حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لايختلف اثنانِ من العراقيينَ مهما اختلفت مشاربهم السياسية وألوان طيفهم المجتمعي والاثني على أن الدستور العراقي "الدائم" لعام 2005 والذي كُتب على عجالة في الفترة التي وُصفت بالانتقالية والحرجة وبتوجيه من المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف، لايختلفون على حقيقة صادمة بان الدستور لم يُكتب بمهنية قانونية واحترافية عالية وهو كان وما يزال حمال أوجه ومازالت الكثير من نصوصه تخضع لتفسيرات وتأويلات يغلب عليها المزاج والتنظير الكيفي والعشوائي فالكثير من مواده فُسرت تفسيرا عشوائيا مغلوطا وربما حملت أبعادا قانونية هي بالضد من حمولات هذه المواد ومنها (المادة 38) المثيرة للجدل في هذه الأيام بالذات والخاصة بحرية التعبير [ الفصل الثاني ـ الحريات: المادة (38) تكفل الدولة وبما لايُخلُّ بالنظام العام والآداب: اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون] والتي أصبحت في الآونة الأخيرة مثل قميص عثمان الكل يرفعه حسب مزاجه الخاص ويفسر فقرات هذه المادة حسب مايرتئيه توجهه السياسي والكتلوي وحتى المناطقي. ربما يظن البعض إن العلة في كتابة الدستور على عجل كانت للاستعدادات التي أجريت في وقتها لسحب "البساط" من تحت الاحتلال الأمريكي ولكي لاتبقى لديه أية "حجة" يتحجج بها للبقاء الدائم في العراق كمحتل إذا ما توفرت مقوّمات حكومة عراقية وطنية بديلة وذلك عن طريق كتابة دستور "دائم" وإجراء "انتخابات " لإنتاج برلمان يقوم بعدة ادوار منها تشكيل حكومة عراقية صرفة (نظام برلماني) والقيام بدوره التشريعي والرقابي المنوط به، ولكن لم يلتفت واضعو الدستور وفقهاء القانون الدستوري الى إن حقيقة كتابة الدستور وعلى عجالة وفي مرحلة انتقالية حرجة سيقود الى ملئه بمطبات وثغرات سيكشف عنها الزمن باعتبار إن الظروف السيو ـ السياسية في تغير مستمر في ظل مشهد مأزوم ومضطرب ومليء بالمفاجئات التي لاتكون سارة في معظمها. والطامة الكبرى تكمن في عدم التمكن من إجراء أي تعديل لهذه المادة حاليا لتتناسب مع الواقع العراقي الراهن وذلك لاصطدام تلك المحاولات بالدستور نفسه وهو ماتشي به: [المادة (126):أولا لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعينِ أو لخمس (1/5) أعضاء مجلس النواب،اقتراح تعديل الدستور. ثانياـ لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام]. فالمادة (126) أصبحت عائقا حقيقيا أمام جميع المحاولات التي ترمي الى تعديل المادة (38) وغيرها وقبل أن تستفحل الأمور الى مالايُحمد عقباه بعد ما حصل من أحداث اقتحام مبنيي البرلمان ورئاسة الوزراء من قبل متظاهرين غاضبين وحدوث خسائر مؤسفة بالأرواح وأضرار غير مُبررة في الممتلكات، وكل ذلك حدث تحت يافطة "حرية" التعبير و"سلمية" التظاهر التي كفلها الدستور بموجب المادة (38) وكان المعوّل على المحكمة الاتحادية العليا أن تضع النقاط على الحروف وتفسِّر هذه المادة تفسيرا قانونيا احترافيا وهذا من صلب اختصاصها الدستوري ولكي تمنع الخلط المتعمد بين الأوراق وترفع اللبس عن تشابك المصطلحات والمفاهيم والمداليل فالبعض عدَّ ماحصل "ثورة" شعبية سلمية فيما عدَّه البعض أعمالا "تخريبية وشغبا " لاعلاقة لها بالمطالب الإصلاحية فيما عدها البعض الآخر أنها "دستورية " بموجب المادة (38) إلا أنها "انحرفت" عن مسارها الصحيح وهكذا تفاوتت الآراء والتحليلات المزاجوية والكيفية وكلٌ يغني على ليلاه فالمتظاهرون في نظر البعض "ثوار" وفي نظر البعض الآخر "مخربون " وبقي الرأي العام منقسما على نفسه. ومن ظاهر منطوق المادة (126) يبدو جليا استحالة إجراء أي تعديل على المادة (38) وذلك للظروف الراهنة التي ألمّت بالسلطتين التنفيذية والتشريعية معا وصعوبة استحصال (5/1) من أعضاء مجلس النواب واستحالة إجراء استفتاء شعبي عام في ظل الظرف الأمني الراهن الذي يمر به العراق. الأحداث المؤسفة التي نتج عنها إراقة دماء لأناس طالبوا بالإصلاح حسب طريقتهم الخاصة، قيل إنها حدثت بفعل "مدسوسين" بدون تحديد الجهة التي "دست" عناصرها لإحداث حالة شغب أفرغت التظاهرات من أهدافها ونزعت عنها سلميتها وهي الصفة التي كفلها الدستور وثانيا لإحداث فجوة مابين قوات الأمن والمتظاهرين ينفذ منها الإرهاب بسهولة ولزعزعة الثقة مابين المواطن وقوى الأمن بعد أن اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار ومقاطع فيديو وصور لمعاركَ حقيقية على أبواب الخضراء ومن دون أن تعطي الجهات الأمنية تفسيرا معقولا لما حدث او تنشر ماسجلته كاميراتها ليعرف الرأي العام الحقيقة التي ضاعت وبقي القلق والترقب والغموض يتوجس منه الجميع حكومة وشعبا . كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحرية بمبالغ مالية
- حرية الرأي في العراق، بخطى ثابتة.. إلى الوراء دُر!