حجم النص
بقلم:صالح الطائي ترابط غريب هو الذي يجمع بين هذه المسميات الثلاث؛ بالرغم من الفاصل الزمني الكبير بين واحدة وأخرى، لكن بالمحصلة وكنتيجة نهائية لابد وأن تكون هناك علاقة غير محسوسة ولا منظورة، تفرضها الحاجة الآنية للإصلاح، إصلاح الأوطان والإنسان، بعد أن خرب الإنسان ودمرت الأوطان، وقتلت مباهج الحياة، وسرقت الابتسامة من على الشفاه. ولد (أفلاطون) بمدينة (أثينا) اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد (428 ق.م) في الحقبة التي كان فيها (عزرا) الكاتب يدون التوراة اليهودية، وهي حقبة قلقة كان الناس فيها يبحثون عن اليقين وعن الهداية لأرواحهم الهائمة نتيجة الصراع المرير والدموي بين الوثنية الراسخة الجذور والدينية المحاصرة النامية. اسم أفلاطون الحقيقي (ارستوكليس بن أرستون)، واسم أمه (فريكتونا)، وأشرف على تربيته وتنشئته وتعليمه زوج أمه (فورلامفس). أما كلمة أفلاطون فمعناها: عريض المنكبين، وهي وصف لحالته الجسدية لأنه كان ضخما. تتلمذ أفلاطون على يد الفيلسوف الكبير (سقراط)، وتأثر بنظريات (فيثاغورس)، فاتسعت مداركه ونبغ، وحينها أخذ يلقي دروسه في الفلسفة قرب حديقة اسمها (أكاديموس) التي اشتق منها اسم المدرسة التي كان يلقي فيها دروسه (الأكاديمية). تقوم فلسفة أفلاطون على الاعتقاد أن هناك عالمان أحدهما مادي وهو العالم الحي المتغير الذي نعيشه، ويسمى عالم المحسوسات، وهو عالم ناقص حقير، يحتاج إلى الإصلاح والتقويم، وعالم فكري يقوم على العقل والمثل العليا والأبعاد الهندسية والرياضية، ويسمى عالم المثل، وهو الذي يجب أن يتولى عملية الإصلاح. أما (أفلوطين) فهو فيلسوف مصري، يقال إنه من أصل يوناني أو روماني أو مصري، ولد في (المنيا) التي كانت تسمى (ليكوبوليس) في بداية القرن الثالث الميلادي (نحو ٢٠٥ - ٢٧٠م) وعاش في الإسكندرية، وإليه تنسب الأفلاطونية الجديدة التي بنيت على افتراض أن هناك صلة وثيقة بين العالمين اللذين تحدث عنهما أفلاطون؛ هي نفس الإنسان. وتقوم فلسفة أفلوطين على ثالوث: الله، العقل، النفس. ويُعرف أفلوطين في المصادر العربية باسم (الشيخ اليوناني). ومن المضحك المبكي أن الحقبة التي عاش فيها أفلوطين كانت شبيهة بالحقبة التي عاش فيها أفلاطون حيث كان القرن الثالث الميلادي عصراً تمزقه الأزمات الداخلية، بعد أن قلب الاضطراب الأخلاقي والاجتماعي والفكري قيم العالم القديم رأساً على عقب، نتيجة الصراع بين الدينية واللادينية، بسبب تنامي قوة الدين الذي أصبح أساس الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، فسحب البساط من تحت أقدام اللادينية ووضعها في موقف مهزوز لا تحسد عليه، ولكنها رفضت التسليم بعناد، وبقيت تعاند وتكابر من أجل البقاء. بما يبدو وكأن الفلاسفة الحقيقيين لا يولدون إلا في زمن الأزمات التي تمر بها البشرية، ولا يولدون إلا حينما تكون البشرية بحاجة حقيقية إلى عقولهم النيرة، إلى وجودهم وتأثيرهم وأطروحاتهم وأخلاقهم؛ علهم ينجحون بإعادة ترتيب الأوراق التي بعثرها الصراع بين البشر. وفي الوقت الذي تبعثرت فيه أوراقنا نتيجة التطاحن والتناحر اللاأخلاقي الغبي المتولد من الشد الطائفي المقيت، والتكتل الحزبي الأرعن، والمناطقية التافهة، فاحترق بعضها، وطمست معالم البعض الآخر، هل نأمل ولادة فيلسوف من بيننا ينجح بإعادة ترتيب الأوراق، وتعويض المتضرر منها، وإعادة رسم بعضها، أم نحن بحاجة إلى سياسيين يأخذون على عاتقهم ترتيب الأمور بعد أن أسهمت السياسة نفسها بإلحاق الأذى الأكبر بمجتمعنا ووجودنا وحياتنا وقيمنا؟ أم ترانا بحاجة إلى كليهما ليأخذ كل منهما جانبا يتولى تقويمه، فيأخذ الفيلسوف الجانب القيمي والروحي، ويأخذ السياسي الجانب الحياتي والمادي، ونحن وإنْ لم نجرب فعل الفلاسفة، فإن تجربتنا مع السياسيين مريرة قاسية، فالسياسيين المعاصرين ومنذ عام 1968 ولغاية هذه الساعة، سرقوا كل ما نملك بما في ذلك حياتنا وقيمنا ومواريثنا ومدخراتنا.، ولم تعد لنا ثقة بأي واحد منهم.!
أقرأ ايضاً
- الغدير بين منهج توحيد الكلمة وبين المنهج الصهيوني لتفريق الكلمة
- أفلاطون في البرلمان
- لو كان الحسين بيننا هل سيجعله الفاسدين يعيش او نشاهد كربلاء و عاشوراء اخرى