بقلم: علي الراضي الخفاجي.
هنالك عوالم، منها مرئية ومنها شبه المخفية عن مشاهداتنا كعالم السجن، إنه عالمٌ بعيدٌ عن الأنظار، يسكنه أناسٌ كانوا جزءاً من المنظومة الاجتماعية، وقد شاء القدر أن يحكمهم القانون لأسباب مختلفة فصاروا وراء القضبان تأديباً أو تعزيراً أو جزاءً لجرائم وجنايات أقدموا عليها بدافع ذاتي أو لجئوا إليها دفاعاً عن النفس، وقد تكون غير ذلك.
عندما تزورهم يجعلك تفكر في أشياء كثيرة، منها كيف يشغل السجين وقته وكيف يمر الفراغ عنده، وماهي أسباب الحكم عليه بالسجن ومدة محكوميته، وقد تجد إجابات واضحة عن بعض الأسئلة، ولكن قد لاتكون الإجابات واضحة أو صحيحة عن الأخرى، وقد تغضُّ الطرف عن السؤال فتختصر الطريق لتقدم ماتستطيع ولو بكلمة تُتاحُ لك لتذكرهم بواجباتهم وحقوقهم من منطلق إنساني.
وعلى العموم مما لاينبغي أن ينسى أنَّ السجين آدميٌّ له حقوق تحفظ كرامته، وإنسانٌ له مشاعر وأحاسيس، ويقضي ذلك أن يتمتع بحقوق إنسانية تُلبِّي حاجاته من الناحيتين الصحية والخدمية، بالمكان والمأكل والملبس، بل حتى في التربية والتعليم، كي يخرج من السجن صالحاً لا معقداً وكئيباً أو ناقماً.
والمؤكد أنَّ الزمن يمرُّ على السجين ثقيلاً وبطيئاً للغاية، وذلك يقضي أن يشغل وقته بما يُؤنسُ وحدته، ولا يوجد أفضل من ذكر الله تعالى كثيراً وتلاوة القرآن الكريم.
إنَّ العزلة التي يعيشها السجين ممكن أن تجعله يعي قيمة الحرية والإنسانية، وتجعله يحمل أنبل المشاعر وأرقها وبذلك يتحول السجن عند بعضهم إلى روضة.
كما يمكن أن يكون السجن مكاناً للدعوة إلى الله تعالى بالوعظ والإرشاد، ويكون فرصة لمراجعة الذات واكتساب العلم إنْ توفرت وسائله، فكَمْ وكَمْ من السجناء خرج من السجن شاعراً أوفناناً أو كاتباً بما يُجيد، يقول جواهر لال نهرو في مقدمة كتابه الذي جمع رسائله إلى ابنته انديرا وهو في السجن ثم تُرجم وطُبع باسم(لمحات من تاريخ العالم)ص/9:(إنَّ لحياة السجن فوائدها؛ لإنها تُهيِّء جواً من الراحة والعزلة، أما مساوئها فبيِّنة واضحة إنَّ السجن يخلو من المكتبات أو المراجع التي يستعين بها السجين، وهذا يجعل الكتابة في أي موضوع وخصوصاً موضوع التاريخ عملاً شاقاً أقرب إلى الجنون، لقد وصلتني بعض الكتب، ولكني لم أستطع الاحتفاظ بها).
أعطى نهرو انطباعه عن حياة السجن واشتكى في الوقت نفسه خلو السجن من المكتبات، وهذا موضوع جدير بالرعاية والاهتمام.
وبمناسبة الحديث عن الحقوق الانسانية التي تخُصُّ السجين بادرت العتبة الحسينية المقدسة بفتح أكبر مكتبة علمية في سجن الناصرية المركزي التابع لدائرة الإصلاح العراقية ليشغل السجين وقته بالمطالعة والتزود من العلوم المختلفة، فقد بلغت عناوين الكتب أكثر من ثلاثة آلاف، إضافة إلى إقامة برامج الوعظ والإرشاد ومسابقات حفظ القرآن الكريم من قبل الكوادر التبليغية والقرآنية في العتبة، ليس لشيء إلا لرعاية هذه الشريحة بما يجعل منهم مواطنين صالحين، خصوصاً أنَّ الانفتاح على العلوم وحفظ القرآن وتلاوته والتدبر في معانيه تشرح الصدور وتزرع الثقة والإيمان في القلوب، وهي أفضل ما يلجأ إليه الإنسان في مثل هذه الظروف.
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- عالمية زيارة الاربعين
- كربلاء قيمها عالميه