القاضي جعفر كاظم المالكي
منذ فجر الحضارات رسمت التشريعات المسار الصحيح في تنظيم حياة الانسان. وقد تركت حضارة وادي الرافدين العديد من التشريعات التي ضربت مثلا حيا على ذلك، وربما ابرزها كانت شريعة حمورابي.
الا ان مسالة سن التشريع ليس بالأمر السهل، اذ ان وضع نص يمكن اعتماده في تحديد حق او اجراء او تنظيم حالة او صفة يحتاج الى دقة متناهية ومضامين عديدة تعتمد بالدرجة الاساس على الإمكانيات التي يتمتع بها واضعو النصوص وكذلك الغاية من تشريع النص والطريقة التي يتم من خلالها كتابة هذا التشريع اذ ان كثيراً من النصوص وللأسف تولد ميتة لاستحالة تطبيقيها بالشكل المطلوب او لتعارضها مع نصوص اخرى او لسوء صياغتها.
وبالنتيجة فان المشرع يحتاج دائما الى تهذيب هذه النصوص من خلال الغائها او تعديلها، لكن عميلة الالغاء او التعديل هي الاخرى تكون بمثابة تشريع جديد يولد من ذات الرحم الذي ولدت منه النصوص السابقة وقد تمر هي الاخرى بمخاض عسير لكي ترى النور، اذ ان الغاية التي دعت الى سن او كتابة التشريع تتغير بتغير متطلبات الحياة وان كتابة التشريع الوضعي تحتاج الى مراجعة وادراك متزايد يحتاج الى بلورة الافكار من وقت لآخر وبذلك نحن نحتاج الى اهتمام في عملية اتقان صياغة التشريع لكي لا نضطر الى الغاء التشريع او تعديله بوقت مبكر، كما ان عملية الالغاء هي الاخرى تتطلب فهماً واسعاً لأنها تمثل إنهاء لقاعدة قانونية اعتاد الافراد على التعامل بها الا ان متطلبات الحال اقتضت هذا الالغاء،
وقد تترك عملية الغاء التشريع آثاراً قانونية على الوقائع السابقة او الوقائع اللاحقة مما يقتضي تسليط الضوء على فكرة الالغاء لما لها من اهمية في الواقع العملي وتحتاج من المعنيين فحص وتدارك ومتابعة حركة التشريع وبشكل دائم، خصوصا وان تعدد التشريعات وتنوعها يجعل ذلك من الصعوبة بمكان بحيث تحتاج الى الكثير من الجهد للتعرف على التشريع الساري او التشريع الملغى. حيث لاحظت من خلال مسيرتي القضائية ان التشريع هو الدعامة الاساسية التي تقوم عليها الحقوق واجد في كثير من الاحيان انها عاجزة عن تلبية متطلبات الواقع بسبب العيوب او الغموض التي تشوبها خصوصا وان العراق في تحول تشريعي متواصل في ظل الظروف الراهنة اذ ان عملية اصلاح النصوص التشريعية المعيبة تحتاج الى معالجة دقيقة بحيث يمكنها النهوض بمتطلبات المرحلة. حيث لاحظت ان الكثير من التشريعات التي صدرت في الآونة الاخير كانت سببا في إرباك الوضع الراهن بدلاً من معالجته واجد ان الطريق الاساسي في عملية اصلاح النصوص هو الغاء النصوص المعيبة واعتقد ان العراق في أمٌس الحاجة في الوقت الحاضر للقيام بمراجعة حقيقية للقوانين النافذة خصوصاً وان الكثير منها اصبح يحتاج الى الغاء. واجد ان السلطة القضائية هي اكثر السلطات المعنية بتفسير هذه النصوص او تطبيقها بشكل مباشر، لذا لابد من ان يكون للقضاء كلمة قول قبل اصدار التشريع الذي يمس حقوق الأفراد او التي يكون للقضاء هو المعني بتطبيقها.
أقرأ ايضاً
- رمزية السنوار ودوره في المعركة
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- كيف حارب السنغافوريون الفساد؟