حجم النص
د. محمد تقي جون ودارت الأيام وجاءت الانتخابات.. اللافتات احتلت الشوارع والمباني، وبقًّت عيون الماشين الراكبين والقاطنين، وهي تشي ببداية الحماس الصراعي، حيث أخرجت إخراجاً وتفنن في عرضها تفننا.. أعلن ابن سيَّا لابدية الاعتراف بعظمة (العملية الانتخابية) وبعبقرية مكتشفها، والتأكد بأن البشرية بعد ردح طويلٍ من الزمن والمعاناة والمآسي الحمراء، قد تهيأت لهذا الاكتشاف العظيم!! وتأتي روعة الانتخابات من أنها أصبحت بديلاً سلمياً من المواجهات الغبية المرعبة الدامية، فهي ببساطة انقلاب (مدني سلمي)، يذهب بدولة ورجال ويأتي بدولة ورجال، بلا دماء تراق ولا نقص في الأموال والأنفس، فيتحول الحماس للقتل وتصفية الآخر جسدياً وروحياً إلى حماس لإزالة الآخر مع الاحتفاظ به جسدياً وروحياً.. وهو انجاز عقلاني عظيم. ولعل البشرية بعد ردحٍ آخر أكثر طولاً وعسراً ستقضي على الحماس بالمرة، وتصبح الدولة القديمة تذهب بالروحية نفسها التي أتت بها، وهذا إن حصل في شعب فهو يعني أن هذا الشعب بلغ أقصى رقيه الإنساني.. ولكن بعد كذا دورة لم يفز الشعب! بل فاز أفراد وأحزاب أثروا فأفحشوا، وأفقروا الشعب وأوحشوا، وقطّروا الأماني للناس قطرات غير مبللات. انهم يعلمون ذلك، وكثيرا ما مزقوا لافتات مفضوحة أو علقوا تعليقات ساخرة على أخرى.. هي ثورة كسيحة وانتفاضة مشلولة، وسؤر وبقايا كأس لما تجرع سابقاً.... ويظل الناس يحلمون بحكومة لا تضطرهم إلى اتهام أنفسهم أمام الله بأنهم يجازون بسوء أعمالهم التي لا يتذكرونها، وأحلامهم البسيطة جداً لا يستجيب الله لها أو لبعضها وهو واسع الكرم يعطي بغير حساب. أو يتهمون جيرانهم والذين حولهم بأنهم يضربونهم دائماً بعين محرقة، و(بلاويهم) بسبب ذلك، وحتماً سيقول جيرانهم والذين حولهم بحقهم المقولة ذاتها. في حين يتمتع سكان الغرب بسعادة غامرة وحياة مثالية ولا يظلمون فتيلا وهم أكثر سخطاً لله وذنوبهم الفادحة لدينا يفتخرون بها، ولا يتهم أحدهم جاره والمحيط به بأنه يضربه بعين محرقة دائماً وهو سبب (بلاويه)، ولا هو يتهم بذلك من جاره والمحيط به، مع أنهم أصحاب عيون زرق، والعيون الزرق معروفة بالحسد!! قال ابن سيا وهو يستغرق في الاستكناه " في زحمة الوطن المذبوح أبداً، وإرهاصات النهايات المحتملة جداً، عبر أبواق الموت المتصلة بأنين وضجيج الارتحال المستمر.. وفي ظل هذه العملية النبيلة استرخت أمانٍ، وقامت سوق، وغصَّت فرص.. فأي نقيض وأي مريض؟ إنها (شيزوفرينيا) مؤكدة". وسرّح النظر في عراق اليوم، المتألم الغاص بنواب منتفعين، زائفين ومزيِّفين، فسرح وعبَرَ، وتقمَّصَ الوطن وعنه عبَّر: إلى أين أمضي والمسافاتُ تهرُبُ وكلُّ غدٍ أمسٌ عليَّ يكــــذِّبُ وان النهاياتِ العقيماتِ كــــــلَّها أراها.. تجولُ العينُ فيها فتتعبُ تناهبني الأبناءُ إلا بقيــــــــــــة سيأتي عليها الآخرونَ فتذهبُ يجيئون (غَيراً) ثم يمضونَ (مثلَهُمْ) أما سُئمتْ من لعبةٍ كمْ ستُلعَبُ؟ يلهُّونَ شَعبي بالوعود ليسلبوا كما ألهِيَتْ محلوبة حينَ تُحلبُ هناك.. سأدعو المخلصين، وإنهم لقرَّةُ عيني والدواءُ المطـــبِّبُ وأضاف:" النواب الذين لا يبنون العراق، ينوبون عن أنفسهم وليس عن الشعب، وحتماً سيشرعنون غير الشرعي ويصنعون كل بدعي.. ويصطنعون كلَّ دعي. والنواب المنتفعون على حساب العراق سرَّاق أنفسهم والآخرين، لأنهم أُعطوا (دفة الفعل) فأداروها لوجهتهم ولم يوصلوا العراق وشعبهم - وهم الأقدر - إلى بر الأمان ". نائبة ونائبُ وجمعُهمْ (نوائـبُ) ميكافليَّاتٌ هِيَ الألقابُ والمراتِـبُ مثل دواليبِ هـــــــــــواءٍ: ذاهب وآيـبُ (مَناصبٌ) لحقنا (روافِضٌ)(نواصِبُ) ولعبة أودت بلاعــــــــــــبٍ وفاز لاعب (هذي).. صناديقُ مُنىً مِفتاحهنَّ الناخِبُ انهم يدجنون الديمقراطية ذلك الانجاز الانساني العظيم لاعادة واعداد دكتاتورية جديدة.. دكتاتورية بأسس ديمقراطية.. وتمتم:" هذه لا توجد الا عندنا" وشعتم: البرلمانيون أنواعُ: مدرِّسٌ، قاضٍ، ورگاعُ فبعضهم به تشرَّف العلا وبعضهم ينبو به القاعُ سمّوه (سوق البرلمان الحر) ما دامَ به يُشرى ويبتاعُ ديموا- قرا- مطية بمثلها هيهات لا يزعمُ سمَّاعُ غير ان ابن سياَّ متأكد من أن العيب ليس في (النظام الديمقراطي) لأنه ناجح ناجع في دول أخرى، وأسّه صحيح ومقاله فصيح. بل العيب فينا لأننا لم نستوعب الديمقراطية سلوكاً ففوَّتنا على أنفسنا فرصة أن نعيشها واقعاً... فانتخاباتنا غير (انتخاباتهم)؛ هم ينتخبون من يُكسِبهم أولا وآخرا، ونحن ننتخب من يكتسب هو أولا وآخراً!!
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- قبل الانتخابات وبعدها