- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشمول المالي والتنمية المستدامة
بقلم: د. مظهر محمد صالح
انصرفت الادبيات المالية الدولية في السنوات الاخيرة الى ادوات ومفاهيم جديدة مؤازرة للتنمية المستدامة عبر أعادة تقييم فاعلية النظام المالي وبيان قدرته في توفير المداخل المناسبة للاشخاص الطبيعية والاشخاص المعنوية في قطاع الاعمال لبلوغ الخدمات المالية بكفاءة عالية وبمختلف اشكالها سواء أكانت منتجات مصرفية ام توافر قدرات على بلوغ الائتمان المصرفي وبطريقة أكثر ديمومة واقل خطراً.وبهذا اتفق العالم على تسمية تلك المداخل بالشمول المالي:Financial inclusion.
لذا عرف الكثير الشمول المالي:بانه الفرص المتاحة دوماً و ذات النوعية المناسبة للحصول على الخدمات المصرفية.فمع مبادرة البنك الدولي المسماة 2020 في بلوغ سبل الشمول المالي للعالم انطلقت المبادرة المذكورة للبنك الدولي من جزئية جوهرية مفادها ان الحساب المصرفي للمعاملات ولأكثر الشرائح المجتمعية ضعفاً هو نقطة الارتكاز التي تُمكن صناع السياسات والأجهزة الرقابية في العالم من بلوغ غاياتهم التمويلية في تحقيق التنمية المستدامة، مدركين في الوقت نفسه ان الاهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة قد استندت في ركنها السابع على تاكيد اهمية إشاعة وتبني هدف "الشمول المالي" للدول من بين تلك الاهداف الانمائية الكبيرة.
ولايخفى فقد إنضم العراق في السنوات الاخيرة الى العهد الدولي للشمول المالي الذي ضم ومنذ العام 2010اكثر من 55 دولة ممن اطلقت ستراتيجيتها الوطنية في الشمول المالي ومن بينها العراق.
وهي الستراتيجية التي اعتمدها البنك المركزي العراقي في الشمول المالي الرقمي في الوقت الراهن.
فالتصدي لمظاهر الفقر والشراكة في الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية تقتضي جميعها توافر اصلاحات مالية عميقة وهيكلية لاتخرج من نطاق قوة وأهمية وديمومة الابتكارات المصرفية والمالية التي تُعد جميعها من اسس وروافع الشمول المالي الملازمة لاستدامة التنمية نفسها في تحقيق الازدهار والرفاهية الانسانية.فالحواجز الثقيلة والمبهمة التي تفرضها اليوم الاسواق الرمادية او السوداء وعموم الاسواق غير المنظمة مازالت هي العقبة التي تحول دون انتظام النمو الاقتصادي وازدهار اقتصادات البلدان بسبب تعثر التمويل وارتفاع تكاليفه وانعدام الحوكمة المؤسساتية لقوى السوق والتي غالباً ما تضع تكاليف واعباء اضافية باهضة على المعاملات عند تعظيم الدورة التمويلية للمنتج الحقيقي.
فالعراق وحتى تاريخ توطين رواتب اومعاشات واجور الجهاز الوظيفي وغيرهم من المتقاعدين ومتسلمي اعانات الرعاية الاجتماعية والنازحين (الذين تُشكل مدفوعاتهم السنوية بمايزيد على ٢٥٪ من الناتج المحلي الاجمالي)اذ ظلت الخدمات المصرفية منخفضة ولم تغطىِ سوى نسبة ١٢٪ من السكان البالغين (اي من هم بعمر ١٥سنة صعوداً من اصل ٢٦ مليون عراقي بالغ) بينما تصل تلك النسبة في السويد على سبيل المثال قرابة ٩٨٪ من السكان البالغين.
وعلى الرغم من ذلك حصل العراق على تقدم ملموس في مؤشر الشمول المالي وتضاعفت تلك النسبة حقاً مقارنة بالسنوات السابقة لتصل الخدمات المالية الى قرابة ٢٥٪ من اولئك البالغين، ولاسيما بعد توطين الرواتب والمدفوعات الحكومية والتعامل المباشر مع المصارف.كما حسن البنك المركزي العراقي من نظام السجل الائتماني منذ مطلع العام ٢٠١٧ تمهيداً لاطلاق نظامه الالكتروني او الرقمي الخاص بتقاطع المعلومات الائتمانية للمقترضين وخفض المخاطر الائتمانية التي يتعرض اليها الجهاز المصرفي،حيث بلغ سجله الائتماني على اعداد متزايدة منذ اطلاقه في العام الماضي متضمناً مئات الالاف من زبائن المصارف الساعين الى القروض المصرفية وبلوغ الائتمانات النقدية وغيرها.ختاماً،فقد لامس العراق بحق واحدة من النقاط الجوهرية التي تعهدت فيها مجموعة الدول العشرين عند تبنيها للمباديء(التقنية) العالية المستوى للشمول المالي الرقمي:Digital Financial Inclusion اي الشمول المالي في العصر الراهن للثورة التكنولوجية الرابعة.حيث يوفر الشمول الرقمي المذكور حيزاً تنافسياً يعد الاسرع في تطور الاسواق الحرة التنافسية ويعظم في الوقت نفسه من الابتكارات المالية المرافقة للريادة في نطاق تطور دورة التمويل والانتاج والتنمية المستدامة معاً لبلوغ غايات الازدهار في العام ٢٠٣٠.
أقرأ ايضاً
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي
- اصلحوا السياسة المالية واحموا المصارف العراقية