- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عافية الشعر الحسيني من سلبها ..الجزء الثالث
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال موسمية التناصية لقد أمطرت الساحة الأدبية الحسينية نصوص لم تلتف لها عين فاحص ولم يمر عليها يراع منقح أو مدقق ولا فلتر للتنقية ولم تتأنَّ قليلا حتى تبلغ مرحلة النضوج وتكتسب أحقية الطرح. وعجت بالساحة أصواتٌ هي الأخرى تحتاج إلى ترشيق وتجميل وإلى وقت طويل وتمرين وتدريب أطول لتكتسب هي الأخرى الجاهزية والاستعداد لأداء النصوص وهذا ما شخصه المختصون برصد دقيق لكن دون أن يحركوا ساكنا بإيجاد معالجة للموقف.وبدلا من أن يجدوا علاجا استهواهم الميل إلى مراعاة لمشاعر البعض والمجاملة والمحاباة والمساومات. ويبدو أن البعض حين أيقنوا بأنهم لم يفلحوا من امتلاك المؤهلات توكؤوا على أفراد راحوا يروجون لهم ليصنعوا منهم علامة شاخصة من أجل إبعاد وإقصاء من هم أحق لأن يحتلوا هذه الأماكن مما أدى لأن يعكس الواقع صورة يخلف انعكاسها ظاهرة مهمة يرفضها وهي خدمة النفس بالقضية. وبتعبير آخر يطالب الجميع أن نخدم القضية بأنفسنا لا أن نخدم أنفسنا بالقضية وهذا ما يحصل أحيانا في مجالات معينة وبودي أن أُذكِر بحقيقتين: الحقيقة الأولى التي ينبغي أن يدركها الجميع وهي مشخصة أيضا لدى الجميع إن الشعر فن مقدس يمارسه الملهمون بإيحاءات روحية حسية ثم يريقون رحيق هذه الإيحاءات بترتيلة شاعرية تنبع من عمق المشاعر يتلقفها المتلقون بشغف إذ هي تحاكي الذائقة الراقية للمتلقي. والشعر بتوصيف مبسط عام هو إشعار وجداني تنبض مفرداته بأحاسيس وهواجس وإرهاصات تفصح عن هموم الناس فضلا عن إضفاء العلم والمعرفة. والحقيقة الأخرى إن الإمام الحسين صلوات الهب عليه قرآن أزلي أبدي مقدس خطت آياته العصمة والكمال بوحي إتمام النعمة والهدى والرحمة والهيبة والسؤدد والوقار والجلال. ألا يجدر بنا أن نتقن تمام الاتقان كيفية ترتيل آياته ونرتلها ترتيلا حسنا رقيقا؟.. ألا يتعين علينا أن نتعامل مع نهضته العظيمة بما تستحق ؟. متى ندرك إن عملية الخوض في أدبيات القضية الحسينية تشترط علينا امتلاك آلية وأدوات للخوض فيها من خلال حيازة معلومات عقائدية فقهية منطقية فنية أدبية تاريخية تراثية.؟ الأمر الذي يحتم علينا بذل جهد للبحث عن أدباء مخضرمين يتصدرون ويؤجلون ولو لحين معين اقتحام الأعزاء حديثي العهد بالعمر وبالثقافة وبمعرفة مضامين القضية الحسينية لحين أن تبلغ خبراتهم نضوجها بعد انتظار قصير فيتأهلوا ثم يقتحموا الساحة ليكونوا على استعداد تام وفي جاهزية كاملة ويرحب بهم الجميع بل يصر على بقائهم. إن إخضاع مقبولية الشعر الحسيني أو الشاعر الحسيني للمزاجية وللمحسوبية والمنسوبية يفقدنا الكثير من المرتكزات بل يسلب منا الإستمتاع بعذوبة وحلاوة تراثنا الحسيني. فإن هذه الأساليب والوسائل أنهكت مسيرة القضية والسائرين بركبها مثلما أنهكت الناس ظاهرة الإختباء طويلا تحت ظل عباءة الشاعر الحسيني المرحوم كاظم المنظور. ومنذ فترة وهي تنتظر أن يخرج الجميع من تحت هذه العباءة وإن كانت عباءة مشرفة وجليلة.. وليستظلوا بظل الإبداع ويبتكروا سبلا ووسائل يختصون بها. ويصيغوا شعرا يمكن للمتلقي أن يسميه شعرا. فضلا عن وجوب التخلص من قوقعة الغرور والنفخ والجفخ الذي طالما أطاح بالمتمسكين به لقد كنت أقف في الليالي العشر الأولى كما يقف الناس التائقون لسماع ما يهز مشاعرهم ويوخز ضمائرهم بأعذب الكلمات وأحدق مليا باللوحات المرفوعة التي يخط عليها النشيد أو الردة لأقرأ ما يكتب عليها وأتمعن فيها لعلي أقرن ما يكتب ويردد بما كان يطالعنا في ستينات وسبعينات القرن الماضي ولكن تعذر علي كمتلقٍ، ومثلي مثل كل سامع وراءٍ ونقولها بكل مرارة إننا لم نستمتع بحلاوة للشعر ولم نشم أي عبق مما كنا نستنشقه في الماضي. لم تطالعنا إلا كلمات متناثرة يحاول كاتبها أن يرمم بها شطرا شعريا.حسبها البعض بأنها أشبه بعملية استباحة لحرمة الشعر وجماله وانتهاك كرامة عذوبته. وأما القصائد التي كانت تردد من على المنابر فهي لا تختلف كثيرا عن الردات فقد كان القاسم المشترك بينها والعلامة الفارقة التي تميزها (الركاكة) والضعف فإن جمالية المفردات في القصيدة اغتالها التشابه والتكرار كما يتعذر على السامع أن يجد اختلافا كبيرا بين قصيدة وأخرى وحين يود أحد أن يعرضها على غربال فلم يُبقِ الغربالُ منها إلا اليسير اليسير ومن يرغب أن يحظى بقصيدة واحدة أقرب بقليل للعذوبة فما عليه أن يجمع نثار الكثير من القصائد ويخضعها لغربلة حادة وينقيها ويلم شتات بعض المفردات لعله يستخلص نصا يكوِّن قصيدة واحدة تمثل كل تلك النتاجات. لقد كتم أنفاس الكثير من القصائد الاستنساخ الواضح الصِرف لقصائد المنظور وهذه ظاهرة مشخصة من قبل الجميع. وأذكر بيتا شعريا للأستاذ الشاعر الأديب الكربلائي محمد زمان الذي وصف به الشاعر الحسيني كاظم المنظور عند وفاته بقوله: لو غربلت أيدي الزمان الخالي ** شعر الهدى لصفوت في الغربال والغريب أن البعض لازال يبالغ في إستنساخه لشعر المنظور أو يرقع به نتاجه ويدس العبارات والجمل طي قصيدته وهو يجهل عدم ملائمة بعض المفردات العشرينية أو الأربعينية من القرن الماضي لعصرنا هذا بل هي غريبة على مجتمعنا اليوم بينما أبدع بها المنظور في حينها في عشرينات أو أربعينات القرن الماضي وهي من (الحسچة) التي لا تجري مجرى التلفظ أو لهجة هذا الزمن ولا لهذا الجيل. مما جعلها تصبح مجرد تشكيلة من الحروف التي يطلق عليها قوافي نصوص في مضامينها أقرب للسرد العادي الممل منها إلى أن تحمل تسمية قصيدة بسبب تكرار المفردات وإعادتها لتعاني من ترهل فظيع ممل ولم يكلف الشاعر نفسه أن يجوب حقل الشعر البهي الزاهي ليلتقط من نثار اشراقات المفردات مرادفة لمفردة (بواگة) أو (نشالة) أي سراق وآخر يعجز من أن يطوق يراعه بأنامل تعتصره لينزف بمفردة يستعيض بها بلفظ مقدس عن مفردة (البغايا) وثالث لا يجد حرجا ولا يتورع حين يقحم قصيدته عبارة: (لو يشوفك يوسف يهيم بجمالك) ويصور القضية بأنها قضية غرام وهيام وعشق. من تلك المفردات التي يتسامى عنها الشعر الحسيني ويُجل وهي لا تمثل إلا كلمات تسطر فتحتضر على الشفاه الواعية. وما لدي ولدى الكثيرين من المتابعين عشرات من هذه الأدلة. كم ظل يتمنى الجميع أن تشنف أسماعه قصيدة ولو لمرة واحدة يبين الشاعر فيها مناقب أو مآثر أو مراتب أهل البيت صلوات الله عليهم وفيوضاتهم أو أن تشير ولو إشارة خاطفة لذلك. لم نعثر على مثل ذلك النموذج أبدا. لقد راودت البعض أضغاث أحلام يقظة عميقة بعيدة المدى فرغبوا لتحقيقها وأشرعوا بالتفكير بتكوين ثنائيات تشبه في تكوينها وليس بمضمونها وفنها ثنائيَ المرحومين الشاعر الحسيني كاظم المنظور والرادود الحسيني حمزة الزغير .دون أن يضعوا بالحسبان أن الفلتات لا تتكرر بسهولة ويسر وإن النضوج والتكامل لا ينال بسهولة وإن الشروع في إقامة أي مشروع بحاجة إلى نضج وفهم عميق ودراسة وافية وتوفيق من الله سبحانه وتعالى . وحين لم يفلح هؤلاء الإخوة بما حلموا ورغبوا بتحقيقه تحولت ممارساتهم إلى تكوين تحالفات أو تكتلات، فهذا يكتب لهذا وذاك يقرأ شعر ذاك واستمرت المناصفات. وإن نافلة القول تدعونا أن نخاطب أعزاءنا التائقين بالإلتحاق بركب الأدب الحسيني: إن البحث عن نيل الشهرة والجاه حق مشروع إنما ثمة مواطن وأماكن كثيرة يمكن اغتنامها واستثمارها لمزاولة مثل هذه المهنة بعيدا عن عظمة الإمام الحسين عليه السلام وقضيته العظيمة. ولنتذكر إن الشعر رشحات إيمانية ترشح من قريحة موالٍ يسجل مواثيقه للإمام الحسين عليه السلام بمكنون ضميره. وكذلك إن شديد احترامنا واعتزازنا وتقديرنا العالي للإخوة المسؤولين على إدارة شؤون المواكب أو الذين تناط بهم مهمة اختيار الشعراء والرواديد لهذه المواكب.هؤلاء الأفاضل الذين نتلمس بهم الحرص الشديد على إبقاء مسيرة الشعائر الحسينية مشعة باشراقاتها الزاهية ومحققة لأهدافها السامية نقول لهم: نسأل الله أن يوفقنا وإياهم في أن نتمظهر بالولاء الحقيقي للإمام الحسين صلوات الله عليه تمظهرا حقيقا ظاهرا وباطنا ونختم هذا الولاء بختم الخصوصية للإمام الحسين صلوات الله عليه ونبرح دائرة الولاءات الأخرى ونتجنب أية حالة للإحتكار وننأى بأنفسنا عن ممارسة المحسوبية والمنسوبية وأن نسلط الأضواء على من لا يستحق أن ينزوي في ظلمات دهاليز الإهمال المتعمد ولنجعل معيار القبول والرفض المهارة والموهبة والقدرة وعدمها فنسعى منصفين لقبول فلان لموهبته ومهارته وطاقته. ونؤجل قبول فلان لعدم مقدرته وقابليته على الأداء حتى ينضج. فلنتقِ الله ولا نغيِّبِ الناس عمدا ونقصي فلانا وفلانا. إلى اللقاء في الجزء الرابع
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- الإعلام الحسيني.. الأهداف والخصائص