة بل وحتى في نقاشاتهِ الشخصية، كونهُ مِن المؤمنين بفكرة ان الإصلاح لا يَقوم في مُجتمعٍ ما مِن دون وجود الأدوات العلمية الخاصة بالبحث التاريخي والسياسي والاجتماعي أيضا.
فضمن الفصل الأول من الكتاب، نرى الباحث يضع ثلاث امور رئيسيه موضع النقاش، هي (الأصول) بوصفها المُرتكزات المُقدّسة التي لا يُمكن المَساس بها لقَداستِها المُطلقة، وكم هي تؤثّر في البنائين السياسي والاجتماعي للدولة.. وربّما الأخلاقي لمجتمع تلك الدولة.
و(الثورات) وهي الطريق الأكثر مأساوية الذي تَمُّر فيه الشعوب وحركات التغيير والقادة ودورهم بشقيه السلبي والايجابي، وليس للمرحلة الراهنة فحسب، ولكن عبر مراحل زمنية مُختلفة من تاريخ العراق. و(مفاصل الحريّة) وذلك من حيث ما تعني هذه الكلمة سواء على المُستوى الفردي أم المُستوى الجمعي، وكذلك سواء الآن أم فيما سَبق. ولا تقتصر على محيط مكان مُحدد فقط بل قد تشمل أماكن مُتعددة وضمن مقولات مُتنوّعة سواء الماركسية منها أو الثيوقراطية أم القومية. وينتقل الكاتب بعد ذلك للفصل الثاني الذي يطرح من خلاله أربعة مُرتكزات مهمة ومؤثّرة لا في تقدير الباحث فقط، بل في تقدير أغلب المُفكّرين والفلاسفة أيضا هي (السياسةـ الفكرـ الدِين ـالتجربة).. وينطلق منها الباحث لتدوين عدة رؤى مُستقلة في بُحوث يُناقش من خلالها الفكر السياسي في التجربة العراقية الحديثة والمعاصرة، وكذلك يبحث في مَبدأ الديموقراطية وحاجاتها (لرجُل الدين) المُتفاعل ايجابياً مع الواقع العالمي المُعاصر، ويُسلّط الباحث الضوء على (الثورات العربية) ومَراكز انطلاقها من (الجامع) وصولاً إلى (مواقع التواصل الاجتماعي) مروراً (بالجامعة)، كونها تُثير علامات من الاستفهام الكبيرة والمهمة، يكون من المطلوب تحديد إجابات ناجعة لها.
وفي الفصل الثالث يأخذ البحث مجرى النقاش المُتشعّب باتجاهات مُحددة منها (المؤامرة ـ الغزوـ الأمة والدولة ـ الواقع والمُتوقّع).. ففي إطار هذه العناوين نَلمح الباحث يُناقشها وفق الكثير من التفرعات المُنطلقة عنها، كونها تُمثّل أهمّية كُبرى في الجانب المُعاش ضمن الواقع العراقي الصعب مِن جانب، والمُتشابك مِن جانبٍ آخر، ومن خلالها تتبلور المَرئيات التي يسردها الدكتور السعدي وبشكل لا يخلو من الطرافةِ أحياناً، كما ولو أنها تَعكسُ حالةً من الغرابة لِما يجري وعمّا جرى. ويطرح عِبرها الكثير من المُتطلّبات من خلال كلامهِ المباشر، عن طريق استعراض مُجمل العلامات الواضحة المُرتسمة في طريق التاريخ القريب، وهي ـ أي العلامات ـ كانت مَثاراً للجدل الطويل بين مُختلف الاتجاهات النظرية لتفسير إفرازات الحدث المَبحوث.
أمّا في الفصل الرابع فيكون المطروح العام حول (المحاصصةـ الفيدراليةـ الموروث والهويةـ قضايا الجوار)، وهي بالطبع تعكس أهم سمات المرحلة الراهنة، ولا تبتعد كثيراً في دوافع تَشكّلها عَن مُقدّمات طرأت قُبيل ظهورها. ففي المُحاصصةـ وهي السياسية على الأكثرـ يتناول زمن انبثاقها واعتقادات مُختلف الأطراف فيها ولوازم نضوجها وأوجه النقد المُتعددة التي وجّهت لها. ويذهب بعد ذلك لنقاش الفيدرالية التي سُعي لتطبيق أوجه منها في عراق ما بعد تغيير (2003)م، وكيف كانت وإلى ماذا سوف تُغطي مُستقبلاً. وظهر نقاش مُستفيض حول موضوعةـ ما قبل الدولة / ما بعد الأمّةـ كونها تُحاول تأطير القضية بالشكل التاريخي من حيث الدوافع والرؤى المحلية لمعنى الدولة ومفهوم الأمّة. ولم تكن قضية الهوية بعيدة عَن هذا المجال، من خلال جملة الأسئلة وأجوبتها المطروحة ضمن بحثها المُستقل. وصولاً للحديث عَن الجوار العراقي وانعكاساته السياسية والاجتماعية ومروراً بالاقتصادية منها وحتى الثقافية على العراق كمجتمع تتجاذبه المرجعيات المحيطة به تبعاً لمصالحها المُتعددة وأهداف أجنداتها الخاصة، ناهيك عَن التأثيرات الدولية العالمية، في محيط المنطقة العربية والشرق أوسطية وصولاً لبؤرة الارتكاز في قلبها وهو العراق.
أما الفصل الخامس والأخير يسير الحديث ليتركّز على المرحلة الواقعة ما بين الأعوام (2008 ـ 2012)، وبروز أهم الشخصيات السياسية في عراق الحدث، وما تمخّض عنها من نتائج كانت في أغلبها سلبية من المنظور النظري والتطبيقي على السواء، وتتخبّط خبط عشواء، ففي أحد المباحث يتناول السعدي وبطرحه الدقيق المعهود نقاشات جرت على صفحات التواصل الاجتماعي، حول آراء له في أحداث ووقائع وشخصيات فاعلين فيها، ولا أخفيكم سادتي فقد أدهشني الدكتور السعدي كعادته بطرح تلك الحوادث التي نقلها بشكل حرفي مع أسماء المتحاورين وآرائهم، وهي طريقة يسعى من خلالها على ما أعتقد لتبيان التورّط الثقافي للعقلية المُجتمعية العراقية بأساليب وأنماط من التفكير لا ترتمي إلّا في أحضان "التاريخ المؤلم" وربّما المُزيّف أيضاً وتفسيراته المُلتوية.
أتمنى أن أكون قد لامست بعض الشيء، ما سعى إلى تبيانه الباحث الجليل الدكتور علي السعدي، من خلال هذا الكتاب الثمين من الألف إلى الياء، وذلك عن طريق ما تناوله من القضايا المُتنوّعة والمُتعددة، وآراء أثبتها سعياً لتحقيق هدف التغيير في البنية العقلية للفرد العراقي بشكلٍ عام والمُثقّف العراقي بشكلٍ خاص، ما بعد التغيير الداخلي 2003م، والتغبير العربي في "ربيعه" الآفل.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟