حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
بغض النظر عن الديالكتيك الدائر محليا وإقليميا وعربيا حول انعقاد القمة العربية المرتقبة في بغداد آذار المقبل ، وبغض النظر عن جديتها و جدواها وأهميتها عراقيا وإقليميا وعربيا وعن طبيعة التمثيل الرسمي العربي و"قناعة" الأطراف المشاركة في مؤتمر قمة يعقد لاول مرة في عراق ما بعد الديكتاتورية وترعاه حكومة ديمقراطية منتخبة ، وبغض النظر ايضا عن السجال الدائر والمحتدم مابين الأطراف العراقية نفسها (نخب سياسية / رأي عام) حول أهمية عقد القمة من عدمها ومحاولة البعض استثمار مناخ القمة لأغراض فئوية هي ذات شأن محلي بحت لاعلاقة للقمة بها ..فان القمة العربية السابعة والثلاثين في بغداد تعد نقلة نوعية لمد الجسور العربية المتهرئة نحو بغداد و"طفرة" عربية جاءت متأخرة جدا لرد الاعتبار للعراق العضو المؤسس في جامعة الدول العربية (1945) والعضو الفاعل فيها رغم المآخذ التي لاتعد ولاتحصى على سياقات عمل الجامعة وطريقة تعاطيها مع ملفات أعضائها لاسيما القضايا الساخنة والشائكة ولم يكن الملف العراقي عن الخلل المزمن في ذلك التعاطي السلبي او الضعيف ببعيد.
وتعد هذه القمة رغم الصيغة البروتوكولية / المجاملاتية المتعارف عليها في معظم القمم العربية وضعف سياقاتها الاجراءاتية وغالبا ما تخرج ببيانات كارتونية ذات مسحة شعاراتية وبلغة قومجية فجة، تعد أهم محطة لإشعار واسترجاع "ذاكرة" المحيط الإقليمي والعربي بأهمية العراق الستراتيجية والجيوستراتيجية ومحوريته المفصلية وفاعليته الفائقة ولكسر الحاجز النفسي المتأتي من "صدمة" التغيير النيساني على مجمل الشرق الأوسط والمحيط الاقليمي العربي كون هذا التغيير كان صدمة من العيار الثقيل لأغلب الأنظمة العربية والشرق أوسطية وزلزالا شكل "فوبيا" و"رهابا" مستعصيا من التجربة الديمقراطية العراقية الناشئة مازالت تتخذ أشكالا متعددة من المواقف السلبية والمتشنجة والمستعدية تجاوزت في بعض الأحيان حدود الرفض المقبول كوجهة نظر تعبر عن توجه سياسي او دبلوماسي معين الى حدود من الفعل اكثر عدائية وبقصدية غير مقبولة او مألوفة في الأعراف الدولية.ومن المعول عليه ان تكون قمة بغداد "فرصة" تاريخية نادرة يمنحها العراق للمشاركين في هذه القمة كي يصححوا مواقفهم ويعيدوا اتجاه بوصلتهم التي انحرفت كثيرا عن شَطَر بغداد ليأخذ العراق مكانه الطبيعي وليكون لاعبا إقليميا وشرق أوسطيا فاعلا ومؤثرا بما يتناسب وحجمه ومقوماته ومرتكزاته وامتداده الحضاري المستطيل فوق تضاريس الجغرافيا وحنايا التاريخ، وإمكاناته المادية الهائلة وبنيته الديموغرافية الثرة بعد أن يفهم "الأشقاء" العرب مسألة من المفترض ان تتحقق كنتيجة مهمة من سياق نتائج قمة بغداد بان العراق الجديد هو عراق جدير بالثقة والتعامل الموضوعي ويمتلك تجربة ديمقراطية جديرة بالاحترام وهو خزين ستراتيجي وامتداد حيوي لجميع الأعضاء المنضوين تحت يافطة جامعة الدول العربية فضلا عن الإطار الشرق الأوسطي المتاخم للجغرافيا العراقية ذات الأهمية الجيوبوليتيكة القصوى وليس من الحكمة السياسية او اللياقة الدبلوماسية او المنطق المتعارف عليه بين "الأشقاء" التعامل مع العراق بمنطق الندية وضيق الأفق والاستعداء الناتج عن نوازع طائفية وسياسية مبيتة وصولا الى الحرب المعلنة فضلا عن حرب الاستنزاف التي تمارسها بعض الأطراف المتاخمة للإطار الجغرافي العراقي ومن عدة نواح.. وبغض النظر عن الأخبار " المشجعة" التي تناقلتها وسائل الإعلام بان تكون قمة بغداد ذات مستوى قد يفوق "القمم" السابقة وبمستويات رفيعة في التمثيل العربي والدولي فان الحضور العراقي نفسه يجب ان يكون في أعلى مستويات المسؤولية والجدية والانسجام والتناغم والابتعاد عن الاصطفاف المتخندق الذي قد يؤثر سلبا على سمعة العراق ويقلل من اهمية النتائج اذا ما اريد لها ان تكون في صالح العراق، كما يجب ان يطرح العراق قضاياه العادلة بكل ثقله ووزنه خاصة ما يتعلق منها بالأمن والإرهاب وما يتعلق بمسؤولية بعض الدول العربية "الأعضاء" عن الانتهاكات اليومية التي تحصل على الأراضي العراقية إضافة الى التجاوزات التي تضر بالاقتصاد الوطني ومسألة المياه والحروب الإعلامية الشرسة التي لم تنصف العراق حكومة وشعبا وغيرها الكثير من الملفات العراقية التي من المؤمل ان تطرح في جدول أعمال المؤتمر المرتقب..
ان الهدف الستراتيجي الاول المتوخى من انعقاد قمة بغداد ـ رغم الاعتراضات الكثيرة والتي بعضها تحمل وجهات نظر اقرب الى الموضوعية خصوصا ما يشير منها الى البذخ في تهيئة الأمور اللوجستية والفنية ـ هو ما يجب على الجانب العراقي توضيحه بجلاء لبقية الأعضاء بان لا شرق أوسط كبيرا ولامحيط عربيا آمنا ومستقرا ومزدهرا بدون امن واستقرار وازدهار العراق وهو ما يجب فهمه واستيعابه واستثماره فيما بعد ليكون المؤتمر خارطة طريق مشتركة لجميع الأعضاء للتعامل الصحيح مع العراق خاصة الدول التي تحاول وضع العصي في دولاب مسيرته وتحاول ارجاعه الى المربع الاول وما أكثرها، فهل يفهم العرب خارطة المشهد السياسي العراقي ويفككوا الغاز طلاسمها لينصفوا العراق والعراقيين ولو مرة واحدة !!.
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]