- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وزير المالية الإتّحادي في العراق.. بين الورقة البيضاء للإصلاح الإقتصادي وقانون الدعم الطاريء للأمن الغذائي والتنمية
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
إنّ ما ورد في كتاب وزارة المالية/ دائرة الموازنة/ قسم الملاك/ شعبة الوزارات/ ذي العدد 14707 في 15-6-2022، والذي تهدف الوزارة من خلاله إلى التعاقد بواقع 1000 متعاقد لكل محافظة، من حملة شهادات البكالوريوس والدبلوم من مختلف الإختصاصات، للعمل في دوائر المحافظات وإداراتها المحليّة، بـ "راتب" شهري قدره 300 ألف دينار للمتعاقد الواحد لمدة ثلاث سنوات لأغراض"التدريب والتطوير".. لا يعني شيئاً، ولن يُغيّر شيئاً من واقع البطالة والتشغيل في العراق على الإطلاق.
لماذا ؟
أوّلاً : لأنّ "التعاقد"مع 18 ألف عاطل عن العمل في عموم محافظات العراق لمدّة ثلاث سنوات، لا يتناسب مع حقائق و مؤشّرات وبيانات تتحكّم في تحديد الحلول "الإستراتيجية" طويلة الأمد لأزمتي التشغيل والبطالة في العراق، وأهمّها: - إنّ عدد السكان الآن يبلغ 41 مليون نسمة، ويُتوقّع أن يصل إلى 51 مليون نسمة في عام 2030.
- إنّ اجمالي القوى العاملة في العراق قد بلغ ما يقرب من 11 مليون شخص في عام 2020، ومن المتوقّع أن يبلغ 16 مليون شخص في عام 2030.
- إنّ على العراق توفير 5 ملايين فرصة عمل لغاية 2030، ليس من خلال "توظيفهم" أو "التعاقد" معهم للعمل في أجهزة ومؤسسات الدولة، وإنّما من خلال تنويع الإقتصاد، وإيجاد فرص عمل مستدامة.
- إنّ عدد العاملين على الملاك الدائم قد ارتفع بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال المدة 2004- 2021 (حيث ارتفع العدد من 1.047 مليون في عام 2004، إلى 3.263 مليون في عام 2021).
- إنّ تخصيصات رواتب الموظّفين على الملاك الدائم قد بلغت 53 ترليون دينار في عام 2021 (وهي من أكبر تخصيصات الرواتب في أيّ موازنة عامّة في العالم).
ثانياً: لأنّ ما ورد في هذا الكتاب ماهو إلاّ محاولة "نمطيّة"- تقليدية، وغير مُجدية (اقتصادياً، واجتماعياً، و"تنمويّاً")، لتوزيع جزء من الريع النفطي على ملايين العاطلين عن العمل في محافظات العراق (لإرضاءهم وإسكاتهم.. الآن)، وذلك من خلال ترسيخ منهج "إعانات" للعاطلين عن العمل، تمّ تشخيصه من خلال وزير المالية الإتّحادي (وقبل سنتين فقط)، على أنّهُ "إجراء" آني (قصير الأجل)، يفتقر إلى مقومّات "حقيقية" لـ "استدامة" الدخل الفردي، وكفايتهِ، و"عدالته".. وهو ما يتعارض، ويتناقض تماماً، وبشكلٍ قاطع، مع التوجّهات العامة لـ"سياسة التشغيل" الواردة في "الورقة البيضاء"، التي كان أهمّ ما فيها هو أن يتمّ إصلاح نظام الوظيفة العامة إصلاحاً جذرياً، وأن يتم تحويل العمالة الفائضة (المُقنّعة والصريحة) في دوائر ومؤسسات الدولة كافة، للعمل في قطاع "الأشغال العامّة" الداعمة للنمو والتنمية والإنتاجيّة.
وهذه هي "حلول"، و"وجهات نظر" السيد وزير المالية الإتّحادي، وليست "تنظيرات" أو"اجتهادات" أطرحها أنا، أو يطرحها غيري.. ويمكن إيضاح ذلك (وتقديم الدليل عليه) من خلال ماورد في "الورقة البيضاء" ذاتها، وكما يأتي:
إنّ من بين أهم أهداف "الورقة البيضاء" (التي يُفترَض تنفيذ محاورها كافة، وعلى نحو مترابط ومتكامل خلال 3- 5 سنوات أيضاً من تاريخ إصدارها ومصادقة مجلس الوزراء عليها في تشرين الأوّل 2020، والتي انقضت منها سنتين تقريباً، دون نتائج حاسمة وملموسة).
إنّ من بين أهم أهداف هذه الورقة، وكما وردت في المحور الأوّل منها، هي:
- تحقيق الاستقرار المالي "المستدام" ومنح فرصة لتحقيق الإصلاحات الهيكلية الأخرى.
ومن أبرز توجّهات هذا المحور:
- تقليص عجز الموازنة من 20% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي وتخفيض نسبة "نفقات الرواتب" من 25% إلى 12.5%. (ص 50).
أمّا في المحور الثاني من الورقة البيضاء، فقد كان الهدف هو: تحقيق إصلاحات إقتصادية كلية وفق أسس "استراتيجية" (وليس مرحليّة - آنيّة)، وإعطاء الأولوية للقطاعات الاقتصادية المنتجة وتوفير فرص عمل "مستدامة". (ص 55) .. وليس توفير "فرص عمل" لمدة ثلاث سنوات فقط، لأغراض "التدريب والتطوير"!!!.
وكما جاء في الورقة البيضاء، يتم تحقيق ذلك من خلال ما يأتي:
- تفعيل الأشغال العامة بهدف توفير فرص عمل سريعة، وزيادة إنتاجية القطاع العام، وامتصاص العمالة الفائضة والبطالة المقنعة.(ص 56).
وقد وردت تفاصيل إنجاز ذلك، من خلال "البرنامج التنفيذي" للورقة، وكما يأتي:
- خامساً / الأشغال العامة:
- إعادة توجيه العمالة الفائضة الى مشاريع البناء والبنية التحتية، ومعالجة "الترهل" في مؤسسات الدولة، من خلال:
• إيجاد الأطر القانونية والتنظيمية لتفعيل "برامج الأشغال العامة".
• استقطاب أعداد كبيرة من "موظفي القطاع العام" منخفضي الإنتاجية ومنخفضي الأجر، و "إعادة توجيههم" إلى برامج الأشغال العامة، و"توفير فرص عمل في الأشغال العامة للعمال العاطلين عن العمل من الفئات ذات الدخل المحدود".
• دعم "مشاريع حيوية صغيرة الحجم" في مناطق العراق كافة، يجري تنفيذها من خلال "المؤسسات المحلية"..(وليس من خلال تعيينهم بعقود مؤقتّة فيها).
• تمويل الأشغال العامة بشكل منفصل من ثلاثة مصادر، تشمل: الإيرادات الحكومية العامة، والقروض المباشرة من الأسواق بضمانات سيادية، والقروض والمنح من الوكالات الدولية، لتصل إلى خمسة ترليونات دينار على مدى خمس سنوات.( ص 73)
وليس الموضوع هنا، هو مجرّد الإعتراض على ماوردَ في هذا الكتاب.. لأنّ بالإمكان، وببساطةٍ شديدة، تفهّمَ "الدافع" من وراءه..
ولكن.. أين ما ورد في الورقة البيضاء، مقارنةً بما ورد في هذا "الكتاب"؟
وهل يُفتَرَض بمعالي السيد وزير المالية الإتّحادي (ومعه في ذلك دولة السيد رئيس مجلس الوزراء)، أن يكون "سياسيّاً"، بقدر تعلّق الأمر بالموقف من "قانون الدعم الطاريء للأمن الغذائي والتنمية" .. و "إقتصاديّاً" بقدر تعلّق الأمر بالبرنامج الإصلاحي "الجذري"، كما وردت تفاصيله في "الورقة البيضاء".. و في آنٍ واحدٍ معاً؟
هل يُفترَض بـ "مؤسسات" راسخة، ووزارة "سياديّة" مهمة، ووزير "مهني" أخذ على عاتقه تحقيق ما عجز "الاخرون" عن تحقيقه في ظروفٍ صعبةٍ ومُرّةٍ وقاسيةٍ و"حسّاسة".. هل يُفتَرَضُ به أن "يميل" بجَنبهِ، على "الجَنْب" الذي طالما رفضه (ليس بإصرارٍ فقط، بل وبعنادٍ أحياناً).. وأن يفعل (لاحقاً) الشيء ونقيضه معاً، لأن سوى "الروم"، خلف "ظهرهِ".. "رومٌ" .. و"رومٌ" كثيرون؟؟
ألا يبدو الأمر كذلك فعلاً؟
أم أنّني مُخطيءٌ في قراءتي للورقة البيضاء، و لقانون الدعم الطاريء للأمن الغذائي، ولموقف السيد وزير المالية الإتّحادي منهما.. وكلاهما يحظيان بدعمه الكامل لهما، رغم التعارض الصارخ بينهما في الأهداف، وفي "منهجية" العمل الإقتصادي و"المالي" و"التنموي"، وللأجلين الطويل والقصير معاً.
أتمنى أن أكون مخطئاً في قراءتي هذه، بل ومُخطِئاً جدّاً.
إنّ احترامَ الجُهد والتعب النبيل بهدف التصدّي لمشكلة البطالة (والتشغيل) في العراق في الظروف الحاليّة، ولـ "النوايا الطيبة" التي تقف وراء كلّ "إجراءٍ" حكوميٍّ بهذا الصدد.. لا ينبغي أن تطغى على إدراكنا التام والراسخ بأنّ "النوايا الطيّبة" لا تصلحُ أن تكونَ "منهجاً" فاعِلاً لإدارة المالِ والإقتصاد، في بلدٍ يُعاني من اختلالات "هيكلية – بنيويّة" مُزمِنة في جميع المجالات.
أقرأ ايضاً
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- دوري نجوم العراق.. ما له وما عليه
- العراق.. "أثر الفراشة" في إدارة الدولة