- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من مدرسة الحسين بن علي تعلمت بأن أكون مظلوماً ولا ظالماً
حجم النص
أ.د. عباس التميمي / جامعة كربلاء يردد الكثير منا هذه المقولة دون أن يغوص في أعماقها، فماهي الدلات لهذه المقولة، أن أكون مظلماً ؟ هل بمعنى أن أكون على درجة من الضعف واليأس والخضوع والعبودية، والسير بجانب الجدران ؟ هل الإمام الحسين إلى درجة من الضعف بحيث يطلق هذه المقولة على نفسه ليرددها الضعفاء ؟. أم هي تعني العمق الفلسفي التي تحتضنه هذه المقولة ؟. المظلوم في نظر أهل البيت عليهم السلام ليس الضعيف بل هو القوي بالأيمان الضعيف أمام قدرة الله التي خلقت كل شيء ومن ضمنها الأنسان الذي هو ضعيف بقدرته الجسدية، القوي بقدرته العقلية، لذلك أطلقت هذه المقولة الإنسانية، لكي لا يتحول الإنسان إلى وحش يقتل كل من حوله بما يمتلك سواء من أشياء مادية، أو توظيف الشيطان لعقله من خلال أعمال الغدر والخيانة وغيرها. ومن هنا فعندما يصل مثل هذا النموذج إلى دفة الحكم ليقود الرعية وهو لا يمتلك من مقومات القيادة أدنى هذه المقومات، وقد جاء بفعل وراثة أو تأمر أو بتوصية، أو انقلاب، أو استسلام أو أووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو فما يكون تصرفه مع من حوله من أبناء أو أخوة أو زملاء أو شعب، والمشكلة الذي يأتي بمثل هذه الطرق يكون أنسان غير سوي يحمل كل الأمراض النفسية المعقدة،ومن هنا تبدأ معاناة من حوله من عدم معرفة ما يريد من يقودهم، فتراه كأمواج البحر بين الاستقرار والهيجان، فلا يستطيع أحد أن يبوح حتى بكلمة عندما يرى الخطأ لغرض الإصلاح، فاعتزازه بنفسه وتوهمه بأنه محبوب من الله بدليل وهب الله له ما هو عليه من مكانة ورفعة دون غيره، فهو لا يخطأ ابدً،ومن الأمور الأخرى في هذا النموذج أنه يحب أن يستعبد الناس وليسحق على رؤوسهم دون أن يتفوه، ويستزاد دكتاتورية وحشيته عندما تحاط به بطانة من الحاشية من صغار الشياطين تؤجج نار الغضب تحته وتنزع الرحمة من قلبه، فيبدؤون بتصفية كل من هو أفضل منهم وينتقلون إلى تصفية من له أبداع وفكر على الرغم من أنه غير منافس لهم، ليصلوا بتصفيتهم إلى جعل فقط من حولهم من يمتلك جسد دون عقل ويساعدهم شيطانهم الأكبر من يقودهم مستغلاً القانون في صفه أو انتمائه إلى من ينتمي إليه أو يسانده، ولا أحد يصدق أنك برئ، بشهادة الشياطين وقائدهم الشيطان الأكبر الرئيس، اذا حاولت أن تقف بمسيرتهم الشيطانية. وفي هذه الحالة لا يعلم الأمر سوى الله وحده والضحية أنا وأنت، فيكون الالتجاء إلى الله من هذا الظلم والاستعباد ونزع الكرامة، فترى الوجوه كاظمين الغيض، حزينة بتصوير هذه الحالة بقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }غافر18وقوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)آل عمران134. وهنا تتجلى قدرة الله تعالى بعلاج من خرج من أيطار إنسانيته من المستأذبيين (الذئاب) على أبنائهم أخوتهم زملائهم شعبهم، بأن يجعل منهم أية من آيات الله التي لا تمحى عن ذكر الإنسانية بل يجعلها صورة لتستعبر بها الإنسانية من هكذا نموذج، وكلنا نرى ونسمع بمثل هذا الأمر ونشاهده في الحياة. فكم من أنسان تم ظلمه على يد من ظلمه في كل المجالات التي يعمل بها، والظالم لم يحصل له شيء في كل ما يملك ومن معه ومن ينتمي له، سيقول البعض لم يحصل لهم شيء، أن الله يمد الإنسان بظلمه ليختبر من يتحمل أو يكفر بالله وبخلقه لهكذا نموذج مؤذي أن الله يضع عبده بامتحان، كم تمتحن الطلاب في مدارسها، وهنا البعض ينجح والبعض يرسب. فعلى المظلوم سوى الدعاء لله بأن يذل الظالم وقوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ }الدخان22وقوله تعالى {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ }القمر10وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186وقوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16، وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62، وبهذا فأن الله بالمرصاد على الظالم وعند سيقول الظالم ما جاء في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27. أما سمعتم أيها الظالمون دعاء المظلوم في الصباح أو المساء عليكم ؟ نعم فمن يريد أن يكون ظالم أو أن يكون مظلوماً، ولماذا تظلمون لتحصلوا على أكثر مما رزقكم الله، فالرزق من عند الله {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }البقرة212، أما تعرفون أن الظلم هو آلم للمظلوم في روحه وجسده، ولا يقتصر هذا الأمر عليه بذاته وإنما من ينتمي إليه من زوجة وعيال ومحبين من يعرفون صدقه وإيمانه وحبه للأخرين. فأين الظالمون وأين تاريخهم وما ملكوا وكيف عاشوا وأين ذريتهم وكيف عاشت، لاستعجلوا على الظالم وقوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ }ص3 وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }الطور48. وهكذا كانت مقولة الحسين علي أن أكون مظلوما ولا ظالماً عند الله لا لغيره هو من خلقني وهو يتكفل بحمايتي ولا سلطة لاحد غيره علينا والموت والعار والذل لمن ظلمنا.