على الرغم من كسبه دعوى ضد تركيا وتعويضاً بأكثر من مليار دولار، لكن العراق خسر نحو 6 مليارات دولار منذ توقف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي قبل سبعة أشهر.
وتواجه إعادة فتح الخط الذي يضخ النفط العراقي إلى أوروبا تعقيدات كبيرة تتمثل باشتراطات "تركية" و"عناد" عراقي، إذ لم تنجح الدبلوماسية في حلحلة هذه الأزمة على الرغم من الإعلان المتكرر عن قرب ضخ النفط عبر هذا الخط، والزيارات المتكررة لمسؤولي البلدين.
ويكشف خبراء ومراقبون أن تركيا تريد العودة إلى "ما قبل خسارة الدعوى" لتستأنف فتح الخط، لكن العراق يصر على المواقف الجديدة التي فرضها كسبه للدعوى وعدم التنازل عن التعويض الذي يتحمله الجانب التركي، من أجل المناورة به والتفاوض بأوراق أخرى كملف المياه والتواجد العسكري التركي في أراضيه، ويأتي هذا في إطار معادلة اقتصادية خاسرة للبلدين وامتعاضا دوليا غربيا جراء عدم تدفق النفط عبر هذا الخط.
ويحدّد الخبير في مجال النفط والطاقة كوفند شيرواني، أكثر من عائق أمام إعادة فتح تصدير النفط عبر ميناء جيهان، حيث يبين أن "العائق الأول تقني يتعلق بصيانة وإصلاح الأضرار التي لحقت بالخط بسبب زلزال شهر شباط الماضي، وهذا تم تجاوزه".
لكنه يقول، إن "العقبة الأكبر هو عدم وجود اتفاق بين العراق وتركيا حول الجوانب الإدارية والمالية والقانونية في عملية التصدير، فهل سيتم التعاقد وفق الشروط نفسها للخط العراقي التركي التي تعود للسبعينات، فهذا الاتفاق يعتمد أسعارا قديمة بعيدة عن الواقع والكلف الحالية في الصناعة النفطية الحالية، أو يتم اعتماد اتفاق مشابه لما كان بين الإقليم وتركيا قبل إيقاف التصدير".
ويضيف شيرواني، أن "الأمر الثالث الذي يعقد المشهد هو وجود دعاوى بين الجانبين لم تحسم بعد، فالحكومة العراقية ما زالت تمتلك دعوى ضد الحكومة التركية في محكمة باريس حول الصادرات من 2018- 2022 التي يعتبرها غير شرعية، وهذه لم تحسم بعد، على الرغم من أن الدعوى الأولى حسمت ولم تلتزم تركيا حتى الآن بدفع ما ترتب عليها".
وما يربك المشهد أيضا، بحسب شيرواني، أن "العراق أقام دعوى أخرى في محكمة كولومبيا الأمريكية في أواسط شهر آب الماضي ولحقته تركيا بدعوى أخرى ضد العراق في الشهر نفسه لتطالب بتعويضات تصل بالمجمل إلى 950 مليون دولار"، لافتا إلى أن "وجود 3 دعاوى غير محسومة بين الجانبين سيعكر الأجواء ويجعل التوصل إلى اتفاق أمرا ليس بالهين لأن أي مفاوضات متوقفة على تجميد هذه الدعاوى وسحبها من باب إثبات حسن النية لأجل التوصل إلى اتفاق جديد".
ويرى خبير الطاقة، أن "تمسك العراق بتسديد تركيا مبلغ الغرامة المترتبة جراء الدعوى، أصبح غير مجدٍ، فتوقف التصدير منذ 25 آذار حتى الآن يساوي خسارة 6 مليارات دولار في ظل أسعار النفط الحالية، بواقع المليار دولار شهريا، وهذه التقديرات محسوبة عن قيمة النفط المتوقف عن التصدير وهو أكثر من 400 ألف برميل يومياً وفق أسعار اليوم التي تصل إلى 90 دولارا للبرميل الواحد".
وأوقفت تركيا تصدير 450 ألف برميل يومياً من إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي - التركي في 25 آذار 2023، بعدما أصدرت غرفة التجارة الدولية في باريس، حكمها لصالح بغداد في قضية تحكيم.
وكان وزير النفط حيان عبد الغني أكد في وقت سابق، أن توقف التصدير عبر ميناء جيهان التركي، جاء لأسباب فنية نتيجة وجود تسرب داخل الأراضي التركية، مبينا انه بعد استئناف التصدير بأنبوب جيهان بكامل طاقته، سيتم تعويض الكميات التي فقدت نتيجة توقفه.
ويصدّر العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 85 بالمئة من نفطه الخام عبر موانئ في جنوب البلاد، لكن الطريق الشمالي عبر تركيا ما يزال يمثل نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي كاظم ياور، على "ضرورة استدامة تصدير النفط من إقليم كردستان عبر جيهان التركي وصولا إلى الأسواق الأوروبية، لأن تصدير النفط لا يتعلق بوارداته المالية فحسب، فالملف النفطي اليوم، يترك تأثيره على الملفات السياسية والاقتصادية وبناء العلاقات الدولية، وهذا ما يحتاجه العراق لاسيما مع الدول الأوربية كفرنسا وألمانيا ودول أخرى لديها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية".
ويضيف ياور، أن "توقف تصدير النفط عن طريق هذا الخط سبب للعراق وتركيا إضافة للخسائر الاقتصادية، امتعاضا دوليا غربيا خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت أكثر من مرة أن تكون وسيطا بين العراق وتركيا من أجل إعادة التصدير".
ويكشف أن "اشتراطات تركيا تتعلق بسحب الدعوى الثانية، وكذلك عدم دفع ما ترتب عليها إثر قرار تحكيم محكمة باريس، وأعلنت أن أرضية التصدير جاهزة، لكن القرار العراقي تأخر حتى اليوم والحكومة لا تعطي بيانات واضحة عن هذا التأخير على الرغم من الزيارات التي أجراها وزير النفط لتركيا والتفاهمات التي حصلت".
ويعتقد المحلل السياسي، أن "العراق يريد الحفاظ على هذه الأموال مترتبة على تركيا لكي يناور بها عبر المفاوضات بملفات أخرى كقضية المياه أو تواجد القواعد التركية في بعض المناطق الحدودية العراقية"، مشيرا إلى أن "هذه الملفات لا بد أن تبحث بمنأى عن النفط فلا يمكن خلط هذه الأوراق، لأن النفط لا يؤثر على العراق وتركيا فقط، بل على الدول الأخرى وملف العلاقات الخارجية".
ولم ينس ياور أن ما يعطل عملية التصدير أيضا "المشاكل داخلية في العراق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بعد أن اشترطت الأولى في قانون الموازنة العامة أن يتم التصدير عن طريق شركة سومو، وهذا الأمر هدد أوساطا شعبية كبيرة في إقليم كردستان بالبطالة، فهناك آلاف العاملين في هذا القطاع توقفت أعمالهم كالعاملين في ناقلات التصدير وحماية الأنبوب والشركات".
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في منتصف شباط 2022، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية.
وفي 19 حزيران الماضي، شهدت العاصمة بغداد، عقد اجتماع بين وفد تقني من وزارة الطاقة التركية، مع مسؤولين عراقيين في قطاع النفط، شهد مناقشة استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، لكن من دون التوصل إلى أي اتفاق.
بدوره، يعتقد الخبير النفطي حمزة الجواهري، أن "الأتراك يريدون العودة بهذا الملف إلى المربع الأول، فهم لا ينوون دفع الغرامة المترتبة بذمتهم، وكذلك فرضوا اشتراطات أخرى وهي إعادة الشركات التي كانت تدير التصدير سابقا تحت صلاحيات إقليم كردستان على الرغم من وجود 3 أحكام للمحكمة الاتحادية العليا وحكم آخر من محكمة باريس يجرد الإقليم من هذه الصلاحيات وإعادتها للحكومة الاتحادية".
ويضيف الجواهري، أن "هذه الشروط تستفز العراقيين كثيرا، لا سيما أن تركيا استمرت في الإعلان أن الخط جاهز للتصدير، والإعلان عن هذه الجهوزية يجب أن يكون من قبل العراق وشركة سومو تحديدا"، مشيرا إلى أن "أي اتفاق حتى الآن لم يتم بين الجانبين العراقي والتركي، وما أعلن عن وجود مشكلات فنية في الخط غير دقيق، فالخط كان بعيدا عن تأثير الزلازل".
وكان وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، زار العراق في آب الماضي، وأجرى مباحثات مع نظيره العراقي فؤاد حسين حول مسألة تصدير النفط من خلال الأنبوب الممتد من كردستان العراق إلى ميناء جيهان، لكن دون التوصل إلى حل.
ويرتبط العراق مع تركيا بملفات كثيرة، تشمل كافة المجالات، ولعل أهمها ملف المياه، حيث قلّلت تركيا الإطلاقات المائية للعراق بشكل كبير، وبلغت نسبة ما يرده 30 بالمئة فقط من استحقاقه الأساسي، وذلك عبر بنائها السدود على نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل "أهدى" السوداني دهوك لتركيا مقابل أمن طريق التنمية؟
- توغل تركيا في العراق.. اتفاق أم احتلال؟
- تركيا "تحتل" أراضي عراقية.. والحكومة "غير مبالية"