- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاعلام العراقي ..هل هو سلطة رابعة ؟
الإعلام العراقي شأنه شأن اية مفردة من مفردات المشهد العراقي وقع داخل كماشتين، بين القبضة الحديدية للديكتاتورية المطلقة التي جيرت الاعلام بكل مفاصله وقنواته لصالحها بعد ادلجته وصياغته بما يتناغم مع توجهها الاستبدادي الشمولي ، وبين كماشة اخرى وقع تحت فكها الاعلام العراقي الجديد وهي التشتت في الخطاب الموجه والمتشعب في التأدلج وبعد ان كان يعاني من الادلجة المركزية المستقطبة اصبح يعاني ، فضلا عن التشتت، من الفوضوية والضبابية وتقمصه لمصالح وايديولوجيات متنوعة واتجاهات فئوية وحزبية ومناطقية وطائفية وقومية هي اقرب الى الهويات الجزئية منها الى الهوية الوطنية العامة، ومن الممكن ان يندرج تحت الشتات الاعلامي المتعدد ما يسمى بالاعلام الذي ترعاه الدولة لكونه لم يرتق ِ في خطابه الموجه الى مصاف اعلام الدولة وانما بقي متهيكلا داخل اطار التوجه المؤسساتي للحكومة بدل ان يكون اعلاما دولتيا تشمل اجنحته جميع مفاصل الدولة من ضمنها الحكومة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية مع ضمان الفصل فيما بينها من جهة والفصل فيما بينها والاعلام بشكل عام، الدولتي وغيره من الاعلام الناضج والمسؤول من جهة ثانية لتتشكل السلطة الرابعة والتي يجب ان تنفصل هي الاخرى عن السلطات الاخرى وتأخذ مسارها الطبيعي في نسغ الدولة والحكومة والشعب ، هذا في حالة وجود فصل بين السلطات وفي حالة وجود سلطات حقيقية في البلد وفي ظل اجواء من الديمقراطية والتوجه الليبرالي الحر ..
ان الانفلات من من عقال المركزية الشديدة الى حزمة من الفضاءات المتعددة لايعنى بالضرورة انه يمثل تحولا ديمقراطيا مفضيا الى تاسيس اعلامي ناضج وحر وواع ٍ ومعبر في الوقت ذاته عن الواقع المرير الذي رزح وما يزال يرزح تحت كاهله الانسان العراقي وقد يفضي هذا الواقع الى مجموعة ديكتاتوريات مجزأة تتمثل بالخطابات الاعلامية التي لاتعبر إلا عن نفسها ولا تقبل ، كما في الواقع السياسي، بالآخر كطرف مناوئ من حقه ان يعبر عن نفسه ويقول ما يريد ويتجسد ذلك بالخطابات الإعلامية المغرضة التي من شأنها ان تلغي الجميع بتخوينها واقصائها من المشهد الاعلامي (ومثله السياسي)..
ومن الممكن ان نعد الانفلات الاعلامي انعكاسا ارتداديا للواقع السياسي المتشرذم والتخبط الايديولوجي لعشرات من الكيانات السياسية الطفيلية ذات التوجهات المصلحية والتي تسمى بالاصطلاح السياسي \"مجازا\" بالاحزاب المتكاثرة اميبيا والتي تعسكر بعضها على شكل ميليشيات خارجة عن القانون والاجماع الوطني ..فكان هنالك إعلام الفئات وإعلام الأحزاب وإعلام الميليشيات وإعلام التحزب الطائفي وإعلام التخندق القومي وإعلام \"المقاومة\" وإعلام الجهات التي تضع رجلا على اديم الوطن وتضع رجلها الاخرى على جهة اخرى في تخومه التي اصبحت كل الطرق المؤدية منها الى خراب بغداد ..فكما كان البناء الدولتي واعادة هيكلة وتشكيل الدولة العراقية بعد تغيير نيسان 2003 تدريجيا وكما غلفه الكثير من الاخطاء والتعثرات مازالت الكثير من مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها تعاني لحد الان ومنها الفساد المالي والاداري الداء العضال المزمن والذي رافق التأسيس الاول للدولة العراقية سنة 1921 ..وكذلك التداخل الضبابي مابين السلطات الثلاث وعدم وضوح الرؤية المؤسساتية بينها بسبب تشابك المصالح الحزبية والتوافقات التحاصصية واحتدام التنازع بين الاذرع الاخطبوطية للتوجهات المتنازعة على النفوذ..فكان كذلك الاعلام العراقي وبذات التاثر والتاثير وباعتباره سلطة رابعة مشتبكا ومتشابكا مع بقية السلطات بكينونة هلامية وممتزجا ايضا مع الماكنة الحزبية والفئوية وغير منفك عن آلية الاحتراب التي طحنت الواقع المعاش واصطبغ بها المشهد العراقي المأزوم ويشمل هذا التوصيف الاعلام الحكومي (الدولتي) او الذي تديره الحكومة العراقية كونه لا يعبر عن اعلام الدولة في صيغتها الدستورية بقدر تقمصه اعلام الحكومة ومتشرنقا بخيوط لا انفكاك منها بالبيروقراطية الحكومية وتسلط اجهزتها التنفيذية على مفاصل الدولة ولنفس الاسباب آنفة الذكر ومنها الجذر التحاصصي التي تأسست عليه الدولة (والحكومة) في مرحلة مابعد الديكتاتورية ما جعل الاعلام الحكومي يفتقر كثيرا الى الموضوعية والنفس الوطني ويقترب كثيرا من اسلوب المداراة والمجاملة وتسويق الواقع المعاش و\"تزويقه\" ورسم صورة رومانسية عن هذا الواقع قد لا تتحقق حتى في قلب سويسرا في الوقت الذي يحاول الاعلام المناهض او المعاكس ان يعيد انتاج هذا الواقع بشكل يعطينا صورة مرعبة عن اهوال جحيم دانتي في حين يمنتج الاعلام الفئوي تفاصيل الواقع العراقي ويقولبه في سيناريو لا يخرج عن الاطار الجزئي لهذه الجهة او تلك وبما يخدم توجهاتها الضيقة فتكون صفة السلطة الرابعة التي يتسم بها الإعلام العراقي ذات مواصفات شبحية لا تتوفر على السمات والآليات الدقيقة لهذه الصفة والتي يفترض ان تطلق على سلطة لها مقوماتها وديناميكيتها وكاريزميتها الموجهة ..ان الاعلام العراقي يحتاج الى الكثير من الوقت ليخرج من طوره الجنيني ليكون بحق سلطة رابعة ويخرج من اطاره الفئوي الذي يحجِّم رسالته المطلوبة متماشيا مع التطور المتوخى للتجربة السياسية العراقية التي مازالت هي الاخرى في طورها الجنيني باتجاه التأسيس الديمقراطي الناضج ..
اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!