علي حسين الخباز
أنا أحبّ هذا الرجل الذي قتلته..! ابتدأ الرجل الشيطاني اللقاء بهذه الجملة التي تفتح الكثير من محاور النقاش.. سألته:ـ ما القضية يا ابن ملجم؟ قال:ـ لما بايع الناس الإمام (عليه السلام) بالخلافة بعد وفاة عثمان، كان حبيب بن المنتجب والياً على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان، فأقره الامام علي (عليه السلام) وكتب إليه أن يأخذ بيعة المسلمين للإمام، وأن يرسل إليه عشرة من ثقاتهم.. أتينا الامام نباركه الخلافة، فقررت أن أقيم في الكوفة بقرب الامام (عليه السلام). لقد زور المؤرخون حكايتي وجعلوني ضمن من قاتل ضد الامام علي (عليه السلام) في النهروان، والحقيقة أنا كنت أفتدي مولاي أمير المؤمنين لحظتها، وقاتلت معه في النهروان ضد الخوارج، وأقسم أني قاتلت بين يديه قتالاً شديداً، ومن شدة فرحي بالنصر على الخوارج، استأذنت الإمام أن أتقدم الى المصر لأبشر أهله بما فتح الله تعالى علينا من النصر.. أذن لي مولاي، فدخلت الكوفة مبشراً الناس بالنصر، لم أشك يوماً بإيماني ولا بولائي لأمير المؤمنين. قلت:ـ أمر غريب.. إذن، ما الذي حدث؟ قال ابن ملجم:ـ وأنا داخل الى محلة بني تميم، أرسلت إليّ قطام ابنة شحنة بن عدي، صُعقت حين رأيتُ جمالها، عرفت حينها أن قطام تدين برأي الخوارج، وعرفت أن الكثير من قومها قتلوا في النهروان، وعرفت أيضاً أن أباها وأخاها وعمها قتلوا، سمعت الخبر فلطمت خديها، ازدادت حسناً وإثارة، انكسر قلبي عليها، وأنا أسمعها تندب أهلها، أعتقد انها عرفت منذ الوهلة الأولى مقدار غوايتها، وتأثير ما اوقعتني فيه، وإذا بها تتقن شد وثاق تلك الشباك اللعينة، فتنادي على مسامعي:ـ أفلا من يأخذ لي بثأري..؟ فأمكّنه من مالي وجمالي، لا أدري كيف اندفعت بتلك الغواية، وصحت وأنا تحت تأثير هذا السحر الشيطاني.. قلت لها:ـ زوّجيني نفسك لأخذ بثأرك، فاشترطت المهر قتل علي..! قلت: تريد أن تقول للناس إنك لست من الخوارج، فتمثل لنا دور العاشق الولهان الذي دفعه الهوى لارتكاب إثم لا يُغتفر، وجريمة ابشع ما يقال عنها انها حرمت العالم من نور أمير المؤمنين، كيف منحت نفسك لهذا الاغراء؟ قال:ـ قلت لك أنا لا أؤمن بالخوارج، ولا علاقة لي بما يقال عني، سحرتني قطام بسحر جمالها، تصور.. حتى عهدي لها لم يكن حقيقياً، كان الخوف يملؤني، مجرد التفكير بمثل هذه الجريمة يهز جبلاً، سألتني قطام:ـ ما الذي يمنعك من قتل علي بن أبي طالب وترغب عن هذا المال والجمال؟ قلت لها:ـ يا ابنة الناس، هذا أمير المؤمنين يا قطام، انت تريدينني أن أقتل أمير المؤمنين علياً؟ الطلب صعب للغاية يا قطام..! أجابتني الملعونة:ـ أنت لست بأعف وأزهد من الذين قاتلوا علياً، وكانوا من الصوامين والقوامين، وحين اعتزلوه قاتلهم فقتلهم. قلت:ـ ويلكِ يا قطام، من يقدر على قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المجاب الدعاء، المنصور في السماء وفي الأرض، ترجف من هيبته الملائكة، وتسرع الى خدمته. ويلكِ.. من يقدر على قتل علي بن أبي طالب، وهو مؤيد من السماء والملائكة تحوطه بكرة وعشيا.. ولقد كان في أيام رسول الله (ص) إذا قاتل يكون جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وملك الموت بين يديه، فمن هو هكذا.. لا طاقة لأحد بقتله ولا سبيل لمخلوق على اغتياله.. كيف وقد أعزني وأكرمني وأحبني ورفعني وآثرني على غيري، فلا يكون ذلك جزاءه مني أبداً، فإن كان غيره قتلتُه لكِ شرّ قتلة، ولو كان أفرس أهل زمانه، وأما أمير المؤمنين فلا سبيل لي إليه. والتفتَ حينها إليّ قائلاً:ـ هذا الذي تريد أن تعرفه؟ إن هذه المرأة أفسدت عليّ ديني، أنا لم أنتمِ يوماً للخوارج، لكني انتميت الى سحر ابنتهم. سألته:ـ كيف لم تنتمِ الى الخوارج، وأنتم جلستم واتفقتم على قتل علي, ومعاوية وعمرو بن العاص لتستقيم الأمور، فقررتَ انت قتل علي، والآخران صارا بعاتق البرك بن عبد الله التميمي، وعبد الله بن عثمان العنبري؟ قال:ـ هذه دعاية أموية، أرادوا أي يضعوا الاثنين بمنزلة علي، وبعد هذا يشدون أزمّة النكال بأمير المؤمنين، أنا أعرفهما، لكن لم يكن بيننا اتفاق بهذا الشكل، دوافعهما للقتل غير دوافعي، ومن قال لك: إن الخوارج يريدون قتل معاوية؟ وهم كانوا الورقة الناجحة لإحراج موقف علي في المواجهة، هم أصدقاء أساساً؛ كونهم أعداء لأعداء، وإلا فأنا في شك ان يكون القتل له علاقة بتفكير قطام، فهي لا تريد سوى حياة علي، وأنا هربت فعلاً من مطلبها، ورجعت الى بلدي اليمن؛ كي لا اقع تحت تأثيرها، وقابلت أمير المؤمنين وأخبرته بما جئت لأجله، وسألته أن يكتب إلى ابن المنتجب كتاباً ليعينه على استخلاص حقي؛ كوني أصبت إرثاً كبيراً، فأمر كاتبه فكتب لي ما أردت، ثم أعطاني فرساً من جياد خيله، خرجت وسرت سيراً حثيثاً، وفي طريق العودة، تعرفت على مجموعة من الخوارج أرادوا أن يقتلوني؛ كوني من محبي أمير المؤمنين..! وكي لا يقتلوني ادعيت أني أريد قتل علي؛ لأنال رضا قطام لا غير، وتركوني لكونهم عرفوا قطام، وإلا في الحقيقة لا شأن لي بـ(البرك التميمي) الذي على أساس انه يريد قتل عمرو بن العاص، ولا لي شغل عند (عبد الله العنبري) إن قتل معاوية أم لم يقتله، أنا أريد قطام. وفعلاً بعد عودتي الى النجف، رجعت اليها تقودني الغواية، وأقدمت على جريمتي وانا خائف للحد الذي جعل الامام وهي بهذه الحالة ينتبه لفزعي.. وقال: آمنوا روعه، وهؤلاء القوم كل همهم أن يصنعوا مني بطلاً، وأنا الخائب لا حظيت بقطام، ولا بمكانتي عند أمير المؤمنين، وأصبحت لعنة للعالمين الى يوم الدين..!
أقرأ ايضاً
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي