بقلم: علي حسين
قبل سنتين ونصف أثيرت ضجة يسميها عمنا شكسبير "جعجعة فارغة" حول البيان الذي أصدره آنذاك الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس عندما رفض فيه جائزة الشيخ زايد والتي تعد واحدة من أكبر الجوائز الثقافية التي تمنحها دولة الإمارات، وقرأنا في بعض وسائل الإعلام ، اناشيد تتغنى بموقف هابرماس، وأخذ البعض من المنتمين إلى جماعات العداء لكل ما هو خليجي يطيلون المديح إلى الفيلسوف الألماني.
قبل ايام قليلة وقع هابرماس نفسه على بيان يؤيد فيه الاجراءات التي تقوم بها اسرائيل ضد غزة، ويذرف الدموع على "الارهاب" الذي تتعرض له اسرائيل. لم استغرب بالتاكيد من بيان هابرماس، لكني وجدت ان الذين هللوا وصفقوا لهابرماس عندما رفض جائزة الشيخ زايد، يصمتون اليوم ويضعون رؤوسهم في الرمال وهم يقرأون بيانه الذي ابدى فيه التأييد المطلق لمجازر إسرائيل.
لا يمكن لقارئ بيان السيد هابرماس ألا يتذكر ما ما قاله الفيلسوف سلافوي جيجك في معرض فرانكفورت عندما رفض وبشده الإجراء الذي اتخذه المعرض بإلغاء حفل توزيع جائزة الروائية الفلسطينية عدنية شبلي، ليعلن وسط المعرض: "صُدمت عندما علمت بتأجيل حفل توزيع جائزة الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، وهو القرار الذي أعتبره فضيحة. إنه فعل يتناقض مع كل قيم معرض كتاب فرانكفورت – نعم، والعقاب الجماعي للملايين في غزة، فأنا لست غير فخورٍ بوجودي هنا فحسب، بل أشعر بالخجل أيضاً".
كان يمكن أن تكون صور موت أطفال غزة حافزاً للسيد هابرماس على أن يعيد للفلسفة إنسانيتها، وأن يبعث رسالة لكل مجرمي الحروب أنهم مسؤولون.
للاسف الضجة الفارغة التي سخر منها شكسبير ما تزال تلازم الكثيرين من الذين يتخذون من الثقافة والإعلام وسيلة لقلب الحقائق، وكان آخر مشهد لمسرحية الضجة الفارغة هو مشهد السخرية من الجوائز الثقافية العربية والتي اعتبرها البعض آنذاك وسط الحماسة لهابرماس إهانة لشرف الثقافة العربية، من دون أن يخبرنا أصحاب حملة "شرف الثقافة" هل دَعْمُ الكتاب العربي يعد إهانة لشرف الثقافة؟، هل تكريم الأدباء والمفكرين أصبح جريمة نكراء؟ وأن شرف الثقافة العربية أصبح "زي عود الكبريت"؛ مع الاعتذار للراحل يوسف وهبي؟، وأن هذا الـ"شرف" الرفيع لا يسلم من الأذى، حتى يُراق على جوانبه حبر الانتهازية وقلب الحقائق؟.
نقرأ موقف الفيلسوف سلافوي جيجك فنرى كيف يفهم المثقف الحقيقي دوره في المجتمع، وكيف يتغلب على مفردات مثل الضغينة والفشل، الفيلسوف السلوفيني ينتقد ما يجري ضد الفلسطينيين، فيما الجماعة الذين طبلوا لهابرماس وسخروا من الامارات اصيبوا بالخرس اليوم.
عندما نرى الجهل يتفشى والمحسوبية تتمدد والانتهازية تسيطر على حياتنا، فان هذا بالتأكيد سببه انتهازية البعض، وكثرة الأدعياء الذين يحشون أفكار الناس بالفشل والجهل.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!