منذ أعوام طويلة وعمليات تهريب النفط من إقليم كردستان تتواصل لتسجل أرقاما مهولة لا يعود منها دولار واحد إلى خزينة الدولة العراقية، حيث يتم بيع برميل الخام بأقل من نصف سعره في الأسواق العالمية وبكميات لا تقل عن 350 ألف برميل يوميا، وعلى الرغم من تصريحات العديد من النواب والمسؤولين في الحكومة الاتحادية إلا أن أي إجراء على أرض الواقع لم يتم اتخاذ لوقف عمليات التهريب هذه.
وبهذا الصدد، يقول مقرر حزب الموقف الكردي، المعارض، وعضو برلمان إقليم كردستان السابق، علي حمه صالح، إنه “منذ ستة أشهر نجمع المعلومات حول نفط إقليم كردستان، حيث ينتج يوميا أكثر من 350 ألف برميل، ويتم تهريب هذه الكمية إلى تركيا عن طريق شركات حزبية مثل شركة نفط شيخان”.
ويضيف صالح، أن “الطن الواحد من النفط يباع بـ270 دولارا، أي بما معناه أن سعر برميل النفط الواحد يباع بـ35 دولارا بينما يباع سعر النفط العراقي نفسه بنحو 80 دولارا للبرميل الواحد”.
ويشير إلى أن “العائدات المالية لا تدخل إلى ميزانية وزارة المالية في حكومة الإقليم، ولا الخزينة العامة، بل تذهب إلى جيوب الأحزاب الحاكمة، التي تقوم بتهريب النفط”.
وكان النائب السابق في مجلس النواب سوران عمر، قد كشف عبر منشور على صفحته في موقع “فيسبوك”، عن قيام وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان بإعادة أموال بناء خط أنابيب النفط إلى شركتين محليتين وأجنبيتين بـ240 قسطا، والمجموع هو 11.16 مليار دولار.
وبين عمر، أنه “مع 120 قسطا كل شهر حتى نهاية العام 2027، ستعيد 55 مليون دولار شهريا إلى شركة روسنفت، وابتداء من العام 2028، سيعود بمبلغ 38 مليون دولار شهريا على 120 قسطا، لكلتا الشركتين، 60 في المئة لروسنفت و40 في المئة لشركة كار”.
وأشار إلى أنه “بناء على ذلك، بحلول نهاية العام 2038، ستسدد الحكومة 11.16 مليار دولار لهاتين الشركتين، بينما باعت حكومة الإقليم سابقا خط الأنابيب لهاتين الشركتين بملغ لم يتجاوز ملياري دولار”.
بدوره، يكشف مصدر مطلع، أن “حكومة إقليم كردستان تقوم بتهريب النفط عبر 32 خط أنابيب ناقلة منذ 10 سنوات، وتحقق عائدات تزيد عن 81 مليار دولار سنويا”.
ويبين المصدر، أن “بيع النفط ينقسم عبر الأنابيب وعلى مرحلتين، مرحلة الخزانة الثامنة والتي كانت عن طريق الأنابيب، ومرحلة الخزانة التاسعة والتي كانت جزئيا عن طريق الناقلات وجزئيا عن طريق الأنابيب”.
ويؤكد المصدر، أن “طرق التهريب تنقسم إلى قسمين، المناطق الجبلية في سلسلة جبال طوروس، وسلسلة جبال زاكروس، ومناطق سهول زاكروس أيضا”.
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، قد كشف في 5 تشرين الأول 2020، أن حجم الديون والالتزامات المالية بما فيها من قروض المصارف ومدخرات رواتب الموظفين المترتبة على الإقليم يبلغ 28 مليارا و476 مليون دولار، تراكمت جراء تراجع أسعار النفط و”عدم التزام بغداد بالاتفاق المبرم بين الجانبين”، على حد قوله.
من جهته، يوضح الخبير النفطي هفيدار شعبان، أن “الإيرادات النفطية وغير النفطية خلال السنوات العشر الماضية داخل إقليم كردستان كانت تكفي لصرف رواتب الموظفين دون أي مشكلة أو تأخير”.
ويشرح شعبان، أن “الإيرادات السنوية للإقليم من العام 2014 إلى العام 2018 بلغت أكثر من 36 مليارا و400 مليون دولار، وبلغ متوسط الإيرادات النفطية السنوية أكثر من 9 مليارات و 125 مليون دولار، فيما يتطلب توزيع الرواتب أقل من 900 مليون دولار سنويا”.
ويتابع أن “هذا العام، اعتمدت عائدات النفط بشكل أساسي على عدد الناقلات، وقد باعت الأحزاب الحاكمة هذا العام ما متوسطه 328 ألف برميل يوميا، عن طريق التهريب، وبلغت إيرادات النفط من الناقلات في الأشهر الماضية 328 ألف برميل بمتوسط سعر 36 دولارا، وبلغت الإيرادات مليارين و302 مليون و560 ألف دولار”.
وكانت الحكومة الاتحادية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي قد عقدت اتفاقا مع حكومة إقليم كردستان أواخر العام 2019، يقضي بتسليم الإقليم 250 ألف برميل يوميا إلى شركة تسويق النفط “سومو” مقابل حصوله على حصته في الموازنة الاتحادية البالغة نحو 12 في المئة.
إلا أن بغداد قامت في نيسان 2020 بقطع حصة الإقليم بما في ذلك رواتب موظفي الدولة، بسبب امتناع الحكومة الكردية عن الالتزام بالاتفاق المسبق.
من جهته، يرى السياسي الكردي بهزاد عمر، أن “قرار المحكمة الاتحادية والمحكمة الدولية في باريس بإيقاف تصدير نفط إقليم كردستان لم يغير كثيرا في معادلة الفساد بالإقليم، فالأحزاب الحاكمة هناك ما تزال تهرب يوميا ما لا يقل عن 350 ألف برميل من النفط يوميا وعائداتها لا تدخل خزينة حكومة كردستان”.
ويلفت إلى أن “ملف النفط في الإقليم بحاجة إلى تحقيق من قبل الحكومة الاتحادية وتطبيق قرارات القضاء، فهناك عشرات ملفات الفساد التي تسببت بنهب وهدر المليارات من الدولارات سنويا من هذه الثروة”.
ويشير إلى أن “انبوب النفط الذي يربط الإقليم بتركيا أبرز حالات الفساد، فحكومة الإقليم التي تسيطر عليها الأحزاب الحاكمة عليها ديون لشركة مملوكة لقيادات في أحد الأحزاب بأكثر من 10 مليارات دولار يتم تسديدها بالاقساط للعام 2038، فضلا عن أنه تم تسديد مليارات الدولارات لهذه الشركة منذ تشييد الأنبوب”.
ويردف عمر “هنالك فساد في بناء المصافي غير المرخصة والتي تعود ملكيتها لقيادات في الأحزاب الحاكمة وتقوم بتكرير النفط وإنتاج المشتقات بجودة متدنية، وبيعها للمواطن الكردي بأسعار تعادل أكثر من ضعفين وثلاثة لما هي عليه في بغداد، مثل البنزين والنفط الأبيض والكازأويل وغيرها”.
ويكشف عن أن “الأحزاب الحاكمة تقوم بإبرام عقود سرية مع تركيا وروسيا في قطاع النفط والغاز للعقود الخمسة المقبلة، حيث تم بيع النفط وهو تحت الأرض للعديد من الشركات، ولعل هذه أحد الأسباب التي تعيق اليوم إعادة تصدير النفط من قبل بغداد، فديون الشركات العاملة تبلغ مليارات الدولارات، كما أن العقود المبرمة بين هذه الشركات وحكومة الإقليم تجعل منها أحد ملاك نفط الإقليم، فضلا عن الضغوط التركية التي تبحث هي الأخرى عن مصلحتها وإلغاء قرارات المحكمة الاتحادية ومحكمة باريس”.
ويشدد عمر، على أن “الحل الجدي لفساد ملف النفط يكون باستلام الحكومة الاتحادية وشركة سومو مفاتيح الحقول النفطية في الإقليم، وعدم ترك هذه الحقول بأيدي حكومة الإقليم وأحزابها فهي ما تزال تهرب النفط وتعرضه بثمن بخس فقط لتحقيق مصالح حزبية وشخصية والمتضرر الأول هو المواطن في كردستان”.
وكان معاون مدير شركة “سومو”، علي نزار، قد أعلن في تموز 2021، أن عدم التزام إقليم كردستان باتفاق “أوبك بلس” ساهم في تراكم تعويضات على العراق، فيما بين أن البرلمان منح الشرعية بعدم التزام الإقليم بالاتفاق، حيث أصبح البلد مطالبا بخفض 6 ملايين برميل شهريا بسبب عدم التزام الإقليم.
يذكر أن العراق متلزم باتفاق “أوبك بلس” لخفض الإنتاج، الذي أبرم في أيار 2020، وقضى بتخفيضات قياسية في الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا لدول المنظمة الـ13، وجرى تقليص هذه التخفيضات تدريجيا إلى 5.8 ملايين برميل في اليوم في تموز 2021.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- السياسيون يتبارون بـ"التسريبات".. والحكومة تشكو "الاستهداف"
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"