- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل قضت كركوك على أحلام البارزاني ؟
بقلم: احمد عبد الوهاب
الخطة "ب" دائما ما تصاحب السياسيين لخلق بدائل تضمن قليلا من الخسائر في حال فشل الخطة "أ"، لكن الآثار السلبية للقرارات السياسية لا تمس فقط صاحب القرار، وإنما تعود أيضا على الشعوب، ومن هنا نشأت فكرة البرلمانات والجمعيات الوطنية حتى لا ينفرد السياسي وحده بالقرار فردي ويتحمل المجتمع بأسره تبعات الانفراد.
ما دعا إلى تلك المقدمة هو ما حدث في محافظة "كركوك" العراقية ذات الأهمية الاستراتيجية لهذا البلد الذي يستحوذ على نصيب كبير من احتياطيات النفط في العالم، قضية المحافظة وتبعيتها للشمال أو الجنوب أو الوسط ليست جديدة، بل كان يتم تداولها في الخفاء إبان حكم حزب البعث العراقي وبالتحديد أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكانت "الدولة العراقية" ترى أن الحديث عن كركوك "خيانة"، نظرا لموقعها الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية، ومخزونها الضخم من النفط والغاز وتركيبتها السكانية.
بعد أن انتهت حرب السنوات الثمان بين العراق وإيران، وانهيار القطب الثاني الذي كان يوازن المصالح في العالم "الاتحاد السوفييتي السابق" في التسعينيات، انفردت الولايات المتحدة بالعالم وأعادت ترتيب أوراقها في المنطقة، بل وترتيب القوى على الأرض وتقسيمها لمعسكرين فقط، إما عداء أو موالاة.
في هذا التوقيت كانت الحرب قد وضعت أوزارها وبدأ العراق يستعيد أنفاسه "استراحة المحارب"، تم افتعال أزمة الكويت، ودُعيت الولايات المتحدة بشكل رسمي إلى المنطقة لإعادة الشرعية إلى الكويت "حتى لا ننسي التاريخ"، واندلعت حرب الخليج الأولي.
من هذا التاريخ تم فرض منطقة لحظر الطيران العراقي فوق المحافظات الشمالية وبدأ الإقليم يعيش أكثر استقلالية منذ تلك الأيام وفي كنف الحماية الدولية، إلى أن دخلت القوات الأمريكية إلى بغداد في التاسع من أبريل 2003، وتشرذم العراق ونبتت الطائفية والعرقية وعمليات الثأر، فتكونت حكومات بنكهة أمريكية وقالب عراقي، لم تكن تحكم مساحات كبيرة خارج "المنطقة الخضراء"، مقر الحكم المؤمن في بغداد، ونشطت المقاومة العراقية وتراجع الأمريكيون وسط إعلانات وبيانات بانتهاء العمليات ووقفها، ومازال العراق يتخبط في الفوضي العارمة التي جاء بها المستعمر الأمريكي فيما عدا "إقليم كردستان" الملجأ الآمن للعراقيين والذي لم يشعر سكانة من العرب والكرد وغيرهم بما يدور حولهم بل كانوا يعيشون حياة طبيعية.
لم تسكن طلقات الرصاص ودانات المدافع وأزيز الطائرات في العراق يوما، ولم تخلُ أخبار الفضائيات والصحف ووسائل الإعلام من الإشارة اليومية للتفجيرات وعمليات القتل، والتي أصبحت أحد الوجبات الرئيسية اليومية، وفي ظل تلك الأجواء تم التوافق على الدستور العراقي في الدولة الاتحادية مع كردستان، وكانت أربيل هى الأقوى في تلك اللحظات فأخذت وعوداً حكومية بإجراء استفتاء لتقرير المصير في العام 2007، وأيضاً وضعت مادة في الدستور "المادة140" والتي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها، في تلك الأيام كانت أنظار الأكراد تتجه إلى "كركوك"، من أجل ضمان استقلال تمويل دولتهم المرتقبة.
توالت الأحداث وصولاً إلى العام 2014، والتحول الكبير لتنظيم القاعدة إلى "داعش"، وانتشار التنظيم بسرعة غير معهودة لتلك التنظيمات في العراق، وعلامات الاستفهام الكثيرة التي رافقت نشأة التنظيم وتمويله وتسليحه وإيجاد الحاضنة الشعبية له، بل وتسويقه إعلامياً بشكل غير مباشر، وكانت كركوك إحدى وجهات التنظيم فسيطر عليها، إلى أن تم تسليم المحافظة بدون قتال إلى قوات البيشمركة، بعد بدء عمليات "قادمون يانينوى"، وهو أمر مثير للجدل أيضاً.
وجد الأكراد ضالتهم لتحقيق حلمهم في هذا التوقيت الذي انشغل فيه التحالف والقوات العراقية بالقضاء على "داعش" في الموصل وغيرها، هنا وضعت البيشمركة يدها على المدينة وعينت محافظ لها وقامت بتغييرات ديموغرافية وسكانية، في تلك المدينة التي يمثل العرب غالبيتها العظمى، وبدأت الخطوات رويداً بجس النبض، فصوت مجلس المحافظة على رفع علم كردستان بجوار العلم العراقي، وهو ما قوبل بالرفض من جانب الحكومة والبرلمان في بغداد، وتصاعدت الخلافات وعلت نبرة النقاش، فاستغل رئيس الإقليم مسعود بارزاني سخونة الأجواء وعمل بمبدأ "الطرق على الحديد وهو ساخن" وجني أكبر المكاسب الداخلية والخارجية.
كان مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته منذ عامين، يرى أن عمليات الضغط المتتالية والمتلاحقة يمكن أن تكون لها نتائج إيجابية على مشاكل الداخل المعقدة، من خلافات مع الكتل الحزبية الكبرى "التغيير والاتحاد الوطني والحزب الإسلامي" بشأن البرلمان المعطل أيضاً منذ عامين والذي لم يتبق على مدته القانونية سوى أسابيع قليلة، هنا أعلن برزاني وحكومته عن استفتاء "تقرير المصير" نهاية الشهر الماضي.
قد يرى البعض أن القرار فردي وغير مدروس وخطير ومقامرة، وآخرون يرون أن برزاني كان يريد "قشة" تنقذ وضعه السياسي في الداخل بعد أن فشلت كل محاولات الوفاق مع الخصوم، وهنا كان إصرار رئيس الإقليم على إجراء الاستفتاء رغم المعارضة الداخلية والإقليمية والتخوفات الدولية، وفشلت كل محاولات التوفيق مع الحكومة الاتحادية في بغداد، عمدت حكومة كردستان وفق رؤيتها أن تجري الاستفتاء في "كركوك" وبعض المناطق الأخرى المتنازع عليها، وهو ما دعا بغداد إلى التهديد بخطوات قاسية لإعادة الاقليم.
لم تمر سوى أيام قلائل، أعدت فيه القوات العراقية عدتها لإعادة "كركوك"، ولم تمر ساعات طويلة وبأقل الخسائر إلا وكانت المحافظة تحت إدارة الحكومة الاتحادية، بعد أن قامت بعض الكتائب من قوات البيشمركة بترك مواقعها للجيش العراقي بلا قتال.
هنا بدأت تطفو على السطح الخلافات الحادة بين الحزبين الكبيرين في الإقليم، بعد أن قام بعض قادة الحزب الديمقراطي، حزب الرئيس بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الرئيس الراحل جلال طالباني، فاتهم الأول قوات حزب الاتحاد بـ"الخيانة"، بعد تسليم مواقعهم للجيش العراقي وطالبوا بتحقيق في الأمر، هنا بدأ الإقليم العودة ربما لما قبل الحكم الذاتي وليس لما قبل الاستفتاء!
وفي تعليقه على هذا الموضوع كتب المحلل السياسي العراقي قصي المعتصم، إنه للمرة الأولى تتكاتف كل أطياف الشعب العراقي، لإعادة كركوك من أيدي أنصار بارزاني، إلى ما كانت عليه قبل تنظيم "داعش"مؤكداً على الإصرار غير العادي الذي رافق القوات العراقية في طريقها إلى كركوك، وتابع بأن "البيشمركة وقياداتها تعلم أن مغامرة بارزاني، ليست في مصلحة الشعب الكردي منذ البداية، واختفلت معه عدد من التيارات السياسية الكبيرة في الإقليم علناً، مثل كتلة التغيير والحزب الإسلامي".
ولفت المعتصم، إلى أن أطماع الأكراد بضم كل الأرض التي تم تحريرها من داعش "أمر غير وارد، فقوات البيشمركة استلمت كركوك من "داعش" بدون قتال، والسؤال.. لماذا حدث هذا؟ وهو الأمر الذي سيدخلنا في حسابات أخرى" و"كان على بارزاني أن يحسب حسابات دقيقة، ولو كان هذا الاستفتاء قبل دخول "داعش" لكركوك، لربما اختلفت وجهات النظر، وفي اعتقادي أن استفتاء بارزاني انتهي اليوم بعودة كركوك".
والخلاصة بعد عودة كركوك وسيطرة الدولة عليها وعلى مواردها الاقتصادية، هل مازال هناك أمل لدى برزاني بإجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية في الإقليم الشهر المقبل، بعد أن خسر الكثير من رصيده السياسي في مقابل المعارضة الرافضة لبقائه في الحكم، فماذا لو انتهت مدة البرلمان ومدة الرئاسة أيضاً و"المنتهيه منذ عامين"، ولم تجر الانتخابات وظل برزاني على رأس السلطة، ما هو موقف أحزاب المعارضة.. هل ستستمر في غضب غير معلن أم ستتحالف لإنهاء جمود الوضع السياسي والذي انعكس بدوره على حياة المواطن، بعد رفض الحكومة والبرلمان الإتحادي إرسال الأموال إلى الإقليم في ظل تجميد برلمان الإقليم؟
يبدو أن بارزاني، أوقع الإقليم في مأزق قد يعيده سنوات إلى الخلف.. أم أنه سينصاع لحوار غير مشروط مع حكومة العراق ويلغي الاستفتاء ونتائجه، ويجلس على طاولة الحوار هو أو من سيجلس مكانه؟
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!