في فترة الصباح الباكر وبرد الشتاء، يخرج المواطن (خضير عباس ـ 68 عاماً) إلى عمله في نقل البضائع بواسطة عربة دفع وما تسمى \"بالعربانة\" التي يستأجرها من خان المخيم في مركز محافظة كربلاء، بالرغم من كبر سنه والمهاترات التي يتلقاها من منتسبي الشرطة والبلدية جراء عمله هذا والذي يمارسه في وسط المدينة منذ عشرين عاماً، إلا أنه يبقى مصرّاً على مزاولته لضرورته في توفير لقمة العيش فقط لعائلته التي تتكون من سبعة أفراد دون التفكير بادخار المال لمراجعة الطبيب أو شراء الملابس الجديدة وحاجات الحياة الأخرى بسبب \"قلة المال وترهّل الرعاية الحكومية\" على حدّ قوله.
[img]pictures/2010/03_10/more1268643955_1.jpg[/img][br]
ويضيف عباس، \"أتمنى أن أترك هذا العمل المتعب وأتوجه إلى عمل جديد يدرّ عليّ بالمال الكافي ويحفظ كرامتي وشيخوختي بعد أن تركنا المسؤولون نمتهن هذا العمل البائس مع الكثير من العوائل الفقيرة دون أن يفكروا فينا أو يقدّموا لنا أيّ ضمانات في هذه الحياة القاسية، خاصة وأن هنالك المئات من العوائل العراقية اتجهت لهذا العمل لطرد الفقر إلا أنه الفقر بعينه\".
[img]pictures/2010/03_10/more1268643955_2.jpg[/img][br]
بالرغم من أن حمل البضائع وحاجات الناس والمسافرين يعدّ عملاً في نظر البعض؛ إلا أنه في كثير من الأحيان يتحوّل هذا العمل إلى لعنة تحلّ بأصحابه، وهو بمثابة وحش لتهميش الشخصية البشرية التي يجب أن تكون مدعاة للفخر والكرامة لا التذلّل والتسوّل في الشوارع، إضافة إلى خلق صورة غير حضارية للمدينة التي يجب أن تحتوي على مقومات السياحة والخدمات الجيدة واستبدال هذه الطريقة بأخرى تكون مناسبة لعاملها والمجتمع الذي يعيش فيه.
[img]pictures/2010/03_10/more1268643955_3.jpg[/img][br]
يمتهن عمل سحب العربات (العتال) وحمل البضائع أكثر من (1000) مواطن في كربلاء ما بين الكبار المسنين والصغار جميعهم من العوائل الفقيرة والمهجّرة وذات الدخل البسيط التي لا تجد في عملها هذا إلا لقمة العيش أو مضي يوم كامل من غير طعام، إضافة إلى عدم قدرتها على تأمين متطلبات أبنائها المشروعة كبقية شرائح المجتمع الأخرى ومواطننا (خضير) المسن هو صورة واضحة لمعاناة هذه الشريحة الكادحة من المجتمع وإن مسألة بحثه عن الضمانات حق مشروع في الحياة وإلا فالمعاناة والآلام مستمرة دون توقف.
ظهور جيل ضعيف ثقافياًَ وعلمياً
يقول (عامر جلال) ناشط في مجال حقوق الإنسان في حديثه لمراسلنا: \"إن مسألة الضمانات في الحياة للعائلة العراقية أمر مهم يجب من الحكومة تحقيقه خاصة لشريحة مثل الأيتام وكذلك البائعين المتجولين أو أصحاب العربات وغيرهم من أصحاب العوائل الفقيرة وهذه تترتب على إيجاد فرص عمل مناسبة وسكن ملائم كضمان بسيط لهم في هذه الحياة الصعبة، إضافة إلى حماية حقوق هذه الشريحة التي توزّعت ما بين الرجال المسنين وصولاً إلى الأولاد الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم الحلم بعد\".
ويضيف جلال، \"إن أكثر العاملين بمهنة حمل الحقائب وسحب العربات في الأسواق هم من الأولاد الصغار الذين بدأت أعدادهم تتنامى يوماً بعد آخر، وهذا مؤشر على ظهور جيل ضعيف ثقافياًَ وعلمياً ويمكن أن تؤثر على سلوكه الشخصي في داخل أسرته والمجتمع ككل\".
لا نملك في حياتنا أية ضمانات
ويحدثنا (ميثاق علي ـ 15 سنة) عن عمله اليومي في حمل البضائع وحقائب السائحين بواسطة عربة كبيرة يسحبها خلفه ويقول، \"أنا من عائلة فقيرة فقد معيلها قبل خمسة سنوات وأنا الأخ الأكبر فيها، وقد تركت المدرسة واتجهت لهذا العمل لكي أوفّر ما تحتاجه عائلتي في هذه الحياة الصعبة التي لا نملك فيها أنا وعائلتي أية ضمانات وإنما نعيش في بيت صغير قمنا ببنائه في أرض تجاوزنا عليها لعدم استطاعتنا على شراء قطعة أرض مطوبة\".
ويضيف ميثاق، \"كثيراً ما أتعرّض إلى الضرب والمعاملة السيئة من بعض الناس في الشارع والذين يجدون في عملي وسني الصغير مدعاةً للاستهزاء والسخرية إضافة إلى وجود الكثير من أصحاب السوء والخارجين عن الطريق والذين يعملون في نفس هذه المهنة البائسة وأخاف أن يأتي يوم ويكون مصيري مثلهم لا سمح الله\"، متمنياًَ في نفس الوقت \"توفّر فرصة عمل أفضل أو راتب شهري تخصصه الحكومة لعائلته لكي يعود إلى المدرسة أسوة بأقرانه من التلاميذ\".
يذكر أن الحكومة العراقية ومن خلال وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مقررة ضمن نشاطاتها إعطاء راتب شهري للأيتام والأرامل إلا أن تأخر تسديد الرواتب وانقطاعها هو ما يلاحظه الكثير في هذه الأيام وترمي الوزارة المعنية بهذا الأمر إلى قلة الميزانية المالية المخصصة لها.!
ومن جانب آخر فقد اتجه مراسل موقع نون إلى بعض خانات تأجير \"العربات\" في مركز مدينة كربلاء وكانت وقفتها الأولى مع (عمار خليل) صاحب خان (المخيّم) الذي أوضح طبيعة عمله وعدد العاملين لديه قائلاً: \"أملك هذا الخان منذ عدة سنين وطبيعة عملنا تتمثل بتأجير العربات على بعض العاملين يومياً مقابل أجر محدد وبضمانات شخصية لكل مؤجر للعربة، ويقومون طوال اليوم بحمل البضائع أو حقائب الزائرين الوافدين إلى كربلاء لكي يجنون المال الذي يعيلون به عوائلهم حيث إن عدم وجود عمل للشباب والعوائل الفقيرة يضطرهم التوجه إلى هذا العمل الذي تجابه بلدية وشرطة كربلاء ممتهنيه بالملاحقة والضرب مرة وحرق العربات ورميها مرة أخرى\".
[img]pictures/2010/03_10/more1268644077_1.jpg[/img][br]
ويتابع خليل حديثه، \"بالرغم من الصعوبات التي يعيشها أصحاب العربات إلا إن ضرورة المدينة وسكانها وزائريها لهذا العمل يتحتم وجود مثل هؤلاء الأشخاص وإلا فالحياة تتوقف\".
أكثر من (1000) عربة تعيش عليها الكثير من العوائل العراقية في كربلاء
فيما يضيف (باسم كريم) صاحب خان للعربات أيضاً في كراج البارودي في كربلاء، \"إن العاملين في هذه المهنة بعضهم من أهل المدينة والبعض الآخر من العوائل المهجرة التي زحفت إلى كربلاء نتيجة التدهور الأمني الذي حصل في البلد واستفحال الطائفية فيه، وقد توجهت أكثر هذه العوائل إلى عملنا هذا لتوفير لقمة العيش دون التفكير في المستقبل والضمانات التي تتركها لأولادها\".
ويشير كريم في مطلع حديثه، \"بحسب إطلاعي على خانات تأجير العربات في كربلاء فهنالك أكثر من (1000) عربة تعيش عليها الكثير من العوائل العراقية في كربلاء وحتى وإن كانت فرصة مفتوحة للعمل وتوفير لقمة العيش إلا أنها قد تصبح أداة لتهميش ممتهنيها نتيجة لعدم تقبل المجتمع لهذه الظاهرة\"، مطالباً كريم المسؤولين الوقوف بجانب هذه الشريحة من العاملين والعمل على توفير فرصة عمل أخرى أو عربات كهربائية تعمل على الوقود تكون لائقة بهم ومناسبة لمتطلبات السياحة في كربلاء المقدسة\".
التفات الحكومة لشريحة العتالين وتوفير متطلباتهم
وحول رعاية الحكومة المحلية والمركزية لهذه الشريحة من العاملين خاصة وإن ممتهنيها من الأطفال وكبار السن تقول (بشرى حسن عاشور) عضو مجلس محافظة كربلاء ومسؤولة حقوق الإنسان في تصريحها لـ (موقع نون ): ، \"إن مسألة عمالة الأطفال وكذلك كبار السن في الشوارع والأسواق تعود نتيجة لعدم تفعيل قانون العمل الذي عطل لفترة طويلة ونتيجة لحاجة العوائل لمتطلبات الحياة اليومية أدى بها إلى دفع الأبناء للسوق للعمل وجلب قوت العائلة، ولقد كانت لنا مطالبات مستمرة لمجلس النواب في إصدار التشريعات التي تساهم في تقليل عمالة الأطفال وإيجاد الضمانات للمواطنين العاملين في المهن ذات التهميش مثل أصحاب العربات أو العتالين\".
وأضافت، \"إن المعاهدات الخاصة بالطفولة تحتم بعدم عمل الأطفال ما دون سن الخامسة عشر سنة، ولذلك فنحن جادين بأن تكون لمجلس المحافظة وقفة في هذا الخصوص سواء في إعانة العوائل الفقيرة، وكذلك تسجيل العوائل الفاقدين للمعيل في دوائر الرعاية والضمان الاجتماعي، ومجلس المحافظة في كربلاء جاد بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خاصة في جانب زيادة القروض التي تعطى للعاطلين عن العمل فضلاً عن شمول شرائح أخرى من العجزة والمرضى، وإيجاد فرص العمل المتكافئة التي تحفظ كرامة المواطن الكربلائي وتؤمن له قوته\"، متمنيةً من \"البرلمان القادم تفعيل التشريعات وخاصة التشريعات المتعلقة بشريحة الأطفال والعاطلين عن العمل\".
ومن جانبنا فنحن نطرح هذا الموضوع أمام الجميع ونضعه على طاولة المسؤولين لعل هنالك من حلول ناجعة لانتشال هذه الشريحة الفقيرة إلى حيث فرص العمل الجيدة والمناسبة لهم باعتبارهم بشراً ومواطنين عراقيين خاصة وإن هذا العمل لا ينتشر في كربلاء المقدسة فقط وإنما في كل محافظات العراق.
تحقيق: علي الجبوري
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي