بقلم: سليم الحسني
انتهت دولة داعش لكن الإرهاب لم ينته بعد، فجماعاته منتشرة في مناطق من العراق وسوريا، أي أن وضعه الميداني يشبه ما قبل كارثة حزيران عام ٢٠١٤، ويشبه بدايات الحرب في سوريا. وعلى هذا يجب عدم الشعور بالاطمئنان كثيراً، كما أن زهو الانتصار يعتّم على رصد المخططات التي يبتكرها مشغلو الإرهاب في السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.
إن مشروع تخريب المنطقة، لم يتم التنازل عنه، ولا يوجد مؤشر على تراجع أصحابه، بل أن المؤشرات ترجح أنهم منشغلون في بدائل ضمن نفس الاتجاه، وأن هذه البدائل يجب أن تكون سريعة قبل أن يتقوى محور المقاومة، وقبل أن تبرد حرارة الأزمات في المنطقة. هذا إذا لم تكن البدائل قد أخذت طريقها الى التنفيذ من دون أن تتكشف بوضوح على المشهد العام للمنطقة.
حين أعلن تنظيم داعش دولته، كان محور الإرهاب (السعودية وإسرائيل وقطر وتركيا وغيرها) يدرك أن هذه الدولة لن تستمر طويلاً، وأنها لا يمكن أن تكون واقعاً مفروضاً على المنطقة. إنما كان دورها تفتيت الدولتين العراقية والسورية، وتحويلهما الى خراب متمزق، وبذلك يتم استنزاف العنصر البشري فيهما، الى جانب استنزاف الاقتصاد، وانهاء إمكانية بنائهما، وبذلك يعيش حزب الله الحصار في لبنان، وتعيش إيران العزلة مع حدودها الغربية بجدار من الفوضى والاضطرابات والتهديدات الإرهابية.
لقد دفعت دول محور الإرهاب، تنظيم داعش على اقتحام العراق مستفيدة من رخاوة الوضع الأمني والإداري والقيادي في العراق، فاستغلت ذلك لإسقاط أكبر المساحات باتجاه بغداد وصولاً الى أبعد نقطة يمكن الوصول اليها. وقد جاء هذا القرار منها بعد أن وجدت أن إسقاط نظام بشار الأسد صار صعباً. وأن الحرب السورية طالت أكثر مما هو مخطط لها.
وهذا يعني أن العراق وضعته دول محور الإرهاب، كبديل جاهز لصناعة الأزمات في المنطقة، خصوصاً وأن عناصر التأزيم متوافرة فيه، فهناك كتل سياسية مخترقة من قبل الخارج، والعديد من القيادات لها علاقات ارتباط وتبعية بأميركا والسعودية وتركيا وقطر والكويت والامارات، كما أن ملفات الفساد تشكل عامل ضغط على القسم الآخر، فمن يتمرد على القرار الأميركي، يتم التلويح له بكشفها فيرضخ صاغرا.
وقد فوجئت دول الإرهاب (اميركا وإسرائيل وقطر والسعودية وتركيا والامارات) بفتوى المرجع الأعلى السيد السيستاني، وبشجاعة الحشد الشعبي وإصرار القوات العسكرية على تحرير الضائع من أراضي العراق، وتقويض دولة داعش في العراق، وهو ما تبعه انهيارها في سوريا.
لكن هذه النتائج المحزنة لمحور الإرهاب، لا تعني أنه ترك المعركة الطويلة التي صرف من أجلها مئات المليارات، فمثل هذه المشاريع الكبيرة التي تستدعي الوصول الى إعادة تشكيل المنطقة، تحتاج الى وقت طويل، والى بدائل مستمرة، والى تعديلات دائمة، لأنها ترتبط بنظام إقليمي كامل، وبنظام دولي بالغ التعقيد في علاقاته وتوازناته.
انتهت دولة داعش بدءً من العراق، لكن الإرهاب لمن ينته، كما ان مشروع التخريب لم يتم التنازل عنه، وأغلب الظن، أن العراق سيكون هو موقع صناعة الأزمات الجديدة المتصاعدة في المنطقة، وسيبقى هو منطقة الالتهاب التي لا تستقر، في ظل أجواء داخلية تساعد على ذلك، وفي ظل قيادات وصراعات سياسية تعيش وتتعامل بعقلية اللحظة، وبدافع المكسب الفئوي لا أكثر. وسيكون مستقبل العراقيين هو الضريبة المدفوعة من قبل الموطن في أمنه ومعيشته وظروفه الحياتية.