القاضي حسن فؤاد
عضو محكمة التمييز الاتحادية
أصـدرت المـحكمة الاتـحاديـة الـعليا الـكتاب المـرقـم ٢٢/ ت.ق/ ٢٠٢٠ فــي ١٦/ ٣ / ٢٠٢٠ خــاطــبت بــموجــبه الــسيد رئــيس الجــمهوريــة لــغرض ســحب المـرسـوم الجــمهوري الــخاص بتعيين الـقاضـي المتقاعــد (محـمد رجـب الكبيسي ) عــضواً أصــلياً فــي المــحكمة وإعــادتــه إلــى الــتقاعــد ، وفــي محاولــة مــنها لــقطع الجــدل الــقائــم حــول اكــتمال نــصابــها مـن عـدمـه ، وإزالـة المـخاوف والـشكوك الـتي تـحيط إمـكانـية إنـــعقادهـــا ومـــمارسـة اخــتصاصــاتـها القانـــونـــية ، طلبت المـحكمة مـن رئـيس الجـمهوريـة بـالـفقرة الـثانـية مـن كـتابـها المـوافـقة عـــلى الاستعانـة بـــالأعـــضاء الاحـــتياط المـــعينين بــــموجــــب مراســيم جــمهوريــــة ، مـن أجـل أكــــمال تــــشكيل المحكمة وتـــسيير شؤونـــها الـــدســـتوريـــة ، ولـــحين صـــدور قــانــون المــحكمة الاتــحاديــة المــنصوص عــليه فــي المــادة ٩٢ مـن الـدسـتور ، أو تـعديـل المـادة ٣ مـن قـانـونـها الـحالـي رقـم ٣٠ لـسنة ٢٠٠٥ ، ونـعتقد بـأنـه لايـمكن الأخـذ بهـذه الـفكرة بــالــنظر لمــا تــثيره مــن اشــكالــيات دســتوريــة وقــانــونــية عــند تـــطبيقها فـــي أرض الـــواقـــع نـــوضـــحها بـــالـــفقرات الآتـــية :
١- إن جـميع الـقضاة الـذيـن سـبق أن تـم تـعيينهم كـأعـضاء احــتياط فــي المــحكمة بــموجــب مــراســيم جــمهوريــة ومــنهم الـــــقاضـــــي ( محـــــمد رجـــــب الـــــكبيسي ) قـــــد أحـــــيلوا إلـــــى الـــتقاعـــد لـــبلوغـــهم الـــسن الـــقانـــونـــية لـــلإحـــالـــة لـــلتقاعـــد وأســـتنفذوا أيـــضاً كـــل مـدد الـــتمديـــد، وهـــم حـــالـــياً خـــارج الخـــدمـــة الـــقضائـــية وبـــذلـــك يـــتعذر الاســـتعانـــة بـــأي مـــنهم لإكــــمال ِنـــــصاب المــــحكمة لأن مــــن شــــروط عــــضو المــــحكمة ســــواء أصــــلي أو احــــتياط أن يــــكون مــــن المســــتمريــــن فــــي الخــدمــة، ولايــوجــد ســند قــانــونــي لإعــادة قــاضــي مــتقاعــد لــلعمل فـــــــي المحكمة الاتــحاديــة، لاســيما وأن صــفة الديـمومــة الــــواردة بـالفقرة ٦ مــــن المــــادة ٣ مــــن قـانـون المحكمة رقـــــم ٣٠ لـسنة ٢٠٠٥ تـــــشمل العضو الأصـــــلي ولاتـــنسحب عـــلى الاحـــتياط الـــذي أحـــيل لـــلتقاعـــد لـــبلوغـــه الــسن الــقانــونــية وخــروجــه مــن الخــدمــة الــقضائــية، فــضلاً عــن أن الاســتعانــة بــقاضـي مــتقاعــد لــغرض إكــمال نــصاب المـحكمة يخـلق ذات المـشاكـل الـدسـتوريـة والـقانـونـية الـتي خــلقها تــعيين الــقاضي (محــمد رجــب الــكبيسي ) ونــكون كـالذي"فـســـّر الماء بــعـد الـجـهـد بـــــالمــاء".
٢- دسـتور جـمهوريـة الـعراق لـسنة ٢٠٠٥ بـالمـواد ٩٢ – ٩٤ مـنه تحـدث عـن مـحكمة اتـحاديـة عـليا لـم تـشكل حـتى الآن ولــم يــصدر قــانــونــها، وهــي ليســت المــحكمة الــقائــمة فــي الـوقـت الـحاضـر، ذلـك أن هـذه المـحكمة لـم تُـشكل بـموجـب الـدسـتور ولهـذا لايـمكن الاحـتكام الـيه بـشأن إكـمال نـصاب المحكـمة مــن عدمه .
٣- قـانـون إدارة الـدولـة الـعراقـية لـلمرحـلة الانـتقالـية لـسنة ٢٠٠٤ ، والــذي أُلــغي بــموجــب المــادة ١٤٣ مــن الــدســتور " بــاســتثناء الــفقرة أ مــن المــادة ٥٣ والمــادة ٥٨ مــنه " ، إذ تــم تــشكيل المــحكمة الاتــحاديــة وتحــديــد اخــتصاصــاتـها عــلى وفق أحـكام هـذا الـقانـون ، ونـصت الـفقرة "هـ" مـن المـادة الـرابـعة والأربـعين مـنه عـلى أن تـتكون المـحكمة الاتـحاديـة الــعليا مــن تــسعة أعــضاء ويــقوم مجــلس الــقضاء الأعــلى أوليًا وبالتشاور مع المجالس القضائية للاقاليم بترشيح ما لايقل عـن ثـمانـية عشـر إلـى سـبعة وعشـريـن فـردا لـغرض مــلء الــشواغــر فــي المــحكمة ويــقوم بــالــطريــقة نــفسها فــيما بــــعد بــــترشــــيح ثــلاثــة أعــــضاء لــــكل شــــاغــــر لاحق يــــحصل بســـبب الـــوفـــاة أو الاســـتقالـــة أو الـــعزل ، ويـــقوم مجـــلس الـــرئـــاســـة بـــتعيين أعـــضاء هـــذه المـــحكمة وتـــسمية أحـــدهـــم رئـــيساً لـــها وفـــي حـــالـــة رفـــض أي تـــعيين يـــرشـــح مجـــلس الـــقضاء الأعـــلى مجـــموعـــة جـــديـــدة مـــن ثـــلاثـــة مـــرشـــحين ، ويــتضح جــلياً مــن قــرأة هــذا الــنص أن المــرشــحين يــجب أن يــــكونــــوا مــــن الــــقضاة المســــتمريـن فــــي الخـدمة ولــيس المـتقاعـديـن مـادام مجـلس الـقضاء الأعـلى هـو الـذي يـتولـى تـرشيحـهـم.
٤- وقــضت المــادة ٣ مــن الــقانــون رقــم ٣٠ لــسنة ٢٠٠٥ بــأن تـتكون المـحكمة مـن رئـيس وثـمانـية أعـضاء يجـري تـعيينهم مـن مجـلس الـرئـاسـة بـناء عـلى تـرشـيح مـن مجـلس الـقضاء الأعــلى بــالــتشاور مــع المــجالــس الــقضائــية لــلأقــالــيم وفق مـــا هـــو مـــنصوص عـــليه فـــي الـــفقرة هـ مـــن المـــادة الـــرابـــعة والأربـــعين مـــن قـــانـــون إدارة الـــدولـــة ، ويـــلاحـــظ بـــأن هـــذه المــادة لــم تــنص عــلى وجــود أعــضاء احــتياط فــي المــحكمة وكــيفية تــعيينهم ، إلا انــها أحــالــت عــلى الآلــية المــنصوص عـــليها بـــالـــفقرة هـ مـــن المـــادة ٤٤ مـــن قـــانـــون إدارة الـــدولـــة الــــــتي ســــــبق الإشــــــارة الــــــيها وتــــــضمنت مــــــعالــــــجة مــــــلء الـشواغـر الـتي قـد تـحصل بسـبب الـوفـاة او الاسـتقالـة او الــــعزل، واستنادا إلــــى هــــذه المــــادة كــــان يجــــري اختيار الأعـضاء الاحـتياط فـي المـحكمة لإكـمال نـصابـها الـقانـونـي ، كــلما اقتضت الــضرورة ذلــك مــن قــضاة مــحكمة الــتمييز المســـتمريـــن بـــالخـــدمـــة فـــيها ويســـتبدلـــون بـــآخـــريـــن اذا مـــا أحـيلوا الـى الـتقاعـد، ولـم يـكن يجـري اخـتيارهـم بـناءً عـلى أعـــراف قـــضائـــية، أو لأن رئـــيس المـــحكمة فـــي حـــينه هـــو رئــيس الســلطة الــقضائــية كــلها ، وكــان يــأتــي بــأي قــاضــي مــن مــحكمة الــتمييز ويــجعله عــضو احــتياط فــي المــحكمة الاتـــحاديـــة كـــما يـــحاول الـــبعض تـــصويـــره وكـــأن الـــقضاء يـعمل مـن دون قـوانـين ويـخضع لمـزاج رئـيسه الأعـلى، إنـما الـــــحقيقة الـــــتي يـــــراد لـــــها أن تُـــــغّيب أن مجـــــلس الـــــقضاء الأعــلى هــو المسؤول عــن إدارة الــقضاء ويــتولــى الإشــراف عــــــلى أعــــــمال الــــــقضاة وهــــــو المــــــعني وحــــــده دون غــــــيره دســتوريــاً وقــانــونــياً بــترشــيح الــقضاة لــلعمل فــي المــحكمة الاتـحاديـة الـعليا ، وغـيرهـا مـن المـحاكـم والـهيئات والـلجان الـــتي تـــنص قـــوانـــينها عـــلى أن يـــكون ضـــمن تـــشكيلاتـــها أحـد الـقضاة المسـتمريـن بـالخـدمـة ولا عـلاقـة لـلأمـر بـشخص مــن يـتولـــــــــى رئــاسـة مجـلس الـــقضاء الأعـلى.
إلا انـه وبـعد أن ألـغت المـحكمة الاتـحاديـة صـلاحـية المجـلس بــترشــيح قــضاة المــحكمة الــواردة بــالمــادة ٣ مــن قــانــونــها ، ومــع غــياب نــص قــانــونــي صــريــح يــعالــج مــسألــة تــعيين قـــضاة المـــحكمة ســـواء الأصـــليين أو الاحـــتياط ، أصـــبحنا أمــــام فــــراغ دســــتوري وقــــانــــونــــي ولــــن يــــملأ هــــذا الــــفراغ الإقــتراح الــوارد بــالــفقرة ٢ مــن كــتاب المــحكمة المــشار الــيه آنــفاً ، إنــما يــتعين عــلى مجــلس الــنواب تحــمل مسؤولــيته الـتاريـخية والـتعجيل بتشـريـع قـانـون المـحكمة المـنصوص عــليه فــي الــدســتور ، أو تــعديــل قــانــونــها الــحالــي وإيــجاد نـص قـانـونـي يـملأ الـفراغ الـذي خـلقته المـحكمة الاتـحاديـة وبـما يـضمن أن يـكون مجـلس الـقضاء الأعـلى هـو المـعني بتسمية المـرشحين لـلعمل فــي المحكمة حــمايــة لمـبدأ اســتــقــلال القــضــاء وعدم التــدخـل بــشؤونـــه.
٥- وما يؤكـــد الحاجـــة إلـــى وجـــود نــص قـــانـوني خـــاص بــتعيين قــضاة المــحكمة الاتــحاديــة أصــليين أو احــتياط أن الـتنظيم الـقضائـي فـي الـعراق عـلى وفق الـقانـون رقـم ١٦٠ لــسنة ١٩٧٩ تــحكمه قــواعــد ونــصوص تحــدد آلــية تــكويــن الـــهيئات الـــقضائـــية وكـــيفية مـــلء الـــشواغـــر فـــي الـــحالات الـضروريــة الـتي تـقضي بــذلـك، ولـم يــترك الأمــر للاجـتهادات وتـضاربـها لخـطورتـه وتـعلقه بحق الـتقاضـي المـــكفول فـــي الـــدســـتور والـــقانـــون فـــقد نـــصت المـــادة ١٤ / ثـــانـــياً مـــن الـــقانـــون المـــذكـــور عـــلى أن يـــتم تـــشكيل هـــيئات مـحكمة الـتمييز وبـضمنها الـهيئة المـوسـعة فـي بـدايـة كـل سـنة بـقرار مـن هـيئة الـرئـاسـة ولايـبدل عـضو الـهيئة إلا اذا قـضت الـضرورة بـذلـك وبـالـطريـقة ذاتـها ، ونـصت المـادة ١٧ / ثــانــياً مــنه عــلى أن يــتم تــسمية رئــيس وأعــضاء مــحكمة الاســــــتئناف وهـيئاتـها ببيان يــصدره رئــيس مجــلس الـــــقضاء الأعـــــلى بـــــنا ًء عـــــلى اقـــــتراح مـــــن رئـــــيس مـــــحكمة الاســــتئناف ولايــــجوز تــــبديــــل الــــرئــــيس أو الــــعضو إلا اذا وجـدت ضـرورة مـاسـة تـقضي بـذلـك ، وبـموجـب المـادة ٣٠ / ثـــالـــثاً مـــن الـــقانـــون يـــتم تـــسمية رئـــيس وأعـــضاء مـــحكمة الـــــجنايـــــات الأصـــــليين والاحـــــتياط بـــــبيان يـصدره رئــيس مجـلس الــقضاء الأعــلى بــناءً عـلى اقـتراح رئــيس الاسـتئناف ، وفـي الـسياق نـفسه أوجـبت المـادة ٣٣ / ثـانـياً بـأن يــــــتم تــسمية رئــــــيس مــــــحكمة الأحــــــداث والمــحكمين الأصــليين مــنهم والاحــتياط بــبيان يــصدره رئــيس مجــلس الــقضاء بــناء عــلى اقــتراح رئــيس الاســتئناف، أمــا تــنحي الـقضاة مـن نـظر الـدعـوى الـوجـوبـي والـجوازي واسـتشعار الحـرج أو تـعذر تـشكيل المـحكمة لأسـباب قـانـونـية وتـعيين قــضاة آخــريــن او مــحكمة أخــرى لــلنظر فــي الــدعــوى فــقد عـالـجته المـواد مـن ٩١ الـى ٩٧ مـن قـانـون المـرافـعات المـدنـية وعلى وفق وجهة النظر القانونية المتقدمة وانسجاما مع المـبادئ الـعامـة لـلنظام الـقضائـي فـي الـعراق وبـغياب نـص قـــانـــونـــي صـــريـــح يـــعالـــج مـــسألـــة تـــعيين قـــضاة المـــحكمة الاتــــحاديــــة ، نــــكون أمــــام مــــحكمة غــــير مــــكتملة الــــنصاب فـــضلاً عـــن أنـــها غـــير دســـتوريـــة أصـــلاً مـــما يـــجعلها غـــير صـــــالـــــحة لـــــلنظر والـــــفصل فـــــي الـــــقضايـــــا الـــــداخـــــلة فـــــي اخـتصاصـها ، وأي حـديـث عـن أعـراف قـضائـية أو حـاجـات يـــفرضـــها الـــواقـــع الـــسياســـي فـــي الـــبلد أو عـــبارات أدبـــية وإنــشائــية تــبرر انــعقاد جــلسات المــحكمة فــأن ذلــك يــشكل مــخالــفة لــلدســتور والــقانــون ولــن تــكون لــقراراتــها أيــة قــيمة قـانـونـية ولا تـتمتع بـصفة الإلـزام وغـير قـابـلة لـلتنفيذ مـطلقاً ولانــــريــــد لهــــذه المــــحكمة الــــتي تــــضطلع بـاخــتصاصــات خـــطيرة وجــسيمة ومؤثـــــــرة بـــــــشكل كـــــــبير فـــــــي الـــــــحياة الــسياســية والــقانــونــية والاجــتماعــية لــلبلد أن تــسقط مــن عـين المـجتمع ويـفقد الـثقة فـي قـراراتـها وأن تـضيع هـيبتها فــي مهــب الأهــواء والمــصالــح الــشخصية فــي هــذا الــظرف الـــحساس الـــذي نـــعيشه جـــميعاً ، مـــما يســـتدعـــي الـــتأكـــيد مجــددا عــلى ضــرورة الإســراع فــي تشــريــع قــانــون المــحكمة المـنصوص عـليه فـي الـدسـتور أو تـعديـل قـانـونـها الـحالـي لــــــكي يــــــتسنى لــــــها الــــــقيام بممارسـة اخـتصاصاتــها الـقانـونـية وأن يـترفـع مجـلس الـنواب عـن خـلافـاتـه الـقائـمة بــهــذا الـــشــــأن.
أقرأ ايضاً
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- تساؤلات حول مصداقية المحكمة الاتحادية
- الدستور العراقي والمحكمة الاتحادية