- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
"هل أخطأ السيستاني بدعم الـ 169؟!
بقلم:علي وجيه
يكتبُ، بين الحين والآخر، أصدقاء عن "خطأ" المرجعية الدينية الشيعية، ممثلةً بالسيد السيستاني، بدعم الائتلاف العراقي الموحّد، بتسلل 169، بأول انتخابات تشريعية بتاريخ العراق.
الأصدقاء، وهم مدفوعون بغضبهم من الوضع، مثلنا جميعاً، ربما يتناسون شيئاً مهماً جداً، وهو قراءة أيّ تصرف ضمن سياقه التاريخي، فما تفعله ضمن سياق معيّن، وتراه منطقياً، قد لا يبدو صحيحاً ومنطقياً ضمن سياق آخر.
بعد ثورة العشرين، وتحريم الاشتراك بالحكومة، مرّت الجماعة الشيعية، بكلّ أطيافها، بتغييب قسريّ، ضمن حكم البلاد، والاشتراك بها، عبر قرن كامل، وفوّتوا الفرصة الوحيدة لتمثيلهم سياسياً، وهذا ما أدى إلى سحقٍ تام لهذه الجماعة، التي ما فتأت بالانخراط بكلّ الحركات المعارضة والسياسية الناشئة، فهم كانوا أغلبية الحزب الشيوعي العراقي، ثم حركات الإسلام السياسي من منظمة العمل، الى حزب الدعوة، مروراً بحركة الصدريين نهاية التسعينيات.
هذا الغياب السياسي، الذي امتدّ بعد عدّة قرون طويلة من القمع ضمن الفترات المختلفة، تحديداً منذ بداية العهد الأموي، كلّف الشيعة الكثير من الدماء، وتمّ دمغ هذه الجماعة بالمعارضة.
لحظة 2003 الفارقة، وهي اللحظة الأولى التي استطاع فيها العراقيّ بالتصويت والانتخاب الطبيعي، والتعبير عن الذات، كان اجتماع معارضي الشيعة، ضمن قائمةٍ واحدة، شيئاً منطقياً، بعد نحو عقدين من معارضة صدّام، وأيضاً كانت مسألة دعم الـ 169 مسألة طبيعية، ولم يعترض عليها أحد بتلك الفترة، فهذا المتوفر، وهنا المقصود ضمن السياق التاريخي.
شيءٌ آخر يجب عدم القفز عليه، من منا لم ير بهؤلاء السياسيين، بتلك اللحظة، إنقاذاً للبلاد؟! هؤلاء السياسيون – بصورة تلك اللحظة، لا السخام الذي جرّوه على البلاد بعد تلك الفترة – كانوا الخيار الوحيد، وهم معارضو صدام، وكلّهم ينتمون لأسر أعطت عدداً كبيراً من الشهداء، في ذلك الوقت.
بعد تلك اللحظة، وفي الانتخابات التي تلتها، لم يدعم السيستاني قائمة 555، على العكس، كذّب المكتب الرسمي دعمه لأيّ قائمةٍ سياسية، ووقتها كان التصريح الذي نتذكره جميعاً "المرجعية على مسافة واحدة من الجميع".
منذ تلك اللحظة، المبكّرة، والسيستاني لا يدعمُ أحداً، بل تحوّل الى المعارضة الصريحة مع سعي المالكي لولاية ثالثة، وهو المرجع الوحيد الذي نادى بـ"المجرَّب لا يُجرّب"، وبعدم انتخاب الفاسدين، وتكرار الوجوه.
دعم السيستاني المعارضين الشيعة آنذاك، وهم لم يتلوّثوا بعد بالسلطة، وهم الخيار الوحيد، وهو خيارٌ منطقيّ جداً ضمن السياق التاريخيّ، وحين تبدّى سوء هذه الطبقة، عارضها السيستاني، ولو كان نسقه "حاكمية الشيعة" في كل الظروف، لما رأيناه يدعم تجديد الوجوه، والتظاهرات، والوقوف ضد الفاسدين.
قراءة الأحداث ضمن سياقها مهم جداً، فالسيستانيّ معارضٌ لهذه الطبقة الفاسدة منذ أن تبيّن فسادها، وإنما الذنب الأكبر يقع على جمهور هذه الطبقة الذي يصرّ على إعادتهم في كلّ المناسبات".
***
بالنسبة لي، لا تمثّلُ لي المرجعية "صنماً"، أو جهة غير قابلة للخطأ، هي مؤسسة مثلها مثل المؤسسات الأخرى، لكن عديداً من الآراء، تقفزُ فوق السياق التاريخي، الذي يفتقر الى قراءة منهجية، والى معطيات الأحداث في وقتها.
مسألةُ الحشد الشعبي، هي مسألة ثانية، تستدعي الوقوف، وكثيرٌ من الآراء التي ناقشت الموضوع، عصبت برأس السيستاني "خطأ" دعم "الميليشيات المسلحة"، على حد وصف بعض الكتاب، الذين احترم آراءهم جدا.
قبل صدور فتوى "الجهاد الكفائي"، كان هناك بالفعل فصائل شيعية، تقاتل، في مناطق عديدة من العراق وسوريا، ولم تكن بحاجة لفتوى من السيستاني، ولا من غيره، كما أن عملها، لم يكن ضمن شروط فتوى "الجهاد الكفائي"، التي من أساسياتها: الانخراط ضمن القوات الأمنية، وفي حال احتياج القوات للمقاتلين، وأشياء أخرى بالإمكان العودة لها للخطبة التي أطلقت هذا النداء، آنذاك.
بالنسبة لي، ولعددٍ من الآخرين، كانت شروط المرجعية هي التي الفيصل الذي نستخدمه بالفرز بين الحشد الشعبي، وبين الميليشيات المنفلتة، وفق ألفباء المنطق: يُعرف الرجالُ بالحق. وكانت شروط السيستاني حادة، وواضحة، وكلها ترمي بالنهاية إلى دعم الدولة، والعراق بشكل عام، والقتال من أجل أبنائه، مع قيمة إنسانية عالية، تحافظ على البشر والحجر، ولديها سلامة المدنيين أولاً وفوق كل اعتبار.
كل ما تقدم، هو نظريّ، أما العمليّ، فكان هناك انهيارٌ عام للجيش العراقي، ومثل قطع الدومينو تساقطت الفرق العسكرية والرتب، وابتلعت داعش نينوى، والأنبار، وأجزاء كبيرة جداً من صلاح الدين، ووصلت الى ابو غريب، فهل ستُخدش النظرية، بهذا النداء؟!
كانت بغداد مُهددة، والمدن الأخرى جميعها، وهذه الفتوى نظّمت صفوف المقاتلين، بوصايا حادة، وفيها هدفٌ واضح: إنقاذ البلاد.
الآن، علينا العودة والاستماع لشروط المرجعية بفتوى الجهاد الكفائي، وفي النهاية نسأل أنفسنا: لو كان بالفعل هناك من يلتزم بهذا الكلام كله، فالمقاتل الذي يحمل هذه الصفات، ما ضرره؟ وما هي كينونته إن لم تكن نفعاً تاماً للعراق؟
لا تُلام الآراء الحادة، بحكم أنها غير مواكبة لخطابات المرجعية، ولم أكن لأواكبها لولا عملي الإعلامي، كانت الخطابات واضحةً جداً، فيما يخصّ منهج المقاتلين، ومهمتهم الرئيسية، والقيم الإنسانية، في سياقٍ موازٍ مع نشاطات المرجعية الأخرى، من استقبال النازحين في كربلاء والنجف، من جهة، ومن إرسال مساعدات غذائية، من جهةٍ أخرى.
كلامُ المرجعية كان فيصلاً حاداً، بين مقاتلٍ عقائديّ شيعيّ يقابلُ مقاتلاً عقائدياً سنياً إرهابياً، يحنو ويساعد الضحايا السنة من المدنيين، وبين مقاتلٍ آخر ربما ذهب ليمارس الانتهاكات، التي دانتها المرجعية مرةً، أو ممارسات أخرى، أو بأجندة غير عراقية.
في السياقين التاريخيين، كان تصرفا المرجعية، منطقياً وعقلانياً، في الأول أنهت غياباً سياسياً شيعياً امتد قروناً مطوّلة، وفي الثاني تم إنقاذ البلاد، أما مَن يقول: لماذا لا تفتي المرجعية بحرمة انتخاب هذه الطبقة السياسية، فإن المرجعية – وبحسب كلامها – لا تريد مواطناً "خروفاً" يُقاد، وإنما واجبُ السيستاني هو "النصح والإرشاد"، فهو لا يطبقُ ولاية الفقيه العامة، التي تسيّر المواطن من الطبقة الحاكمة حتى أبسط التفاصيل!
يقول السيستاني "المجرّب لا يُجرّب"، فيعود الناس لانتخاب مَن جرّبوهم، يقول "لا تكرروا ذات الوجوه"، ويكررها المجتمع، يتحدث عن "انتخاب الأصلح والأنسب"، ولا يختار المجتمع إلاّ أخبثهم طويةً، وأفشلهم أداءً، وأكثرهم سمّاً في الخطاب!
يقول "السنة أنفسنا"، فيشتم المجتمعُ السنةَ ويدعشنهم جميعاً، يدعو لنبذ الطائفية فيعتاش السياسيّ الشيعيّ خصوصاً على الطائفية، وبدا واضحاً أنهم يتعاملون مع المرجعية وفق مبدأ سخيف: ما ينفعني من كلامك أتبعه، وما لا ينفعني أضربه بعرض الحائط!
آراء السيستاني ممنهجة، وواضحة، ومنشورة، ومُثبّتة، لو تم الالتزام بها كما هي، لما حوّل بعض الأصدقاء المرجعية إلى "حايط نصيّص" تتحمل كل أخطاء المجتمع، والرجلُ – على ما رأيتُ وسمعتُ وقرأتُ – أكثر عراقيةً من ثلاثة أرباع العراقيين، وحريصاً على دعم الدولة أكثر من ثلاثة أرباع العلمانيين!