حجم النص
بقلم:نضال نعيسة فيما يبدو صراعاً إماراتيا-مصرياً-سعودياً، من جهة، وقطرياً-تركياً في الجهة المقابلة، على ريادة المنطقة، واحتكار ما اصطلح على تسميته بـ”الثورات”، أصدرت ما تـُعرف بـ “الإمارات العربية المتحدة”، قائمة جديدة، تصنف فيها بعض المنظمات في المنطقة وتسـِمها بـ”الإرهابية”، وذلك في إطار الحرب المستعرة بين الفريقين لقيادة الحراك “الإرهابي” (الثورات المفبركة) في المنطقة، وقد يكون التفجير الإرهابي الذي وقع لسفارتها في ليبيا، والذي قيل بأن تركيا وقطر تقفان خلفه، قد سرّع في إصدار القائمة الإماراتية. وبغض النظر عن تلك الانتقائية المقصودة في تصنيف هذه المنظمة أو تلك بالإرهاب، فحقيقة، إن هذه المشيخة، المسماة بالإمارات، مع السعودية التي أصدر مليكها هو الآخر، وفي ربيع العام الحالي، قائمة مشابهة للمنظمات والجماعات والأحزاب الإرهابية، هي آخر من يحق لها إصدار مثل هذه القوائم وهي المتورطة في “الربيع العربي”، (الإرهاب الدولي المنظم)، من بابه لمحرابه، والمنغمسة فيه لشحمة أذنيها، ولها الباع الطولى في معظم عمليات القتل والإرهاب والخراب الجاري في المنطقة منذ قرابة الأربع سنوات تحت اليافطات “الثورية” إياها. وقد كان دورها في قصف ليبيا، وإرسال القتلة والمرتزقة وتسليحهم والصرف عليهم بسخاء، بارزاً ولا يجاريها به أحد. ولا نحتاج للتذكير بدورها البارز في تدمير سوريا، وانخراطها في مشروع “الثورة السورية” (الإرهاب الدولي)، منذ الأيام الأولى تضامناً وتكافلاً مع المشيخات الخليجية الأخرى، التي سحبت سفراءها من دمشق وأعلنت الحرب والحصار عليها، عبر ما تسمى بـ”الجامعة العربية”، وألـّبت، وحرّضت المجتمع الدولي ضد سوريا، وكانت العضو الأبرز والأنشط والأكثر فاعلية مع تعرف بمجموعة “أصدقاء سوريا”، ومن الأحد عشر عضواً ممن تبقـّوا وغــُربلوا من المجموعة الشهيرة. وحقيقة، إذا كان هناك من يجب أن يوسم ويوصف بالإرهابي، فهو في الواقع كل تلك الدول التي تقف وراء الإرهاب المستشري في المنطقة، والذي تقوده الولايات المتحدة، وتمنح بسببه الغطاء القانوني والعسكري والأمني والإعلامي لكل الدول المنخرطة فيه، وهذا هو سبب بقاء معظم هؤلاء خارج طائلة ودائرة المحاسبة والمساءلة الجنائية الدولية. ولم يكن وضع اتحاد علماء المسلمين، الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي نجم الجزيرة الألمع، و”مفتي الناتو” الشهير كما اكتسب لقباً، وجماعة الإخوان المسلمين عرضياً، ومحض مصادفة، رغم أن معظم الفصائل الإرهابية (الثوار)، التي تـُدمـّر وتقتل وتحارب قد خرجت من تحت عباءة التنظيم الأممي الإخواني، وتتحالف معه في سوريا، وغيرها، بل لقد كان التصنيف ذا مغزى ودلالة وموجهاً للشقيقة والجارة الإمارة الصغيرة قطر راعية الإخوان والاتحاد، وحاضنتها الإقليمية تركيا، عشية اجتماع حاسم لتقرير وضع قطر داخل الأسرة الخليجية، ويحمل رسائل هامة لهما، كما أنه، في شقه الآخر، تضامن وإعلان ولاء واصطفاف وانضواء تحت العباءة السعودية ومحورها-المصري الأردني المعروف، ويعتبر مؤشراً على استمرار، وتصعيد وتسعير الصراع مع المحور التركي-القطري وعدم مهادنة أو انسحاب من هذه المواجهة الإقٌليمية-الدولية المفصلية والمصيرية، حيث سيخرج اللاعبون الخاسرون منها، ومن المسرح، من الأبواب الخلفية، مرة واحدة وإلى الابد. يبقى أن اللافت في الموضوع، والمثير، هو إقحام ما يعرف بـ_اتحاد علماء المسلمين”، بزعامة القرضاوي، وهو-الاتحاد- هيكل سياسي-ديني طبخته قطر في مطلع القرن الحالي ليكون ذراعها الضاربة، ورأس حربتها في صراعها المفتوح والطويل والتنافسي مع”الشقيقة” الخليجية الكبرى المعروفة بـ”السعودية”. وقد تم تلميع وبهرجة شيوخ هذا الاتحاد كالقرضاوي، والقره داغي، على مدى حوالي عقدين من الزمن، ودعمتهم بموقع إسلام أون لاين Islam online، الشهير، وخصصت للقرضاوي برنامجاً أسبوعياً بدا دعائياً ترويجياً تنميقياً، في المقام الأول، يـُبث عشية كل أحد في وقت الذروة المسائي، بغية استثماره لاحقاً في النزال الحالي، وترجيح الكفة القطرية في مواجهة الهيمنة السعودية المطلقة على القرار الخليجي. ومن الجدير ذكره، أن الشيخ القرضاوي، كان من المحظيين والمحبوبين والأثيرين عند شيوخ الإمارات سابقاً، ولا تزال في الذاكرة صوره الشهيرة مع الشيخ محمد بن راشد، في حفل مهرجاني، وهو يستلم شيكاً بمليون دولار، خـُصص كما قيل يومها لإطلاق الموقع المشار إليه أعلاه، واحتـُفل بالشيخ القرضاوي في دبي باعتباره شخصية العام الإسلامية في سنة 2000، وخاطبه الشيخ بن راشد يومها قائلاً: “إن حبـّه (للقرضاوي) لفضيلته حب في الله ولله لدوره المتميز في خدمة الاسلام والمسلمين”، وتم تربيحه أيضاً من ذات الإمارات جائزة القرآن الكريم الدولية “السخية”، وكان يـُخصص له جناحاً رئاسياً في فندق برج العرب الخيالي الأسطوري الباذخ الشهير، وقت كان يحظى القرضاوي يومها برضا، ومباركة ومحبة شيوخ الإمارات، وقبل أن يطرد فيما بعد من مطار أبو ظبي، بعد بروز تباينات بين السياستين الإماراتية والقطرية حيال بعض القضايا الإقليمية، ووجود حساسيات تاريخية بين شيوخ المشيختين كان الشيخ القرضاوي أحد ضحايا ذلك كله. القرضاوي اليوم، إرهابي ملاحق وطريد العدالة والقانون والإماراتي وحتى الدولي إذ تـُرسل نسخة من هذا التصنيف للإنتربول الدولي. وبين تلك الأيام الآفلة الزاهية والعلاقة الودية والحميمية مع شيوخ الإمارات، والتهم الجنائية والإرهابية اليوم، للشيخ القرضاوي، تكمن قصة ودرس بليغ، لأبشع توظيف، وإقحام للدين ورموزه، في صراعات ومصالح سياسية متبدلة ومتقلبة ومزاجية، وفي حروب طاحنة لا تعمل في النهاية إلا على قتل، وحرق أسماء و”لحى” كل من يتورط وينخرط ويتاجر بها، وتنزع عنه أية عصمة، وتقدير، ومهابة، واحترام.
أقرأ ايضاً
- كيف تتَحَوّل بثلاث خطوات من إرهابي إلى بريء ؟
- د11عش تنظيم إرهابي وسُنّة العراق براء منه
- وريث داعش الإرهابي