- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية بين الولائية والتسييس.. الجزء الثاني
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال تدوينية الشعائر لمجريات التأريخ إن أي حدث أو واقعة تحدث يدون التأريخ مجرياتها وتدرج في سجلاته أي أن التأريخ هو الذي يتحكم بقيد وتدوين وتسجيل الأحداث إلا الشعائر الحسينية فهي التي تحكمت في فترات معينة بمجريات التأريخ وبما أنني لست بصدد ذكر أو إدراج التسلسل التأريخي لانطلاق الشعائر الحسينية ومعارضتها من قبل الحكام والسلاطين. ولست بصدد الإشارة أو التلميح إلى نشأة هذه الشعائر وكيفية تكويناتها وما انتاب هذه الشعائر مما يمكن أن يوصف بعملية المد والجزر التي صاحبتها منذ عهد الحكم الأموي والعباسي وما بعده من حكومات وخلافات وسلاطين وسلطات قمعية.أو كيف أنها تشظت ليمتد تشظي إشعاعاتها إلى أقصى بقاع العالم. إنما هي كلما نشطت في صيغها وتكويناتها ومسيرتها وممارستها هبت عاصفة هوجاء من أقصى وديان الحقد والضغينة لتحد من ديمومتها وتوقف انتشارها حيث شاءت. لكن إصرار الحسينيين أي المنتمين إلى نهج مدرسة الإمام الحسين صلوات الله عليه والمواظبين على انتهاج فكره ونهجه الإنساني التوعوي الثقافي الجهادي . هؤلاء أصروا كل الإصرار على أن يشيدوا سدا منيعا يصد كل عاصفة هوجاء ويتحدى كل إعصار عنيف أعمى. وعملوا على التمسك بجوهر مضامين الشعائر الحسينية وإظهار أبهى صورها ليؤكدوا على أن قاعدة التمسك بمراسيم إقامة الشعائر والعزمَ والإصرارَ على ممارستها وبشكل منظم ورفضَ التخلي عن تفاصيلها وجزئياتها كل ذلك نابع من خالص الإيمان بالقضية الحسينية الإنسانية والتوق للتفاعل مع القيم والمبادئ وملازمة مبدأ العيش بحرية وسعادة تليق بمقام الإنسان الذي كرمه الله والذي نادى من أجلها الإمام الحسين صلوات الله عليه وأُعِدَّ هذا الأمر فعلا قويا يمثل حالة الإعلان عن الإنتماء إلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم والإلتصاق بجوهر العقيدة والإعتزاز بالهوية الشيعية والتعبير الواضح والجلي والصادق للموالاة بآل البيت عليهم السلام والإلتحاق بمدرستهم العلمية الدينية الجهادية. ومن ناحية أخرى يمثل التحدي أمام الطغاة المصرين على إلغائها. هذا الفعل أنتج ردة فعل قوية أدت إلى أن تتعرض هذه الشعائر إلى حرب شعواء لا مثيل لها في بعض الأزمنة مما عكس تصورا واضحا للناس بأن ثمة يداً غيبية وراء استمرارية هذه الشعائر وانتصار ديموميتها على كل المحاربين لها . وهي فضلا عن ذلك تركت أبعادا وآثارا أخلاقية وتربوية وإجتماعية على الكثير من طبقات المجتمع وساهمت في بعض الأزمنة مساهمة فعالة في التغييرات السياسية حتى بلغ الأمر إلى أن يحدث تصادم مباشر مع مقيمي الشعائر من قبل بعض الحكومات المعادية أو المواجهة الحادة وجها لوجه ولعلنا سنوضح ذلك فيما بعد. وبالتسلسل التأريخي. تحديد موطنية الشعائر بعد هذا الملمح أو الإشارة الخاطفة نقول: رغم أن صورة الشعائر الحسينية تسلل بريق إشعاعها لينثال على كل الآفاق ويحيط بكل بقعة إلا أن فاعلية الحديث عنها لا تؤدي غرضها إلا حين تبدأ من العراق وبالأخص من مدينة كربلاء المقدسة لارتباطها ارتباطا مباشرا بواقعة الطف بل التي دارت على ثراها رحى الواقعة وارتوت بالدماء الطاهرة التي سفكت فيها. مما يجعل الحديث لا يمكن أن ينفصل عن تاريخ العراق السياسي والديني والإجتماعي. لأنها امتزجت بحقيقة هذا التأريخ بل لعلها تحكمت في بعض الأزمنة بالسياسة أو تركت بصمة واضحة. أو تدخلت بديمغرافية العراق. وبما أن الشعائر الحسينية هي من صلب التراث الديني لذا راح بعض الحكام يتوجس خيفة من ديمومة استمرارية إقامتها وعلى مدى حقب متعددة ومختلفة وصاروا ينظرون إليها نظرة خاصة وقلما تجد نظرة ولائية بل تغلب الطابع العدائي ولعل الصبغة أو الروح الطائفية التي كان بعض الحكام يمتلكونها هي التي خلفت تلك النظرة. وحسب بعض الحكام أن هذه الشعائر الحسينية هي الجذوة التي تلهب مشاعر الناس أو هي ومضات عاطفية يخشون أن تتسع فتشعل في عروشهم النار فتتهاوى تلك العروش وسنأتي بالمصاديق على ذلك فيما بعد. هذا الأمر هو الذي حدا بمعظم الحكام إلى أن لا يدخروا جهدا في تقويض قضية الشعائر الحسينية وقد صبوا جم غضبهم بعدائهم لهذه الشعائر وجرت المحاولات لتكون هذه القضية أشبه بالمحاولات التي جرت لنسيان واقعة الغدير ولكن بما أن عملية إقامة الشعائر ممتدة بجذورها في عمق التاريخ والهدف من إقامتها واضح فقد أتت أكلها وباءت تلك المحاولات بالفشل الذريع أما أن قسما منهم رغم العداء الخفي لها قرر أن يتحول من عدو لدود للشعائر وإقامتها بكل أنماطها وأشكالها ومفاصلها وتكويناتها إلى مستثمر لها بتسييسها أو بتوظيفها وتجييرها وتسخيرها لصالحه أو لصالح حزبه. ليضمن جذب الأنظار إليه وكسب ود الناس عن طريق كسب ود مقيمي الشعائر ومريديها ومؤيديها وتوظيفها أي الشعائر في الوقت نفسه وسيلة دعاية وإعلان بشكل أو بآخر وبحيلة أو أخرى. وبلغ الأمر لأن تحول إلى صيغة تعبوية لصالح الدولة. ويكون هذا الحاكم قد اصطاد عصافير عدة بحجر واحد. لذا فقد تظاهر الكثيرون منهم بمحاولة دعم هذه الشعائر دعما لوجستيتا كما يقال. من دفع الأموال وتوزيع بعض المواد التي تحتاجها المواكب فضلا عن أن الأمر بلغ إلى أن يشارك بعض المسؤولين الحكوميين بهذه المواكب أو حضور المجالس الحسينية ليعكس صورة الرضا أو التأييد لها لعله يستميل أصحاب المواكب تدريجيا ويكسب رضاهم وودهم وتأييدهم وهم من طبقات مختلفة من الشعب وفي الوقت نفسه يعكس صورة المتدين المخلص للمبادئ الإسلامية. ولما لم يفلح الكثير من الحكام بهذا التظاهر والتمظهر لجأ إلى استخدام مختلف أصناف وأنماط المضايقات لمقيمي الشعائر الحسينية وكل راح يستحدث وسيلة معينة في حربه ويتبنى أسلوبا معينا إلى اللقاء في الجزء الثالث
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير