- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تظاهراتنا قد إنطلقت.. هل لها موعد آخر محدد؟!
بقلم: عادل الموسوي
وجه آخر للمشهد، إختلف اليوم عما كان عليه قبل عام وبضعة أشهر، لكنه ليس بالمشهد الأخير، فذاك المشهد مختلف تماماً عما هو عليه الآن، وكأني أرى فيه القوى السياسية وقد أضاعت "فرصتها الفريدة"، ولم يغلب العقل على من هم في مواقع المسؤولية من السلطة، فالحكومة قد تنصلت عما تعهدت به، والأمر في مجلس النواب قد تعطل، ولم يبق أمام الشعب إلا تطوير أساليب إحتجاجاته السلمية، مدعوما من كل القوى الخيرة في البلد، ولم يبق إلا تقديم رؤوس الفساد للعدالة، ولابد من إرادة تسوقهم الى جزائهم.
لم يبق لهم في هذا المشهد إلا أياماً معدودة توردهم سنن التاريخ مصائر العتاة والمردة، مؤمن بـ"عثرة الظالم، وبخت السيد، وحوبة الشعب المظلوم" مؤمن أن من "لا يخاف الفوت" إطلع على مساحة من الزمن فحكم للإصلاح بأنه ضرورة حتمية.
قبل عام وبضعة أشهر كتبت لإنطلاق تظاهرات البصرة عنوان: "تظاهراتنا لم تنطلق بعد" تناولت فيه الخطوات التي وجهت بها المرجعية الدينية -في خطبة الجمعة 2018/7/27- المسؤولين في السلطة ببرنامج إصلاح للخروج من الأزمة، وحذرت من وجه آخر للمشهد يختلف عما هو عليه آنذاك في حال تنصلت الحكومة عما تتعهد به او تعطل الأمر في مجلس النواب..
وقبل اربعة أشهر كتبت تزامناً مع إنطلاق تظاهرات أخرى للبصرة عنواناً آخر هو: "هل سيكون لتظاهراتنا موعد محدد" وأشرت فيه أن لابد من تحديد فترة زمنية ومهلة لإيفاء الحكومة بتنفيذ برنامجها والذي مددت لها الفترة فيه الى 2019/10/24 ورجحت أن يكون هذا التاريخ نهاية المطاف لأساليب التسويف والمماطلة، وموعداً مناسباً لإنطلاق الاحتجاجات.
ختمت موضوع ذلك العنوان بسؤال:
"كيف سيكون الوجه الآخر للمشهد"، وأجبت ب: "لعلنا نستوحي من خطب الجمعة الآتية بعض الملامح من ذلك المشهد"
هذا ما أحاول أن أستوحيه من خطب الجمع الثلاثة التي واكبت الإحتجاجات الأخيرة وآخرها خطبة الأمس 2019/11/8.
قد تكون التظاهرات قد إنطلقت بتحقق الشرط الموضوعي المقتضي لها، وتوافق مع الموعد الزماني الذي إفترضت -تخميناً- أنه مناسب جداً لإنطلاقها.
ولكن!!
من وقف خلف تلك التظاهرات ومن حدد لها موعداً ؟!
قيل: هي ليست عفوية بدلالة التوقيت، فلابد من هندسة سرية، ولابد من جهة مجهولة تتحكم بالسير بها نحو أهداف مجهولة.
في الواقع فإن السؤال وجيه وبعض ما قيل لايخلو من وجه، إلا إن البحث لابد له من توجيه.
أعتقد إن ما وراء هذه التظاهرات هو المقتضى الذي حتم المحنة وواقع المأساة الذي فرضته أطراف الأزمة.
لذا فطبيعي جداً أن تستغل هذه الأرضية والمناخ بنوايا سيئة لأغراض شريرة او تستثمر بنوايا صالحة لأهداف خيرة.
هذه التظاهرات وبالغض عن نوايا إنطلاقها ومن "ركب موجتها"، فإن مأساة الشعب المظلوم هي من ولد تلك الموجة العالية، ولابد من السعي الجاد لرعايتها وتوجيهها الى مساراتها الصحيحة التي تحددها النوايا الصالحة والأهداف النبيلة لإنقاذ البلد وإخراجه من المحنة.
وكلمة الفصل في الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح هي بيان مكتب المرجع الأعلى في خطبة الجمعة 2019/11/8 بأن تلك الإحتجاجات ".. قد تجلّى فيها العديد من الصور المشرقة التي تعبّر عن محامد خصال العراقيين وما يتحلّون به من الشجاعة والايثار، والصبر والثبات، والتضامن والتراحم فيما بينهم، وإذ نتذكر اليوم الكوكبة الأولى من الأحبة الذين ضُرّجوا بدمائهم الزكية في بدء هذه الحركة الاصلاحية قبل اربعين يوماً ونترحم على أرواحهم الطاهرة ونجدد المطالبة بمحاسبة قتلتهم ونواسي عوائلهم وندعو للجرحى بالشفاء والعافية".
ربما إنطلقت التظاهرات تائهة، هائمة، مشتتة الأهواء والمطالب، لوحة فنية تحتاج الى لمسات خفيفة لتكون رائعة، ف"بانوراما" المزاج العراقي لابد أن تكون متناقضة: الشجاعة، الغيرة، التعاون، التهور، التخريب، الإنفعال، الإنفلات، الرقص والغناء، دعاء الفرج، أجواء أربعينية كربلاء، ومع كل تلك التناقضات لابد من عاطفة ورجوع عن الخطيئة والإساءة فلافتات: "لا ترقص على دماء الشهداء" لابد أن يخجل منها من له أدنى قطرة من حياء.
وها هي قد توجهت بوجهتها الصحيحة إلا نزر مما أمكن تشخيصه وعزله.
مطالب شتى تجمع محاور مواضيعها مطالب ستة صاغت خلاصتها خطبة الجمعة 2019/10/25:
"إنّ الاصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في إدارة البلد ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، وهو ممكن إذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة في هذا الصدد".
وهناك العديد من الإصلاحات التي تتفق عليها كلمة العراقيين وطالما طالبوا بها، ومن أهمها:
1-مكافحة الفساد وإتّباع آليات واضحة وصارمة لملاحقة الفاسدين وإسترجاع أموال الشعب منهم.
2-رعاية العدالة الإجتماعية في توزيع ثروات البلد بإلغاء أو تعديل بعض القوانين التي تمنح إمتيازات كبيرة لكبار المسؤولين وأعضاء مجلس النواب ولفئات معينة على حساب سائر أبناء الشعب.
3-إعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات.
4-إتخاذ إجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة.
5-الوقوف بحزم أمام التدخلات الخارجية في شؤون البلد.
6-سنّ قانون منصف للإنتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها.
إذن للإصلاح والتغيير المنشود لإدارة البلد مطالب محددة بهذا الصدد ينبغي عدم الإجتهاد في صياغتها او زيادتها ونقصانها.. هي "محددة بهذا الصدد" وعلينا:
-التركيز على رفع تلك المطالب.
-إيجاد وتفعيل وسائل التكاتف ورص الصفوف بين العراقيين.
-الحفاظ على المسار الصحيح للتظاهرات وسلميتها وعدم إنجرارها الى العنف والفوضى وما يسمح للتدخلات والأهداف الخارجية فيها.
وماذا عما يخص البشرى والأمل بالفرج والرخاء؟
الجمعة 2019/11/1 إستهل السيد احمد الصافي خطبتها بما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من أنه قال: "عند تناهي الشدة تكون الفرجة وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء".
مفتاح الى المضمون الذي إشرأبت له الأعناق وشخصت له الأبصار وخشعت له الأصوات.. لكل أطراف الصراع والمحايدين.. بعد إنتظار طال سبعة أيام كأنها الأحقاب، وكأنه الوحي لكلمة الفصل.
وصار بالمعلوم أن الختام هو البشرى بالفرج والرخاء.
شرع الخاطب في الناس ببيان مصاديق للشدة وتضايق حلق البلاء ولم يحتج الى تلميح أوضح مما ألم بالبلد كمصداق، ونبه على أساسين من فلسفة البلاء:
-الإلتجاء في الشدة الى مسبب الأسباب عز وجل.
-الشكر له سبحانه عند الفرج وإنكشاف الكربة.
أوجز خطبته الاولى لينتقل في الثانية الى ما ورد من مكتب سماحة السيد المرجع من بيان تعرض فيه الى: تأكيد المرجعية الدينية لمواقفها السابقة من تأييد التظاهرات السلمية وإدانتها لكل أنواع العنف غير المبرر ضد تلك التظاهرات وأكدت على محور أساس هو:
" إن إحترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم من خلال إجراء الإستفتاء العام على الدستور والإنتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على إن الإصلاح وإن كان ضرورة حتمية ـ كما جرى الحديث عنه اكثر من مرة ـ الا أن ما يلزم من الإصلاح ويتعين إجراؤه بهذا الصدد موكول أيضاً الى إختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه من أقصى البلد الى أقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم".
ولكن وبعد كل هذا الحراك والتصعيد في أساليب الإحتجاج، أين أعيان الدولة عن كل هذا وما مدى أملهم في البقاء مستمسكين بالسلطة، والى متى يستمر عدم الإكتراث لمطالب مشروعة لجماهير مظلومة؟!!
لا تدخر الفضائية العراقية جهداً في الترويج الى حزم الإصلاحات الكثيرة التي تبنتها الحكومة.
لماذا تغفل الإستجابة للمطالب العليا، ولما التذرع بإنتظار توحيد المطالب، لما التدليس عن "المطالب الستة" في خطبة 2019/10/25 وعن البرنامج الذي وجهت به المرجعية في 2018/7/27 ومقترحها في 2015/8/7 لتشكيل لجنة من كافة الاختصاصات لإدارة الإصلاح..
وعن لجنة التحقيق في الأحداث التي رافقت التظاهرات.. وهم يعلمون يقيناً أنهم "..لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا" وهل في البين أمثل من توجيهات ونصائح المرجعية الدينية.
وماذا عن خطابات رئيس مجلس النواب وقرارات مجلسه؟
وأي بادرة عملية للعمل بخارطة الطريق التي وجهت بها المرجعية الدينية وإدعى الإلتزام بها؟!
وما مقدار جدية قرارات المجلس وسندها الدستوري وما مدى إلزام وإلتزام الحكومة بها وما ضمان عدم نقضها؟؟
هل يضمن التعديل الذي وعد به رئيس الجمهورية لقانون الإنتخابات الإنصاف والعدالة ويعيد للناخبين ثقتهم بالانتخابات؟
وما قصة تعديلات الدستور والمادة 142 ولماذا تأخر تنفيذها في الدورات السابقة؟!
ولكن -في الواقع- حسناً فعل السابقون من النواب إذ سوفوا التعديلات وتأخر اللاحقون سنةً عن موعد تشكيل لجنتها، وحسناً يفعلون لو أنهم أغفلوا تقريرهم ليلحق تقارير لجان الدورات الماضية في أدراج مكاتبهم، فلا لتعديلات وجوه لم تجلب ولن تجلب الخير لهذا البلد.
لا تعديل إلا في ظل مجلس آخر منتخب وفق قانون إنتخابات جديد.
ولكن هيهات هيهات إن يغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عندهم.
ظننت -بداية الأمر- ان الإحتجاجات التي يشهدها البلد الآن هي الوجه الآخر للمشهد الذي حذرت منه المرجعية الدينية وتمنت ألا تدعو الحاجة اليه، ودعت أن: "يغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار ليتداركوا الأمر قبل فوات الأوان".
لكن وكما يبدو أن أوان الوجه الآخر للمشهد لم يحن بعد:
"إنّ أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للإستجابة لمطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفّذ في مدة زمنية محددة، فتضع حدّاً لحقبة طويلة من الفساد والمحاصصة المقيتة وغياب العدالة الاجتماعية، ولا يجوز مزيد المماطلة والتسويف في هذا المجال، لما فيه من مخاطر كبيرة تحيط بالبلاد" -خطبة الجمعة 2019/11/8-
وأظن إن القوى السياسية في السلطة ستزهد تلك "الفرصة الفريدة" وستتنصل الحكومة عما ستضطر الى التعهد به من خارطة الطريق التي سيتم الإتفاق عليها أو سيتعطل الأمر في مجلس النواب او لدى السلطة القضائية بتجاوز المدة المحددة للتنفيذ -وأظنها ستكون في 2020/4/24 او قريب من ذلك'- وحينذاك "..لا يبقى أمام الشعب إلا تطوير أساليبه الإحتجاجية السلمية لفرض إرادته على المسؤولين مدعوما من كل القوى الخيرة في البلد" وعندئذ سيكون للمشهد وجه آخر مختلف عما كان عليه قبل عام وعما هو عليه اليوم.