- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
معوقات الامن المائي في العراق
عباس الصباغ
لم يكد عام 2017 ينقضي بانقشاع اخر فصل من سيناريو الحرب الضروس والدامية ضد تنظيم داعش القروسطي المتخلف واعلان النصر المؤزر عليه، حتى برزت بوادر ازمة جديدة شكلت تحديا نوعيا وخطيرا اخر،تمثل بالامن المائي الذي يتعلق بالنشاط الزراعي الذي يشكل رافدا مهمّا من روافد الاقتصاد الوطني، فضلا عن تلبية المتطلبات الرئيسية في الحياة العامة للمواطنين.
وازمة المياه تستدعي تجييش السلطات الحكومية واستنفار كافة وسائل الاعلام، وتتطلب تحركا دبلوماسيا عاليا على حكومات بعض دول الجوار التي لها يد فاعلة في هذه الازمة، والتحرك الفعال في اروقة المنظمات الدولية المختصة في النظر بهكذا قضايا وحل اشكالاتها وعرض اثار الجفاف الحاصل وبالوثيقة بسبب تدني او تلاشي مستويات المياه في الرافدين اللذين استمد منهما العراق تسميته التاريخية ومن ازمان غابرة، وبعد ان كشفت هيئة الانواء الجوية عن ان الموسم الحالي يعد الاقل امطارا منذ 70 عاما فضلا عن تدني كميات الامطار المتساقطة في البلاد على مدى السنوات الماضية، فمسالة الجفاف وان كانت مسالة عالمية بسبب ظاهرة الاحتباس المناخي التي ضربت العالم اجمع نتيجة النشاطات الصناعية للدول الكبرى، الا انها لايجب ان تبقى شانا عراقيا داخليا فقط، وليس من الانصاف ان يدفع العراق ثمنها لوحده، وعلى المجتمع الدولي ان يتحرك ليس للضغط على دول المنبع التي تغذي نهري دجلة والفرات بل ولارساء خارطة طريق مستقبلية لمنع تكرار هكذا ازمة باعتبارها حقا دوليا عجزت عن تثبيته جميع الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي لم تولِ اية اهمية لهذا الملف الحساس والمؤثر على الامن القومي للبلد، ولم تعقد اية معاهدة بروتوكولية مع دول الجوار تضمن حصة الشعب العراقي من المياه وتجاهلت ذلك تماما، لاسيما وان العراق من الناحية الجغرافية يعتبر الحلقة المائية الاضعف في منظومة دول حوض نهري دجلة والفرات فهو من دول المصب التي دائما ما تقع تحت "رحمة " دول المنبع.
ويجب على الجهات الحكومية التحرك بموجب اتفاقية الامم المتحدة لسنة ١٩٩٧ فالقانون الدولي كان واضحا بإعطاء جميع الدول المتشاطئة حق الحصول على المياه، فإن اي سد او ناظم او مشروع ينشأ بدول المنبع يجب ألاّ يحرم الدول الاخرى من المياه وحسب هذا القانون لايمكن لتركيا اتخاذ تدابير مضرّة بالعراق بعد ان تم اعتماد مبدأ الاستعمال المنصف والمعقول لاي طرف وبإمكان اية دولة لمجرى الماء ان تستعمل المياه التي تجري فوق اقليمها كتركيا مثلا بشرط ان لا يترتب على هذا الاستعمال ضرر لأقاليم الدول الاخرى كالعراق.
ازمة المياه في العراق ازمة مركّبة ومعقّدة بسبب سلوك بعض دول الجوار غير المسؤول تجاه العراق من جهة ومن جهة اخرى تتعلق بالسلوك الاستهلاكي للفرد العراقي نفسه، وانعدام ثقافة الترشيد في استهلاك المياه مايسبب في الكثير من الضائعات المائية والهدر المبرمج واللامسؤول لهذه الثروة جراء الاستعمال اليومي الخاطئ والعشوائي،اضافة الى ضياع ترليونات من الامتار المكعبة من المياه في حوضي دجلة والفرات جراء عدم التفكير المزمن في انشاء سدود تقنن مياه هذين الرافدين وتحافظ عليها من الضياع في مياه الخليج.
ارى ان لهذه الازمة حلين: خارجي وداخلي فالخارجي يتمثل بتكثيف الضغوط والحوارات الدبلوماسية على الجانب التركي لتأجيل ملء سد"اليسو" موضوع الازمة لتجنب ازمة مياه حادة تعصف بمناطق وسط وجنوب العراق، وتسبب بموجات نزوح محتملة من هذه المحافظات، فضلاعن اتخاذ اجراءات فنية عملية، كتقليص المساحات المزروعة بطريقة الري السيحي الاعتيادي للموسمين الصيفي والشتوي المقبلين ووضع ستراتيجية لاستثمار المياه الجوفية الوفيرة بشكل امثل في البلاد، خاصة انها تعوم على بحار منها.
والحل الداخلي يتمثل بعقد برامج توعوية وتثقيفية فاعلة ولكن ليست عن طريق عقد مؤتمرات بروتوكولية يخرج منها المؤتمرون بتوصيات انشائية تبقى حبرا على ورق دائما، فيما يبقى جوهر المشكلة قائما دون حل، او عن طريق نشر بوستات او بوسترات دعائية تلقينية ووعظية بحتة تحض على ثقافة الترشيد في استهلاك المياه. وعلى وسائل الميديا بأنواعها التثقيف على مبدأ الترشيد باعتباره يمثل احد اسس المواطنة الصالحة ومن صميم اليات العقد الاجتماعي.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي