بقلم: عبد المنعم الأعسم
اقصد هنا عقولنا المنشغلة بالسياسة، والمنصرفة الى فروض التعامل مع آخر بلاء عصف بالعراق على يد اصحاب العملية السياسية لما بعد سقوط الدكتاتورية، والى المهانات التى لحقت بالعراقيين وهم يتأسون على حال بلاهم إذ صارت كرة بلا هواء يتقاذف بها كل من هبّ ودب.
أعني، العقول الخائفة من المستقبل ومن خفايا الكواليس وغدر الايام القادمة، الموزعة بين النظريات والتفسيرات ووجهات النظر التي يجري تسويقها على مدار الساعة، فتتوزع عقولنا بينها: تتبنى هذه وتتحمس لها، وترفض تلك وتجرّم اصحابها.
وفي الأخير يزداد التشظي "العقلي" بالطول والعرض، وتتعمق الظنون والريب والاتهامات الى آخر خلية تفكير في وجداننا، حتى ليصعب ان تجد اثنين من المتجادلين متفقان عند فاصلة واحدة، فيما الاعلام والشاشات الملونة وخدمات الشبكة العنكبوتية تغير على عقولنا بفيض من راجمات المعلومات المثيرة والمغشوشة والمسبوقة برائحة الدخان.
والنتيجة فان ثمة فايروس اخترق عقولنا واضرم فيها الشقاق و"النفاق" فالحال الذي نحن فيه عند بعضنا لعبة صنعها مسؤول في مكان ما لتمرير مشروعه و"الناس نيام" وهي عند البعض الثاني مؤامرة امريكية لضرب حكم الشيعة من مواقع حساسة في خاصرته وتبرير عودة قواتها الى الارض العراقية، وعند البعض الثالث لا تعدو عن خطة من خطط ايران لاستغلال الوضع في تمديد نفوذها وسلطتها في العراق، وعند البعض الرابع حركة من حركات عواصم الخليج لشق معارضيها وتصريف ازماتها الداخلية الى خارج الحدود، وهي عند البعض الخامس مناورة ارهابية لتدمير العملية الديمقراطية في العراق، وعند البعض السادس لغم صهيوني لاضعاف العراق واخراجه من قوس المواجهة مع اسرائيل، وعند البعض السابع لا وجود لمؤامرة ولا متآمرين في واقع الامر بل مجرد تلفيق اخباري روجته جميع الجهات وفق ما ينفع مصالحها وخططها.
اننا، في وسط هذه الفوضى التحليلية نضع جانبا عقلنا الجمعي الذي يختص برصد الاخطار المحدقة بالجميع، ونفقد موصوف العاقل "الجامع لأمره ورأيه" بحسب قواميس اللغة والمأخوذ من عبارة "عقل البعير" إذا جمعت قوائمها، وما قيل بان العاقل هو "الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها".
وهكذا، ننسى بان العقل ملكة الاستدلال والحكم، وقد عني الانسان في تنميته بالمعارف بعد رحلة طويلة في الاساطير والخرافات والهمجية، واعتبر الفيلسوف الالماني الشهير "كانت" العقل كـ "منظومة من المبادئ، وليس خزانا للأفكار العشوائية" ويعرف اي واحد منا بان العقل ميزة الانسان عن الدواب..
فان الانسان يعقل.. والدواب لا تعقل.
استدراك
" نحن لا نجرؤ، ليس لأن الأشياء صعبة، بل الأشياء صعبة لأننا لا نجرؤ".
سنيكا الاصغر- فيلسوف روماني
أقرأ ايضاً
- العقل العراقي والمشكلات المعاصرة
- بعد وفاة العقل الأدبي والشعري العراقي "مظفر النواب".. الأدب والثقافة والتعليم في العراق إلى تراجُع !
- مرثيات العقل الجمعي ..