الحياديةُ والمحافظة على شرف المهنة، أمران مطلوبان بشدة في الصحافة كونها لسان حال الجماهير والمدافعة عنهم، ولكن حينما يكون العاملون في هذه المهنة (فاسدين) فبالتأكيد تخسر الصحيفة أو أي وسيلة إعلامية سُمعتها وانجذاب المتلقين لها؛ ومثلما تعاني معظم مفاصل القطاعات العامة والخاصة من الفساد المالي والإداري الذي ينخر بأسسها ويحطمها شيئاً فشيئاً فنحن اليوم أمام كارثة إنسانية جديدة وهي (الصحافة الفاسدة) التي تتخذ أشكالاً مختلفة من أجل الحصول على مصلحتها العامة.
ولم يعد يقتصر الفساد على بعض العاملين (الصحفيين) في وسيلة إعلامية معينة والذين يقضون شؤونهم الخاصة عن طريق علاقات الصحيفة التي يعملون بها أو أخذ رشوة من أحد المسؤولين في سبيل التعتيم على قضية معينة وإنما بلغ الأمر إلى إن قيادات الإعلام وخاصة (العربية) تلوثت أيديها بالفساد بعدما باعت ضمائرها وأنكرت أهدافها السامية.
ففي النوع الأول من (الصحفيين الفاسدين) فهم أشخاص صغار يحاولون زيادة دخلهم المالي ويفتضح أمرهم فيما بعد، أما الكبار وكما لاحظناه في الثورات الشعبية التي ضربت المنطقة العربية فالمؤسسات الإعلامية الكبرى باعت شرفها وضمائرها من أجل التوهم والتعتيم على ما يحدث وكان الأجدر بها أن تفضح هذه المخططات الفاسدة وليست المشاركة (العلنية) فيها وهي كثيرة ولا زالت تمارس عملها بحرية ولكنها فقدت الشيء الأهم وهو الجمهور الذي يبقى هو الأول والأخير هدف وزبون هذه المؤسسة الإعلامية وقد عرف كيف يتعامل مع فساد الصحافة.
وللأسف الشديد فإن الفساد المالي والإداري وبيع الذمم ضرب الإعلام العراقي هو الآخر، فلدينا اليوم صحفيون فاسدون من ضعاف النفوس والذين لا يهمهم سوى جمع المال من هنا وهناك والتملق للمسؤول الفلاني والتعتيم على جرائم الآخر، فأي صحافة هذه خرج بها القرن الواحد والعشرون عندما تصبح لسان حال الفاسدين وليس المواطنين الفقراء الذين آمنوا بأنّ حرية الرأي وكشف الدسائس من قبل الصحفيين هو ما يخلصهم من قبضة الظالمين.
قرأت كثيراً بأن الصحفيين الأوائل كانوا يناضلون من أجل إيصال الكلمة الحقة والمعلومة الصحيحة للجمهور من أجل أن تتخذ التدابير اللازمة للخروج من الأزمات، بعض المؤسسات الصحفية انساقت وراء مصالح الظالمين ووضعت المصالح العامة وراء ظهورها، وبعد رياح التغيير التي شهدتها معظم الدول العربية فإنها تتعاطى مع الأنظمة تارة ومع الشعوب تارة أخرى تكريسا لسياسة الكيل بمكيالين لأجندات طائفية مقيتة تخدم بعض الدول الديكتاتورية، ومع هذا الاضطهاد الذي واجهته الشعوب، فإن الصحافة الحرة لم تتخلَ عن أهدافها وموقفها المشرّف من متلقيها لأنها آمنت بالحرية وعلى رأسها حرية الرأي وكشف الحقائق، أما الآن فالوضع أصبح بالمقلوب في بعض المؤسسات وصارت الصحافة فيها اليد اليمنى للحكّام الفاسدين، فمن يعيد لصحافتنا سمعتها الطيبة؟!
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر