- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
البناء الإعلامي للأزمات إشكاليات العرض والتناول
هادي جلو مرعي
يؤسرني عقل صديقتي الدكتورة سهام الشجيري، في كل شئ، فكيف إذا كان عقل علمي منظم، متسلسل، فقه، مستنير، واضح، متواصل مع الجديد، راصد، يميل الى التحليل العلمي، متماسك، كريم معطاء، ذلك أنها تنقب بين طيات الأفكار وتغرس في نبات العلم طعما جديدا، ذو مذاق يغوي المختصين وغيرهم لتناوله، في كل كتاباتها عن مختلف الموضوعات، منذ اصداراتها الأولى في مجال الإعلام، وهي الصحفية والاستاذة الجامعية البارعة والماهرة، وها هو كتابها (التناول الإعلامي للأزمات، إشكاليات العرض والتناول) الصادر عن دار الكتاب الجامعي/ الامارات العربية المتحدة، يشكل علامة فارقة بين الاصدارات.
ينطلق هذا الكتاب من ثيمة علمية تتناغم مع الواقع، وتجيب عنه وفق محددات ومعايير يستحضرها البحث العلمي لتشخيص أزمات المجتمع معتمدا بصورة أو أخرى على البناء الإعلامي لمختلف الأزمات التي تتناولها مختلف وسائل الإعلام، وطريقة عرضها وتعاملها معها، إذ أن الأزمات هي نتاج لعدة مرجعيات فعلية وواقعية، تحولها وسائل الإعلام لدى الجمهور إلى تمثل رمزي للواقع، وتمنحها، بالتالي، بعدا ذاتيا، على هذا الأساس يحاول هذا الكتاب أن يدرس العلاقة بين وسائل الإعلام والأزمات من منظور النظرية البنائية، ويشكل امتدادا للدراسات التي اهتمت بتمثل الواقع في وسائل الإعلام وقيام وسائل الإعلام بالوساطة بين جمهورها والواقع، لجذب تعاطف الناس وقت الأزمة وليكون أكثر أهمية من ذكر الحقيقة، وتعد الأزمات مادة خصبة وثرية لوسائل الإعلام، وتحظى بتغطية على نطاق واسع وتسعى إليها لإرضاء جماهيرها وتزويده بالمعلومات، بالرغم من أن وسائل الإعلام تركز في تقاريرها الإخبارية على الأخبار السيئة والأخطاء والحوادث والفضائح التي تقع في المجتمع، وتتعمد هذه الوسائل إثارة روح التساؤل والبحث عند الجمهور وإمداده بالمعلومات عن الأخطاء البشرية، وفقا لما أظهرته نتائج البحوث العلمية، أي أن الإعلام أصبح هو الأزمة وخاصة بعد التطورات التقنية وتوظيف الإنترنت في مختلف القضايا وأبرزها دور مواقع التواصل الاجتماعي في عرضها وتناولها للأزمات، كما أن لوسائل الإعلام تأثيرا في كشف الفساد والانحراف، ومختلف أمراض ومشكلات المجتمع، ووسيلة لحرية التعبير وثراء ثقافات الجماهير وتزويد الأفراد بالأخبار والأحداث العالمية، والمساعدة في إدارة الأزمات بشكل فعال يساهم في التغلب عليها، وهكذا ستظل وسائل الإعلام على الرغم من تعرضها للنقد بالإيجاب أو السلب موضوع اهتمام الناس دائما، ودور وسائل الإعلام في إثارة وتضخيم الأزمات والمشكلات، وإدارة الصراعات، وتصاعد وتزايد هذا الدور في ظل تنامي وسائل الإعلام واتساعها، ممثلة في وسائل الإعلام الالكترونية.
وهنا فإن الإعلام يبنى على أربعة مبادئ أساسية يتعين على جميع الأجهزة والتقنيات الإعلامية المحافظة عليها لضمان فعالية العملية الإعلامية وهي: الحقائق المدعمة بالأرقام والإحصائيات والتجرد من الذاتية والتحلي بالموضوعية في عرض الحقائق والصدق والأمانة في جمع البيانات من مصادرها الأصلية والتعبير الصادق عن الجمهور الذي يُوَجَّهُ إليه هذه الرسالة الإعلامية، فالإعلام والأزمات متلازمان، فلا إعلام حقيقي أن لم تحركه الأزمات، ولا إعلام جذاب أن لم يكن في قلب الأزمات، كما أن بعض الإعلام يختلق الأزمات ليثبت وجوده، وهذا قد يكون أسوأ الأدوار التي يؤديها هذا النوع من الإعلام الذي يبحث دائما عن الإثارة بكل أشكالها وألوانها، وللإعلام المتزن والملتزم أولا وأخيرا قدسية الكلمة، فهو الإعلام الذي يمارس أصول لعبة حرية التعبير بمسؤولية ووعي كافيين لتأمين الحصانة والمناعة الضروريتين، اللتين تمكنه من أن يتخطى الأزمات ويكون أقوى منها، وتجعله في منأى عن تداعياتها، ولا يقع في المحظور ويتحول بدوره إلى أزمة بحد ذاتها.
فالإعلام عليه أن لا يدخل في دوامة الأزمات، وفقا لمؤلفة الكتاب بل يدعوه، في مختلف المناسبات، إلى أن يضع لنفسه خطوطا حمراء وهوامش تكون حدودها الأخلاقيات المهنية عبر ميثاق شرف ومدونة سلوك تحصنه وتعطيه المناعة الكافية في أداء مهمته المقدسة، وذلك نظرا إلى ما أكتسبه من خبرة في ممارسة حريته المسؤولة، وحرصه على السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، ومراعاته لخصوصية تركيبة البلدان المتعدد الطوائف والأديان، إذ أن الإعلام عندنا مأزوم، وهو ليس في أتم عافيته، لأنه في كثير من الأحيان يبتعد عن الموضوعية وتنقصه الشفافية، وتغلب على ممارساته الانحيازية، وتسيطر التبعية على أدائه، وتختل لديه موازين التمييز بين الخبر والتعليق والتحليل والرأي الشخصي، فالإعلام مأزوم، بسبب غياب شبه مطلق للتضامن الإعلامي بين مختلف وسائل الإعلام، وفي ظل استغلال أصحاب المؤسسات الإعلامية حاجة الإعلاميين إلى العمل بكرامة، وغياب الدفاع عن وحدة الجسم الإعلامي ورسالته الإنسانية السامية، وتحول من ناقل مباشر للأخبار والأحداث إلى محرض على الفتن والتناحر الطائفي، ويجيب هذا الكتاب عن طرق العرض والتناول للأزمات في مختلف وسائل الإعلام، وتعاملها مع ماهية الأزمة، وكيف يمكن تميزها عن الحدث؟ وكيف تعمل وسائل الإعلام المختلفة لبناء الواقع من منظور البنائية الاجتماعية؟ وكيف تتمثل وسائل الإعلام المختلفة الأزمات، وتتدخل لتحجيم بعضها أو النفخ في الأحداث لتحويلها إلى أزمات؟ وأبرز الإستراتيجيات التي تبنتها وسائل الإعلام تجاه الأزمات؟ يتضمن الكتاب خمسة فصول، يتحدد الفصل الأول بتأصيل مفهوم الأزمة وخصائصها ومراحلها وأبعادها وأنماطها، فيما يستعرض الفصل الثاني كيفية إدارة الأزمات، ويعنى الفصل الثالث بموضوعة البناء الإعلامي للأزمات، أما الفصل الرابع فيتناول التعامل والتناول الإعلامي مع الأزمات، ويليه الفصل الخامس الذي يهتم بأطر تعامل الصحافة العراقية مع اهم الازمات في تاريخ العراق والتي أسست عليها السياسة والإعلام حرب الأزمات فيما بعد وهي أزمة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء، وتحليل ماحدث في وسائل الإعلام اثناء وقوعها، الكتاب اضافة للباحثين وللمكتبة الإعلامية ولوسائل الإعلام معا.
أقرأ ايضاً
- التخصيب الإعلامي وولادات الثقافة القيصرية
- العراق والتغير المناخي.. بين الهوس الإعلامي والواقع - الجزء الاول
- للراحلين من الإعلاميين الف سلام