الاستجواب من أهم الوظائف التي تضطلع بها السلطة التشريعية فضلا عن قيامها باتخاذ وتعديل وإلغاء القوانين المنظمة لشؤون الدولة وحياة الفرد ، فضلا عن التشريع والتمثيل والمداولة والإشراف والمراقبة والتحقيق وتعديل الدستور وبصورة عامة هي السلطة التي تقع على عاتقها مسؤولية وضع القواعد القانونية والأسس الدستورية التي تنظم عمل الدولة وضمن الأطر والسياقات الديمقراطية والصلاحيات اللازمة قانونيا وإجرائيا ومن الطبيعي أن تكون السلطة التنفيذية التي تتولى مسؤولية تنفيذ القوانين والتشريعات التي تسنها وتقرها السلطة التشريعية، هي مدار بحث السلطة التشريعية ومجالها الحيوي انطلاقا من الفضاء المتاح لكل سلطة ضمن الدستور المعمول به وحسب ما تقتضيه ضرورات المصلحة العامة للبلد ومن ضمن ذلك عملية الاستجواب وبحسب الهدف المتوخى منه وما إذا كان يحقق نتائج ملموسة وعملية على ارض الواقع بان يكون متناغما ومتواشجا مع إرهاصات الوضع الراهن وفي المجالات كافة خاصة إذا كان البلد يمر في مرحلة انتقالية حرجة ويعاني من ظروف مفصلية عسيرة .
الاستجواب؛ وضمن الآليات الديمقراطية والمهنية يفترض أن لا يكون صوريا وبسيناريو هزيل الغرض منه الالتفات على القضية قيد البحث أو تمييعها لخداع الرأي العام، ويكون مرفقا بالوثائق والأدلة المستندة الى معلومات صحيحة مستنبطة من البيانات الرسمية والرأي العام ووسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها.. ومهما تكن الأسباب التي أفضت الى \"مثول\" المسؤول المعني للاستجواب الى قبة البرلمان للإجابة عن حزمة من الأسئلة والاستفسارات والتساؤلات المقدمة من قبل أعضاء البرلمان او اللجنة المختصة فانه من غير الصحيح أن يتحول البرلمان إلى ساحة للسجالات الكيدية والجدالات حامية الوطيس وبعيدا عن السياقات الموضوعية والقانونية والدستورية وضمن الآليات الرقابية التشريعية، ومن غير الصحيح أيضا أن يتحول الشخص المستجوب (بفتح الواو) الى ضحية وعاجز لا يستطيع أن يطرح القضية التي استضيف جراءها بالشكل المهني الصحيح وكي لا يتهم بعد ذلك بأنه كان \"غير مقنع\".
يجب تشريع و توضيح الأسس التي تقام عليها آليات الاستجواب كي لا تتحول الأسئلة التي تطرح إلى مهاترات مغرضة هدفها تسقيط الطرف المقابل وكي لا تتداخل تلك الآليات البرلمانية مع الأجندة السياسية والحزبية لأعضائه وبالمقابل كي لا تتحول الأجوبة الى سفسطات وتهويمات وتنظيرات وتتحول العملية كلها الى إغراض للاستهلاك الإعلامي أو لغرض الدعاية الموظـَّفة في ماراثون الدعايات الانتخابية او لعرض العضلات وإعطاء دروس مجانية في \"النزاهة\" و \"الوطنية\" وكي لا يتحول البرلمان إلى ساحة لإلقاء المحاضرات السياسية والاستقراء والاستنتاج والديالكتيك الفارغ الذي لا يجني منه الناس شيئا سوى الخيبة والمرارة وذلك بعد إن تكون القضية الأصلية قد ابتعدت عن مساراتها وفقدت أهميتها إذ بدلا من أن تناقش قضية معينة نقاشا قانونيا ودستوريا مستفيضا بين البرلمان والشخص المستجوَب تتحول تلك القضية إلى \"معمعة\" خالية الوفاض وجعجعة بدون طحين !!! .
يلاحظ إن الرأي العام في العراق لم تتوضح لديه حتى الآن ماهية الاستجواب والفرق بينه وبين الاستضافة إذ لم توضح اللجنة القانونية في البرلمان ذلك لوسائل الإعلام وللجمهور ، فضلا عن توضيح الآليات والطرق القانونية والدستورية المتبعة في ذلك والنتائج المتوخاة من تلك العملية والتبعات القانونية المترتبة عليه .
كما يتحمل البرلمان مسؤولية تعثر وتأخر الاستجوابات (والاستضافات) طيلة عمر الدورة البرلمانية الحالية والموشكة على الانتهاء مع وجود الكثير الدواعي والأسباب الملحة (وبعضها خطير جدا يتعلق بأرواح الناس وممتلكاتهم ومستقبل البلاد) وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والاقتصادية والمالية وغيرها لإجراء أكثر من عملية استجواب وفي العديد من الملفات الأمنية الحساسة ومن ضمنها الكوارث المأساوية التي مازالت تطال الأبرياء وتحطم البنى البشرية والتحتية، وكان من المفترض أن يقوم البرلمان بتفعيل هذا الدور الاستراتيجي المهم منذ انعقاد فصله الأول ولا ينحصر هذا الدور في فصله التشريعي الأخير وذلك لحساسية وخطورة الكثير من القضايا التي تستدعي استجواب المسؤولين في الحكومة العراقية.. لذا نأمل من برلماننا المقبل أن لا يفعـِّل دوره في استجواب من يثبت تقصيره او قلة كفاءته بل عليه أن يفعل جميع أدواره ومهامه وينشط مسؤولياته بعيدا عن التسييس والادلجة والتجيير والتسقيط والتحزب والتخندق والتنظير والتخوين والمحاباة والمجاملات ومن بداية \"المشوار\" ..
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]