فقيه موسوعي في العلم والشعر واللغة والتدريس، تعلم ثلاث لغات بالتعامل مع الزائرين وهي الهندية والانكليزية والفارسية التي اتقنها من جدته فصارا مترجما لدواوين الشعر الفارسي الى العربي فيها، درس على يد علماء واصبح وكيلا لكبار المراجع وتخرج من تحت يده علماء، وكان صلب الموقف راسخ العقيدة ينتظر الشهادة حتى نالها خبثا وغيلا وكان تشييعه مهيبا رغم انوف البعثيين وسلطات الاجرام حينها في الثالث من تموز من العام 1989.
تاريخ العائلة
ويتحدث الشيخ احمد الصافي -وهو امام صلاة الفجر في العتبة الحسينية المقدسة- عن سيرة والده العطرة لوكالة نون الخبرية، ويقول: "والدي هو الشهيد الشيخ عبد الرضا بن شيخ علي بن شيخ حمد بن شيخ حسين الصافي الجلبي الكربلائي من مواليد (1933) ميلادية التي توافق (1352) هجرية ولد في مدينة كربلاء المقدسة في منطقة (عكد السادة) وهي دار سكنتها عائلته من اجداد الاجداد حتى انها كانت تضم اسطبلا للخيل التي كانت في قديم الزمان وسيلة التنقل والسفر وهي موجودة الى الآن ويمكن ان تصبح ضمن اطار توسعة العتبتين المقدستين، وتعلم والدي في الكتاتيب في بداية الامر ثم التحق بمدرسة السبط الابتدائية في منطقة باب السلالمة بعد افتتاح المدارس الحكومية، وقبلها خضع للاختبار وبعد الاختبار قبلوا ان يلتحق بالصف الخامس الابتدائي بشكل مباشر لذكائه وتعلمه في الكتاتيب سابقا، وكان يعرف التحدث باللغتين الانكليزية والهندية بشكل جيد ويتقن اللغة الفارسية بل يترجم الكتب منها الى العربية، بل ويترجم الشعر الفارسي الى اللغة العربية بسبب قريتحه الشعرية".
شهداء ولغات
واضاف الشيخ الصافي "عندما كنا نستفسر من والدنا عن كيفية تعلمه للغة الانكليزية وهو لم يدرسها في المدارس، كان يجيب انه تعلمها من التعامل في السوق بالاختلاط والتحاور مع الزائرين الاجانب، لانه كان يعمل كاسبا لضنك العيش فهو كان يدرس ويعمل في آن واحد، اما اللغة الفارسية فتعلمها من جدته لامه، لان والدته توفيت وهو صغير وعاش يتيما وترعرع في كنف والده حتى وصل الى وصل اليه من العلم والثقافة والادب والورع حتى اصبح علما من اعلام مدينة كربلاء المقدسة، وعدد ذريته تسعة منهم خمس اولاد واربع بنات، اكبر الابناء هو الشهيد محمد الذي استشهد في الانتفاضة الشعبانية والذي خطف من الشارع ولم نجد له اثرا الى الآن، وما دلنا على اعدامه من قبل النظام المباد هو وجود اسمه في قوائم المعدومين في سجن الرضوانية، وبعده انا (احمد) ومن بعدي اخي الشيخ (محمود) وبعده الحاج عبد الحميد ثم اصغرنا الشهيد محـمد علي مواليد (1974) وهو مصاب بشلل نصفي نتيجة اصابته بحادث في معمل النجارة ويتنقل على عربة كونه معاق واخذ من الشارع واعدم لا لشيء الا لانه ابن الشيخ عبد الرضا الصافي ولم نجد له اثرا ايضا، وقدمت عائلتنا شهيدين في الانتفاضة الشعبانية".
التدريس والمدارس
ويستمر الشيخ احمد بسرد سيره عائلته ووالده ويضيف انه "التحق بالمدارس الدينية منذ الكتاتيب وحضر الدرس عند آية الله السيد ميرزا مهدي الشيرازي والسيد يوسف الخراساني والسيد محسن الجلالي وكثير من علماء كربلاء المقدسة وبعضهم اجازوه بإجازات كتبوا فيها عبارات تدل على اهمية هذه الشخصية عندهم، وكنا نحن صغارا ووعينا على مصائب البعث اللعين وانا من مواليد (1966) واتذكر جيدا حملة التسفير والابعاد التي جرت في سبعينيات القرن الماضي والتي سفر وهجر فيها الكثير من العلماء الاجلاء، وكان والدنا يستشعر ان هذه المصائب سوف تنسى فقام بتغذيتنا بالمعلومات حتى لا تنسى تلك الحوادث وما زلت احتفظ بمعلومات دقيقة عن الحقبة التي مرت من الخمسينات الى السبعينات نقلها لي وكان شاهدا عليها وكوني كنت أسأله وتحدث الي كثيرا عن تلك المواضيع، كما اصبح استاذا في المدارس الدينية وكان يحضر عنده كثير من الطلبة ومنهم اصبحوا من العلماء الاعلام، وكان مطلوبا للتدريس في كثير من المدارس الدينية ومنها مدرسة البقعة التي كان يعطي فيها الدروس ويدرس فيها ايضا، وكنت احضر معه في مدرسة (باد كوبا) في منطقة عكد الداماد بين جامع الصافي وسوق الحسين، وكذلك كان يعطي دروسا في المدرسة الهندية والمدرسة الحسنية خلف الصحن العباسي وفي اكبر المدارس مدرسة حسن خان مقابل باب السلام في ضريح الحسين (عليه السلام)، ودرس في المدرسة السليمية وفي الصحن الشريف، ودروسه كانت وفي مدرسة الامام الحسين (عليه السلام)، ومن ابرز تلاميذه كما كتب هو السيد محـمد رضا الجلالي وهو من كبار المحققين والسيد محـمد جواد الجلالي وعدد من اخوته والسيد علي الحائري، واكثر استاذ من اساتذته تأثر به واخلاقه وعلمه هو السيد محسن الجلالي وكتب قصيدة في رثائه".
خطيب لامع
ويكمل الشيخ احمد محطات حياة والده الشهيد بالقول ان "تحديد ميعاد ممارسته للخطابة لا اذكره بالضبط لانه بدأ قبل مولدي ولكن اتذكر ارتقائه للمنبر الحسيني في سوق العطارين ، وكان غالبا يقرأ خارج مدينة كربلاء المقدسة وكانوا يطلبونه للقراءة في المجالس الحسينية في مدينة مندلي بمحافظة ديالى ويقرأ المجالس ويقرأ مقتل الحسين في يوم العاشر من المحرم، ونحتفظ له بتسجيلات قراءة المقتل في ذلك الزمان، وكان يقرأ مجالس في بيوت كربلاء وكنت ارافقه، ويصلي يوميا في جامع الحاج صالح عوز (بين الحرمين حاليا) ومن الحوادث التي اتذكرها ان الخطيب الحسيني البارز الشيخ هادي الكربلائي كانت يقف عند شباك المسجد ويستمع الى والدي وهو يقرأ المجلس الحسيني وعندما يطلبوا منه الدخول يرفض بأدب ويقول انه لا يريد ان يجلس في مجلس قد لا يكون هو اهلا للجلوس فيه وهو امر نابع من تواضعه وسمو اخلاقه وحتى لا يؤثر على مجلس والدي ويكتفي بالحصول على ثواب حضور المجلس".
علاقته بالمرجعيات الدينية
وعن علاقته بالمرجعية الدينية العليا اكد الشيخ احمد ان " والده الشهيد الشيخ عبد الرضا الصافي كان ثقة المراجع منذ شبابه وكان وكيلا رسميا للمرجع السيد محسن الحكيم في منطقة جرية البو حويمد، وبعد وفاة المرجع الحكيم، خلت كربلاء من وكيل للسيد الخوئي بعد استشهاد السيد الشهرستاني فاختير والدي وكيلا للمرجع الخوئي لمدينة كربلاء المقدسة في الامور الحسبية والامور التي تحتاجها المدينة بتولية خطية، والملفت للنظر ان السيد الخوئي كان يحبه كثيرا ويلتقي به كل ليلة جمعة عندما كان يأتي الى كربلاء للزيارة، ويهتم بجلوسه جنبه واشاهد اهمية شخصية والدي عند السيد الخوئي، واصاحبه الى النجف كثيرا لقضاء احتياجات المجتمع الكربلائي بل واحضر الدرس الفقهي للسيد الخوئي في دار العلم المقابلة للصحن الحيدري الشريف التي فجرت وتهدمت واصبحت الان رواق ابو طالب، كما كنت احضر معه في البراني ببيت السيد الخوئي".
معاناته واستشهاده
كان منتظرا للشهادة، هكذا يصف الشيخ احمد تعامل والده مع سلطة البعث البائد، ويضيف، "اخبرنا اكثر من مرة ان قضية الشهادة لم تكن غريبة عليه وكان يساعد الفقراء وما يحتاجه المجتمع لانه كان الوحيد الذي يصلي جماعة بالناس حيث يصلى صلاة الفجر في الحضرة العباسية المقدسة عند رأس ابي الفضل العباس وكنت ارافقه فجرا، ويقيم صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مسجد الحاج صالح عوز يعني يقيم كل الصلوات جماعة يوميا، واستمر من وفاة امام المسجد السابق عبد الرحيم القمي في العام (1975) بالصلاة اماما للجماعة ولمدة (14) سنة لحين اغتياله، وحتى يوم استشهاده كان ذاهبا الى الصلاة حيث خرج من البيت قبل صلاة المغرب متوجها الى المسجد وكان يقف في شارع العباس على الطريق القادم من بغداد ويركب اما في سيارات النقل العام التي كانت تسمى (الفورتات) او يقله احد الذين يعرفونه وله معارف كثيرين جدا، ونقل لنا شهود عيان ان يومها وقفت بقربه سيارة (تويوتا نوع سوبر) يستقلها ثلاث اشخاص فطلبوا منه الصعود فرفض وشعر بمكرهم، ونزل احدهم واصعده الى السيارة عنوة وبالقوة وكانت على طريق العباس دوائر المخابرات والامن وهي دوائر مخيفة، وحسب شهود العيان انهم ادخلوه في المخابرات، وانتظر المصلون مجيئه للصلاة ولكنه لم يأتي وبعد ساعات اتصل بنا احد الاشخاص واخبرنا بالعثور على جثة في احد البساتين وجاءت سيارة شرطة النجدة ووقفت امام دارنا واخبرونا بمواصفات جثة القتيل وهل تنطبق على مواصفات والدنا وطلبوا مجيء اجدنا للتعرف عليه في المستشفى، والخلاصة انهم قاموا بقتله حسب القرائن وهناك من يقول قتل مسموما واخرون يقوون قتل بالصعقة الكهربائية لوجود آثار في رأسه، وبعدها وضعوا الجثة قرب نخلة قصيرة لا يبلغ طولها متران في الطريق ورموا متعلقاته بقربها، ومكان رمي الجثة الآن هو الاستدارة من شارع حي العباس الى شارع الوائلي حيث كان حينها بستانا غير مسيج، وعند مطالبتنا باستلام الجثة رفضوا تسليمها لنا خشية اتهامهم بقتله وطالبوا بقرار القاضي والذي قرر تشريح الجثة، وكانت مصيبة بالنسبة لنا فبعد قتله تقطع جثته دون ذنب، وكان لتدخل الحاج عباس عوز وتوسطه عند القاضي هو ومجموعة من الوجهاء وبعد اخذ التعهدات منا بعدم اتهام الدولة وعدم التكلم بالموضوع والادعاء انه كان مريض وتعرض الى جلطة وسقط ومات، فوقعنا وتسلمنا جثمانه الطاهر من المشرحة، وكان تشييعه مهيبا جدا وتعطلت الحياة يومها في كربلاء ولوحظ ان (90) بالمئة من المشيعين هم من الشباب وكان الامر مخيفا على سلطات البعث القمعية وانطلقت هتافات عند الخروج من باب القبلة ودخلنا في شارع علي الاكبر ووقف مدير الامن وهدد بالغاء التشييع اذا ما تتوقف الهتافات، وعادت الهتافات عند باب الشهداء في ضريح ابي عبد الله الحسين، ووقف احد جلاوزة الاجهزة القمعية وشهر سلاحه وقال الان سأوقف الجنازة واسجن الشباب وادخلنا قرب جامع صالح عوز ودفن في مقبرتهم في الجامع قرب ابي الفضل العباس بين الحرمين قرب باب صاحب الزمان، ورغم تفجير المسجد في العام 1991 الا ان القبر في سرداب وتحته لحود بقي في مكانه".
تحرير: قاسم الحلفي
تصوير: علي فتح الله
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي