من مظاهر التراث الشعبي التي تتميز بها محافظة كربلاء التي تتسم بطابعها الديني صناعة الكاشي الازرق او ما يسمى (بالكاشي الكربلائي) الذي يستمد معناه التراثي من القيم الفنية التي ينطوي عليها ويجد لها بعدا واضحا في الفن التشكيلي باعتماده النقش باساليب الزخرفة العربية الاسلامية والخط العربي .. لذلك فهو - أي الكاشي الكربلائي- فضلا عن كونه يوحي بالمعاني والدلالات الروحية فان فيه من الخصائص الجمالية والمتعة الفنية ما يشبع احساسنا بان صناعة الكاشي الازرق عراقية قديمة يعود تاريخها الى العصر البابلي .. ففي ذلك الوقت كان يسمى بـ (كاشي الملوك) واللون الازرق هويته التي ترمز الى الصفاء والاتجاه الى السماء. وسر صناعة الكاشي الكربلائي اليوم حكر على اشخاص معدودين توارثوا هذا الفن الجميل وعرفوا به. كما تميز هذا الكاشي بالخطوط الفنية الرائعة على السيراميك والكاشي الازرق وتميز بالخط الكوفي المظفور الذي يزين به ايوان المراقد المقدسة وجدران الاضرحة وللتعرف على واحدة من المظاهر التراثية والحضارية التي تتميز بها مدينة كربلاء.. كانت هذه الرحلة مع الكاشي الكربلائي الذي يؤكد الاثاريون رافدية اصله
رمز البهاء والصفاء
صناعة تراثية حضارية طارت باسم كربلاء الى اصقاع مختلفة من العالم نتاجها الفن الراقي الذي يجمع بين الرسم والخط والزخرفة الاسلامية، هذا الثالوث الفني الذي يشكل مع الكاشي لوحة فنية متكاملة العناصر.. تتبعنا اثره في التاريخ فوجدناه عربيا اصيلا يبحر عميقا في حضارة وادي الرافدين، ووجد يزين قصور ومعابد البابليين الكيشيين وهي دلالة على رافدية اصله وداحضة لسواها، وسم الكربلائي باللون الازرق لانه يرمز الى البقاء والبهاء والاتجاه الى السماء ولهذا اقترنت به قباب واواوين الجوامع والمراقد الخاصة بالائمة الاطهار واولياء الله الصالحين. وحيث نطالع قباب الذهب لمراقد الائمة نرى ان لون الذهب قد تحول الى اللون الداكن وهو بذلك يكون قد فقد جزءا من بريقه نتيجة تأثره بالظروف الجوية، الامر الذي دفع المهتمين بهذا النوع من الصناعة للتفكير بايجاد طريقة بديلة عن طلاء الذهب بالمعدن لابعاد اللون الداكن والبقع السود التي تظهر عليه وتشوه منظره، وقد اهتدى المهتمون بصناعة الكاشي الكربلائي وبعد جهود مضنية وتجارب متواصلة الى طريقة جديدة تتمثل بطلاء الكاشي الكربلائي بمادة الذهب واثبتت التجارب التي امتدت لعامين، نجاح الطريقة المبتكرة ويذهب صانعوها الى عدم تأثر هذه الطريقة بالعوامل الخارجية او الذهب بالكاشي ويتوقع ان يمتد عمره الى ثلاثة قرون محافظا على نظارته وبريقه.
سر جمالية الكاشي
يتميز الكاشي الازرق الكربلائي بمواصفات فنية راقية، منها ان الوان نقوشه وزخارفه معمرة وذات لمعان اخاذ وبهاء ساطع .. فصناعته الفنية تعتمد على مهارات وتقنيات عالية وخبرة طويلة متراكمة ومتوارثة ترتكز الى الاتقان والدقة في العمل والى الاجادة والابداع في الصنع. واذا حاول شخص ما معرفة سر جاذبية وروعة الكاشي الكربلائي الذي يزين كل المناطق ذات الطابع الاسلامي، فالقائمون على صناعته لايكشفون عن (سر المهنة) لتبقى حكرا عليهم يورثها الاباء الى الابناء جيلا بعد جيل، لكن الذي يمكن ان يعرف عن سر مواصفاته الفريدة ان الوانه معمرة وتتميز ببهاء ولمعان يعود الى فن الحرفة أي الى طريقة تحضير الالوان وخلطها وفق نسب محددة تحقق الجمالية الفنية للعمل .. وليس ثمة أي سر في هذه الصنعة وانما الخبرة هي التي تلعب دورا مهما في الجودة وطريقة الخلط الامثل للكور والافران وان درجات حرارتها هي التي تتحكم في درجات الالوان ونقائها وبين هذا وذاك وجدنا ان حرفيي هذه الصنعة يتهربون من التصريحات الاعلامية الدقيقة خوفا على الاحتفاظ بسر الخلطات اللونية التي تعتبر العامل الرئيسي في المنافسة بين المعامل المنتجة لهذا النوع من الكاشي.
الابداع في الالوان
تتوزع على خارطة الابداع الفني الكربلائي والتي ابدعت في هذه الصناعة الفنية التي تفوح منها رائحة الاصالة والتراث الانساني. ولكي تعيش جو الاصالة والتراث، حملنا اوراقنا الى بعض الممسكين بصولجان ابداعها فكان اولهم السيد حازم المعموري .. لقد كان متلهفاً للحديث عن هذا الفن الراقي قال: نعطي جل اهتمامنا للتقاليد الفنية التي تقود الى الحفاظ على اصالته وقاد هذا الاهتمام الى تلاشي الجدوى الاقتصادية بسبب ارتفاع اسعار المساحيق اذ يصل سعر مسحوق اللون الابيض الى 20 الف دينار في حين يباع المتر من الكاشي الابيض بـ (15) الف دينار ما ادى الى الاعتماد على الاصباع والمساحيق المحلية التي اضحت العمود الفقري لهذه الصناعة، وذهب محدثنا الى طقوس واسرار خلط الالوان التي تكتسب بالخبرة وتعاقب السنين، اذ ان اللون الواحد هو مزيج من عدة الوان، فالازرق الغامق ياخذ شكله النهائي بعد خلط (9) الوان وان عملية الصهر (السبك) ونوعية المساحيق لها تاثيرها في نقاوة اللون وعمره الزمني وهذا يفسر لنا تفاوت الالوان بين الجهات التي تنفذها، الثلث والكؤوس المقلوبة، الزهور والورود والنباتات والاشجار هي مادة الزخارف التي تزين الكاشي والتي تعد قاسما مشتركا بين لوحاته ويعد خط الثلث هو الاكثر خضرة بين الخطوط الاخرى في الاستخدام على الكاشي اذ يقول الخطاط عامر الحسناوي ومتداخلة لاستيعابها كلمات كثيرة على مساحة واحدة محددة ويستخدم خط النسخ في يافطات الدوائر والمحال التجارية، اما الخطوط الجمالية كالتعليق والديواني فهي تستخدم في خط اللوحات الفنية ويعد الخط خير من يؤدي مهمة تغليف القباب والمآذن والاواوين.. وحرى بنا ان نذكر ان الخط والزخرفة والرسم لاتكتمل عناصريا الجمالية الا بعد اقترانها ببناء حاذق يتقن مهنة بناء الكاشي الكربلائي بانواعه المتعددة كالمقرنصات والكؤوس المقلوبة والقباب والكتائب والاواوين التي هي عبارة عن اقواس تبلغ (35) نوعا.. اصعبها المعقود الثلاثي وهناك ربع قوس وثلاثة قياسات اخرى.
شرب كأس الخلود
يبدو ان الكاشي الكربلائي قد شرب كاس الخلود ليحتفظ بنضارته وشبابه مئات السنين وكانه صنع توا وهذه هي ميزته التي تتأتى من جودة صناعته ومهارة البنائين بحيث يقف شامخا امام عاديات الزمن وظروفه القاسية وهذا ما جعل الكاشي الكربلائي سفير العراق في مختلف دول العالم وقد كتب للعراقيين التفوق في هذا الفن على دول الجوار التي ادخلت الآلة في عملها .. ان رصانة ودقة العمل الحت علينا لمعرفته ومرافقة مراحل العمل خطوة بخطوة والذي يبدأ بانتخاب ارض بكر غير مزروعة ثم تغسيل التربة الحرة ثم يتم تنقيتها من الشوائب والاملاح ليضاف اليها تراب ابيض يسمى تراب عكاشات لتنقيته واعطائه الصلابة ثم يترك ليجف ويقطع بعدها حسب الطلب ويضغط بكابسة طاقة (100) طن ويدخل الفرن ويطلى بعدها باللون الابيض وهو اللون الاساس ويعاد الى الفرن بحرارة (950) درجة مئوية وفي النهاية ينقش بالزخارف والرسوم ومن ثم يحل ضيفا على فرن ثالث بدرجة (850) درجة مئوية ليخرج بعدها وقد اكتسب اللون والشكل النهائيين.
الابناء على نهج آبائهم
برزت ضمن جيل الرواد اسماء نالت شهرة واسعة وسمعة طيبة بفضل غلبة الاسلوب الفني الابداعي على الاسلوب التجاري الفاقد للخصائص الجمالية والمفتقر الى عنصر الاجهاش والق الحياة منها الحاج مجيد وابراهيم النقاش وجليل النقاش والحاج حسن وعباس المعمار اسماء معدودة تخصصت في بناء الكاشي الكربلائي في الاضرحة والجوامع وقد توارث الابناء من خلال معرفتهم بمهنة العمل وتوارثوها ابا عن جد وهذا شاهد على اصالته وعظمة ابداع العراقي المتميز عبر الحقب الزمنية الطويلة
أقرأ ايضاً
- لماذا يثق العراقيون والعالم بالسيد السيستاني ...السيد الاشكوري يجيب (فيديو)
- محافظ البنك المركزي: لماذا يذهب أي طرف لشراء الدولار بسعر أعلى في حين يتوفر له السعر الرسمي
- انطلق برجل واحد يمثل دور السجاد: موكب سبايا يسير من البصرة الى كربلاء الشهادة لمدة (18) يوما