كانت الثقافة وعلى مر العصور السلاح القوي الذي يقف سدا منيعا ضد الهجمات الدعائية التي تبث ضد شعب أو مجموعة معينة بهدف دفعه الى تبني عقيدة معينة أو رأي معين تجاه قضية ما، الأمر الذي حدا بدين الإسلام إلى الدعوة الى نشر العلم والمعرفة كونهما جزءاً مهما وكبير ا من أجزاء الثقافة العامة للفرد لتحصينه معرفيا ضد من يريدون استغلال الإنسان البسيط لتحقيق أهدافهم الشخصية.
وقد أدت الثقافة الى دحض الكثير من المؤامرات والدسائس التي كانت تحاك ضد الشعوب والأمم المختلة عبر التاريخ، وكان لها الأثر البالغ في صد الاعتداءات الفكرية الرامية الى السيطرة على مقدرات الشعوب عبر الاستعمار الفكري الذي عرف الغرب مدى تأثيره في تحقيق أهدافه التوسعية البغيضة.
ولقد أكد الدين الإسلامي الحنيف عبر كتابه العزيز وأحاديث أهل بيت النبوة عليهم السلام على ضرورة التعلم وكسب المعرفة الحقيقية من أصولها الدقيقة والثابتة كشرط من شروط الثقافة، وكوسيلة لحماية الفرد والمجتمع السقوط في مهب رياح الثقافات الزائفة والباطلة.
واليوم باتت شعوبنا بمختلف توجهاتها أكثر ما تكون حاجة إلى البحث عن الثقافة الرصينة لتحصينها خصوصا بعد فترات التجهيل التي مارستها قوى الطغيان ضدها ولفترات طويلة من الزمن.
لكل ذلك كان لموقع نون الخبري هذا الحوار مع الأستاذ جابر الجابري وكيل وزارة الثقافة الأسبق أثناء زيارته مرقد الإمام الحسين عليه السلام للتعرف على قسط من المعاني الحسينية التي حملتها ثورة الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف.
س/هل من الممكن استلهام النهضة الحسينية لبلورة ثقافة إسلامية إنسانية عالمية؟
الجابري: إن النهضة الحسينية وواقعة الطف لم تكن خاصة بفئة من البشر أو طائفة معينة، وإن الإمام الحسين (عليه السلام)خرج لإصلاح هذه الأمة من الوقوع في الهوان وأن لا تكون خانعة وراضية بالطغاة والجبابرة الذين يحكمونها، وأراداها أن تكون أمة عزيزة وصاحبة أنفة في مواجهة الطغاة، كما أراد الحسين (عليه السلام)أن يعطي درساً ليس للمسلمين وأتباع أهل البيت عليهم السلام فقط؛ وإنما لكل الناس عندما أطلق شعاره (كونوا أحراراً في دنياكم)، فهذه الحرية التي يتوق إليها كل البشر وهم يتسابقون إلى الحصول عليها وعلى الكرامة، وقد أطلق (عليه السلام) هذا الشعار ليجمع كل العالم حوله، ومن خلال ذلك نرى انعكاس هذه الانطلاقة على المستشرقين والعالم الغربي قبل العالم الشرقي، فعندما يقول نيتشه (ما دام للمسلمين قرآن يتلى وكعبة تقصد وحسين يذكر لا يقدر أن يتولى عليهم أحد) فذلك يعني أن هذه الثقافة عالمية، وأن الإمام الحسين بتضحيته ومبادئه السامية استطاع أن يستقطب الجميع.
س/: سمعنا أن في النية جعل كربلاء المقدسة عاصمةً للثقافة الإسلامية مستقبلا، فما مدى دقة هذا الكلام ؟
الجابري: لقد وفقنا الله في مؤتمر وزراء الدول الإسلامية لإقرار مقترح اعتبار النجف عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2012، ونسعى جاهدين لأن تكون كربلاء مركزاً إسلامياً لاستقطاب عالمي وليس عاصمة للثقافة الإسلامية فحسب وسنسعى لجعل كربلاء عاصمة لثقافة حرية العالم خلال السنوات المقبلة.
س/: من خلال استقرائكم للواقع الثقافي هل ترون أن مستقبل الثقافة العراقية يبشّر بخير؟ وما هي مساعي الحكومة العراقية للنهوض بواقعنا الثقافي المتردّي نتيجة لهيمنة الحقب الديكتاتورية السابقة؟
الجابري: لا نريد أولاً أن نعوّل على المشروع السلطوي الحكومي في العراق، وإنما نريد أن يكون المجتمع المدني شريكاً فاعلاً وكاملاً في إتاحة الثقافة للجميع وإشاعة الروح الانفتاحية على كل مكونات العراق وانتماءاته وأعراقه، ولذلك ندفع بالحكومة المركزية والحكومات المحلية أن تهتم بالشأن الثقافي وأن تضع جدولة لإعادة انتشار الثقافة، وكما يعرف الجميع أن أولويات الحكومة العراقية منذ سقوط النظام وحدوث التغيرات الكثيرة كان الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار ولم يكن للثقافة ذلك الاعتبار والرعاية، واليوم بعدما طرقنا الأبواب ورفعنا أصواتنا بين أروقة الحكومة فقد حصل والحمد لله اهتمام واضح بالثقافة، وستتحول كل بيوت الثقافة في المدن العراقية إلى قصور للثقافة وستكون هنالك فعاليات ونشاطات مختلفة تحرّك الأجواء الثقافية، وقد أعطينا فرصة لكل حكومة أن تختار أسبوعاً ثقافياً تقدّم فيه فعالياتها.
أنا أرى أن مستقبل الثقافة العراقية يبشر بخير لأن العراق مهد الحضارات والعالم يشهد بذلك، وكيف أصبحت الكوفة مشروعاً لفكر وثقافة ورؤية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالتالي فإن هوية العراق ثقافية وحضارية وبمعاونة المخلصين سيعرف الجميع بهويته وفكره وحضارته السامية.
س/: يعاني المطبوع العراقي من عدة مشاكل ومنها غلاء الثمن خاصة للقارئ العادي، فهل هنالك خطوات جادة لدعم المطبوع العراقي خاصة وإن العراق يحتاج إلى إعادة هيكلة الثقافة؟
الجابري: إن غلاء المطبوع ليس عراقياً فقط وكل العالم يعاني منه، حيث إن عاصمة الكتاب بيروت وبالرغم من دعمها من قبل الأمم المتحدة فإن القارئ ذا الدخل البسيط لا يستطيع أن يلبي حاجاته من الشراء، ولكن العراق بوصفه بلداً ثرياً فبإمكانه أن يضع نسبة من وارداته لخدمة الثقافة والكتاب، ومن غير المعقول إن الإمارات ترصد عشرة مليارات دولار والعراق لا يرصد جزءاً من هذا المبلغ؛ ونحن نأمل من الحكومة المركزية أن تخصص سنوياً جزءاً من ميزانيتها المالية لرصد الثقافة ودعمها وتحريك الجو الثقافي.
س/: هل لديكم خطوط حمراء في حركة الثقافة والفكر، وهل هنالك أفكار تمنعون تسرّبها إلى الشارع العراقي؟
الجابري: للعراق مناعة كاملة وكل الثقافات تذوب في ثقافته وتتأثر بها، فعقيدتنا وفكرنا تصهر أي فكرة أو مفهوم دخيل، ونحن كوزارة الثقافة نتقبل أي نظرية أو ثقافة واردة ولا نخشى الغزو الثقافي، وكما قاله بعض الحكماء (خذوا الحكمة في أي إناء نضحت) وهذا معناه انفتاح ثقافي كامل تستطيع حضارتنا الثقافية تقبله.
علي الجبوري - يحيى الفتلاوي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر