- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عقيل الطريحي ... انها كربلاء (الحلقة الثانية)
حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ في بداية كلامي اقول ان كل أقوله هو شقشقة هدرت بمرارة واستقرت، وليس من الانصاف ان نقلل من شأن الانجازات التي قام بها السيد امال الهر في خدمة كربلاء ونقدر الظروف العسيرة والاستثنائية التي مرت بها كربلاء فالرجل قدم خدمات جليلة وكثيرة الا ان الاخفاقات كثيرة ايضا وفي الوقت نفسه نقدر باكورة الجهود التي يبذلها السيد الطريحي محافظ كربلاء الحالي وهي جهود تبشر بخير وهي بحاجة الى وقفة شجاعة من قبل أهالي كربلاء تضامنا معه وتكاتفا ومع جهوده واتمنى ان لايكون وحده في الساحة وان لايخذله الناس بحسب (مبدأ آني شعليه)..مجرد امنية!! الباعث الذي كان وراء كتابة مقالاتي السابقة بشان كربلاء والتي لم يلتفت اليها احد من الحكومة المحلية السابقة كان بسبب حادثة مؤسفة وقعت في احد شوارع كربلاء فقد رايت العديد من الزوار الايرانيين يصورون فوتوغرافيا وباجهزة النقال الخروقات والتجاوزات واكداس النفايات والانقاض وعلى مقربة من المرقدين المقدسين وفي شوارع وازقة المدينة ولم يابهوا لي عند تقديم الاعتراض على ذلك لان الخروقات واضحة وفاضحة وعلى رأي اعضاء الوفد الزائر ان كربلاء (خيلي كسيف) باللغة الفارسية وقد علمت فيما بعد ان الصحافة الايرانية كانت تتناول هذه الصور كدلالة على الفشل الدولتي والحكومي في بلد ميزانيته تسمى انفجارية وقد تكلمت حينذاك بما فيه الكفاية ولكن!!!! دخولا في دائرة المسكوت عنه وهي دائرة كبيرة وواسعة في كربلاء ومتشعبة ومؤسفة في الوقت نفسه والاسباب مكشوفة للجميع اقول ان جميع ما اطرحه (وسبق ان طرحته) ليس بخاف عن انظار السيد الطريحي ولا آتي بجديد البتة وقد يكون في جعبته امور اكثر واخطر بحكم مسؤولياته ونحن نعرف خصوصية كربلاء وظروفها العسيرة، ولكن هو توثيق الحقائق للاجيال اللاحقة وستكون استقلاليتي مصداقا لما اقول والهدف المتوخى هو كربلاء الحسين التي لاتقل اهمية عن الفاتيكان او المدينة المنورة او مكة المكرمة او القدس وهي والنجف الاشرف مركز التشيع في العالم. اقول انا لا احب التعكز على شماعة صدام حسين في تبرير السلبيات والنواقص والمشاكل، نعم، صدام جعل العراق قاعا صفصفا ومدمرا بشكل شمولي، ولكن صدام هلك واندثر والصدامية ذهبت الى مزابل التاريخ ودُحرجت في قعر جهنم فما بالنا نحن نتعكز على الارث الصدامي المتهرئ ونقول صدام وصدام في كل صغيرة وكبيرة فالشعوب الحية والمحترمة لاتتعكز على كوارثها وترمي فواجعها ومواجعها على عاتق طواغيتها البائدين وتدخل في سبات حضاري وتخلف قيمي وتراجع معرفي واستلاب مجتمعي وتعيش في دائرة الفوضى والعشوائية وتسير خلف قافلة التطور والتمدن والامثلة على ذلك كثيرة. الامر الثاني لا احبذ ممارسة مبدأ (آني شعلية) ولا اقول "ثقافة" لانها ليست بثقافة بل هي انحطاط بنيوي وتقهقر حضاري ونكوص اجتماعي وهي ممارسة خطيرة اذا كان الامر يتعلق بالعراق وبسمعة ومستوى كربلاء بشكل خاص فالمسالة تتمحور حول مدينة الحسين ولها عدة ابعاد والحديث يطول وذو شجون ومنها قضية الوافدين والنازحين والطارئين بشكل غير مسبوق في اي محافظة من محافظات العراق حتى بغداد العاصمة الكبيرة، وتكمن حساسيتها في امرين الاول هو دستورية التوطن في اي بقعة من الوطن فقد كفل الدستور لاي مواطن عراقي هذا الحق [ المادة (42):- أولاً:ـ للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه] والثاني لم تُجابه باي موقف نقدي مباشر او علني من قبل اهالي كربلاء(او ماتبقى منهم على الارجح) ليس رفضا للنزوح او الهجرة او الاستيطان بل رفض للطريقة المتبعة في الاستيطان حتى صارت كربلاء "خان جغان" والتوطن فيها بلا ضوابط او آليات قانونية او أدراية او تنظيمية فباستطاعة اي شخص مهما كانت خلفياته ان يستوطن كربلاء (كربلاء فقط) بدون رقيب او سؤال او متابعة من اية جهة كانت وقد اخذت هذه المسالة بعدا كارثيا من جميع الجهات الأمنية منها بالدرجة الأساس والخدماتية والتعليمية والتنظيمية فضلا عن ان الوافدين جلبوا معهم الكثير من عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم وهي اكثرها غريبة عن واقع كربلاء فانطمست ملامح كربلاء الحضارية الأصيلة وذابت صفاتها الانثروبوليجية والديموغرافية وصارت خليطا لايشبه بعضه بعضا رغم عراقية الشرائح الوافدة وشاب قدسيتها وقداستها الكثير من الوهن فكانت الحكومة المحلية عاجزة تماما عن تقنين الهجرة والنزوح او مساءلة من يأتي الى كربلاء للاستيطان عن خلفياته العشائرية والجنائية والامنية (مجرد سؤال فقط لاغير لغرض التنظيم الإداري والحَضري) او الطلب من مسؤولي مناطقهم التي أتوا منها ان يؤكدوا موقفهم لاسيما من الناحية الجنائية وعند طرح السؤال عن سبب استقدام هؤلاء الى كربلاء يقول قائلهم: انا عراقي ومن حقي ـ دستوريا ـ ان أتوطن في أية بقعة من بلدي وكربلاء جزء من العراق...وهذا الكلام صحيح مئة بالمئة ولاغبار عليه ولكن ليس ارتجالا وبهذه البساطة وفي كربلاء فقط فلم نجد شخصا وضع يده على الجرح وقال كربلاء هي ايضا عراقية ومن حقها باعتبارها مدينة الحسين ان تكون ذات مستوى حضاري وقدسي يليق بها وبتاريخها العريق والشيء الذي يثير الاستغراب هو ان اغلبية الوافدين هم من مناطق ومحافظات هادئة امنيا و"صافية" مجتمعيا وديموغرافيا عدا مشاكل الخدمات المزمنة ومشاكل العشائر وهم اغلبهم من ذوي الدخل المحدود والشرائح الفقيرة والمسحوقة وحجة مجيئهم الى كربلاء هو العمل باعتبارها مدينة مقدسة وسياحية وفيها فرص كثيرة في العمل والارتزاق وهي في الوقت نفسه مدينة صغيرة قياسا الى المحافظات المنزوح منها والنتيجة ان يسكن هؤلاء في مناطق التجاوز وفي العشوائيات المنتشرة على اديم كربلاء ومناطق البستنة وبقوا على فقرهم ومستواهم المعيشي فلم تغير كربلاء كثيرا من واقعهم وهذه المسالة لها اكثر من سلبية: الاولى ان اكثر الوافدين ليسوا من حملة الشهادات والكفاءات او الفنيين من ذوي المهارات العالية بل بعضهم كذلك اي انهم لايضيفون شيئا ملموسا الى واقع كربلاء والثانية التنافس الشديد والمحموم مع اهالي كربلاء على الدرجات الممنوحة للتعيين في الوظائف الحكومية فضلا عن الوظائف العامة والثالثة وكما يصرح المسؤولون بان ما يخصص من الميزانية العامة للدولة الى كربلاء لايتناسب وحجم النازحين الرابعة وهي الاهم هو الجانب التعليمي حيث ان مؤسسات التربية لاتستوعب الاعداد الوافدة من ابنائنا الطلاب والخامسة وهي الاخطر انتشار بعض الممارسات والسلوكيات غير المقبولة التي لم تعهدها كربلاء من قبل بين بعض النازحين (اكرر بعض) نتيجة عدم متابعة الجهات المختصة لهم وترك الحبل على الغارب يكون كلامنا القادم حول هذا الموضوع ومع هذا انصح الحكومة المحلية باحتضان جميع من ينزح او يفد الى كربلاء لاي سبب كان ولكن بحسب القوانين المعمول بها دستوريا ومهنيا ووفق ضوابط وأعراف المدينة المقدسة وأرجو تنظيم الاستيطان وتقنينه ومتابعة العناصر المسيئة وعدم تفسير الدستور تفسيرا مزاجيا باستغلال الديمقراطية المنفلتة في وطننا ونتمنى للسيد الطريحي ان يوفق في أداء مهامه الجسام وكان الله في عونه (يتبع). إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية