- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اكتب لكم عن اربيل التي اعرفها
حجم النص
بقلم: سيف الخياط عام 1996 كنت في اربيل، تلك الايام كانت صعبة، كانت كردستان تعيش حصارين، الاول حصار المجتمع الدولي للعراق جراء سياسات صدام حسين العدوانية على دول الجوار وحصار اخر فرضه صدام على الاقليم عقاب له على ثورته التي اندلعت الى جانب تسعة محافظات عراقية في وسط وجنوب العراق، في تلك الايام كنت شاب صغير ابحث عن الفن وحرية التعبير فغادرت بغداد باتجاه الاراضي الحرة، كان صديقي كمال بدران يقول نحن حمقى لاننا ارتمينا في حضن يبحث هو الاخر عن حضن يرتمي فيه. في تلك الايام لم تكن توجد موارد ولا ميزانية والحياة الاقتصادية معطلة والجمع ينام الى جانب قطعة سلاح محشوة وجاهزة، فلا يوجد امن ولا امان، ومن لم ينتسب لحزب يحميه فهو ضائع وتائه ودمه رخيص، اربيل في تلك الايام كانت سوقا لبيع وشراء البشر حسب الانتماءات والتوجهات السياسية، سوق كبير وبورصة تديرها اجهزة مخابرات دولية مختلفة. زاد من رواج هذه السوق وجود اعداد كبيرة من شباب العراق الذين انضموا الى عدة فصائل معارضة منها الحزب الشيوعي وحركة الوفاق الوطني اضافة الى احزاب الاسلام السياسي الشيعي لكن الابرز كان المؤتمر الوطني العراقي الموحد بزعامة احمد الجلبي الذي افتتح معسكرا كبيرا لتدريب قوة عسكرية تم تجميعها من الجنود والضباط الفارين من جيش صدام على امل تكرار الانتفاضة والقضاء على النظام الدكتاتوري. في تلك الايام المعقدة كان المورد الاساسي لحكومة الاقليم المشتركة بين الحزبين الكبيرين ياتي من معبر ابراهيم الخليل الا ان الشراكة ابتلعها الحزب الديمقراطي الكردستاني (بارتي) بزعامة كاكه مسعود البارزاني الامر الذي دفع بالاتحاد الوطني الكردستاني (يكتي) بزعامة مام جلال الى الاحتجاج على سياسة افقار الاخرين والاستيلاء المنفرد على الكعكة. تقاتل الاخوة الكرد على اثر هذا الخلاف ولاجل حسم المعركة استعان الزعيم البرزاني بجيش الدكتاتور للقضاء على شريكه في السلطة، شريكه في النضال قبل كل شيء وشريكه في مصير الامة الكردية، فدخلت قطعات الحرس الجمهوري اربيل بطلب مباشر من كاكه مسعود وجهه لصدام حسين تحت ذريعة ان ابناء مام جلال عملاء لايران، هنا التقت مصالح الطرفين، صدام الذي يريد القضاء على المعارضة والقائد البرزاني الذي يريد استئصال خصمه التقليدي. بطشت قوات الدولة بالجميع على راسهم عناصر المعارضة العراقية ودفعت بهم الى الحدود الشمالية لتركيا مخلفة جرحى وقتلى واعدامات جماعية لخيرة شباب العراق الحر. كان المشهد سرياليا بالكامل، اعداد من الجنود يصطادون الهاربين بعضهم يحمل على كتفه مثلث احمر وهي شارة الحرس الجمهوري الى جانب البيشمركة المميزين بشارة صفراء وهي شارة الحزب الديمقراطي الكردستاني. في تلك الاوقات هربت ومن بقي معي من الناجين في شوارع اربيل المحاصرة بالدبابات بحثا عن طريق للوصول الى الجبال والاحتماء بها، تلقيت رصاصة في فخذي الايمن في حين فقدت الاخرين ولم اعرف عنهم شيء حتى اللحظة ومصيرهم ما زال مجهولا بالنسبة لي. ولم تتوقف الحرب الا بعد تدخل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران وزوجته بخطة تسوية اطلق عليها خطة (فيفتي فيفتي) التي نظمت واردات المعبر بالتساوي بين الخصمين. ولم تعد الا السليمانية ملجأ للمعارضة لان اربيل تصالحت مع بغداد وساعدتها كثيرا في الالتفاف على مقررات الامم المتحدة الخاصة بمحاصرة نظام صدام حسين…اما الاوساط السياسية فكانت تتحدث عن شراكات جديدة ظهرت بين (ابناء الكاكه وابناء الريس). سقط صدام حسين بعد ذلك بسنوات اما اربيل فتحولت قبل عام من عمليات تحرير العراق التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية الى ارض لتجنيد الشباب الذي انخرطوا فيما عرف بجيش تحرير العراق، ولاول مرة ظهر بث جديد لقناة تلفزيونية كان مشعان الجبوري يديرها تلك القناة كانت باسم (تحرير العراق) وكانت تتخذ من التلفزيون الرسمي للبارتي مقر لها، الا ان الجبوري تحول فيما بعد الى عدو للاقليم والاقليم انشغل بهمه وهمومه بعيدا عن ضوضاء بغداد باستثناء مام جلال الذي بات يعرف بصمام امان العراق. بعد سنوات الطحن التي شهدها العراق وهو يحاول بناء نفسه كان الاقليم يتعافى بسرعة حتى مطلع العام الحالي 2014 حيث بدأت ملامح مرحلة جديدة محطتها الاولى اعادة تقسيم الكعكة بين الشقيقين (بارتي، يكتي) وضرب خطة الشراكة (فيفتي فيفتي) في ظل مرض (المام) وعجزه عن البقاء في الحياة السياسية، ما جعل انصار اليكتي ينظرون الى البارتي على انه بات سمكة كبيرة تريد الاستيلاء على الحوض بكل ما فيه من سمك، وكانت اول تلك الاسماك (سيد اكرم) وهو مدير الامن في معبر ابراهيم الخليل الذي اودع في السجن ثلاث سنوات لانه رفض السماح لرئيس حكومة الاقليم نيجيرفان البرزاني بالحصول على (مليار دولار) من واردات ذلك المعبر الحيوي الذي تقدر قيمة ارباحه بثلاثة مليارات دولار سنويا. حكاية اربيل ما زالت مستمرة واحداثها الاخيرة بدات تثير اهتمام المتابعين مع ازدياد نفوذ العائلة وخوف الجميع وقلقهم من العقاب والتصفية وضياع الدولة والاقليم
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- الآثار المترتبة على العنف الاسري