حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يعد التنوع الاثني / القومي والديني / الطائفي حجة مقبولة لمن يريد العبور بالعراق من متاهات الدول الكسولة وغير المنتجة إلى سواحل وضفاف الدول النشيطة والمنتجة ناهيك عن الدول المتقدمة أو التي تحقق نسبا عالية في الرفاهية والسعادة ورضا شعوبها على حكوماتهم أو تلك التي تحقق اكتفاء ذاتيا محتفظة باحتياطياتها ممن العملة الصعبة إلى أيامها السود (القرش الأبيض يفيد في اليوم الأسود) في حين أن "قروشنا" البيض لم تنفعنا في أيامنا السود فقد تبخرت في مجاهيل الفساد المالي والإداري وجيوب السراق، سبقتها هوامش أخرى من الحروب العبثية والسرقات المافيوية المنظمة للأنظمة المتعاقبة. فالطبيعة العشوائية والهلامية لتعدد وتمدد العطل في العراق بأنواعها جعلت من العراق متصدرا قائمة الدول الأكثر عطلا وأعيادا و"كسلا” أيضا تمتد لتبتلع ثلث أيام السنة (حوالي150 يوما) فلكل ديانة او طائفة او قومية او ظرف طبيعي طارئ،عطلها الخاصة بها بل وزمنكانيا بعض المحافظات لها عطلها الخاصة بها كالمدن المقدسة والتي تشهد مناسبات مليونية كالنجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء مايستدعي جهودا أمنية وخدماتية مكثفة. وللظروف الجوية القاسية أيضا لها عطلها فعند عبور درجة الحرارة في بعض أيام الصيف القائظ عتبة الخمسين درجة يتطلب من مكتب رئيس الحكومة أن يطلق "إنذارا" عاجلا بتعطيل الدوام الرسمي وبناء على "نصيحة" المُنبئ الجوي يقابلها تعطيلات أُخر تتناظر مع "طوفان" مياه الأمطار في شوارعنا شتاءً نتيجة اندثار البنى التحتية ـ إن وجدت ـ والخاصة بتصريف المياه الثقيلة والأمطار وكما حدث في السنين السابقة من غرق الكثير من المدن والشوارع عند أول "زخة" مطر!!! الطامة الكبرى هي الخسائر المادية المكلفة والمترتبة عن هذه العطل والتي تبلغ بحسب الخبراء ملايين الدولارات فقد حذّر اقتصاديّون عراقيّون من إصابة الاقتصاد العراقيّ بالكساد بسبب كثرة التّعطيل. وأنّ العراق يخسر 150 مليار دولار سنويّاً لهذا السبب، أيّ ما يعادل المليار دولار في اليوم الواحد. ما يعده الكثير من الخبراء استنزافا للاقتصاد العراقي المنهك أساسا والمتردي والذي يعاني من جملة ضغوط يأتي تذبذب أسعار النفط نزولا في مقدمتها وعدم مقدرة العراق وعلى مدى القرن الفائت بتنويع عوائده المالية خارج نطاق النفط. وكل تلك الأسباب استدعت من البرلمان أن يعجّل بإقرار قانون العطل الرسمية للتقليل قدر الإمكان من الهدر المالي ومن تفاقم ازدياد أعداد العطل والمناسبات الدينية وغيرها كما ونوعا فالشيعة لهم مناسباتهم التي تزداد يوما بعد يوم كونهم عاشوا في ظل "محرومية" ممارسة حقهم في الاحتفال بمناسباتهم لأربعة عقود عجاف من الزمن، والسُنة ايضا لهم مناسباتهم التي يرون أن لهم الحق في الاحتفال بها وكذلك المسيحيون والصابئة والايزيديون وغيرهم من الأديان والطوائف، وعلى الصعيد الاثني كل اثنية لها مناسباتها التي تعبر عن بصماتها الحضارية والاثنية ومن حقها أن تحتفل بها تحت هامش كفالة الدستور العراقي الدائم في حرية التعبير عن الرأي والتظاهر والتجمع، فجاءت مناقشة البرلمان الثانية والمتعثرة لقانون للعطل الرسمية في البلاد يمنح فيه المواطنين ثلث أيام السنة عطلا رسمية حيث بلغت 128 يومًا إضافة إلى 27 يومًا للأقليات والطوائف. وفي تتبع للأقليات الدينية الاخرى، مثل المسيحيين والايزيديين فيتم احتساب أعيادهم عطلات رسمية لهم، ولكن تلك العطل تخصص لمواطني الأديان الموجودين في العراق وليست عطلاً عامة. وليس التنوع الكمي وحده يقف عائقا أمام عدم تمكن البرلمان من إقرار هذا القانون المهم ولوقف الهدر المبرمج وغير المجدي للمال العام والوقت وإنما تأتي الكثرة النوعية في طبيعة العطل حائلا دون التصويت عليه وبنسب مريحة يضاف إليها الاختلاف الزمني في توقيت الكثير من المناسبات بين الوقفين الشيعي والسني ناهيك عن الخلاف الدائر حول إدراج مناسبة ما ضمن العطل ومن عدمه وهكذا تولى البرلمان تأجيل النظر في مشروع قانون العطلات الرسمية بسبب عدم الاتفاق على عدد العطل الرسمية ونوعيتها وكثرة هذه العطل والمطالبة بعطل رسمية أخرى لم ترد في مشروع القانون الذي سلمته الحكومة إلى البرلمان على الرغم من مضي مدة طويلة على القانون النافذ حالياً وهو قانون العطلات الرسمية رقم (110) المعدل لسنة 1972، فهناك نواب طالبوا بإدراج عيد الغدير والبعض طالبوا بإلغاء عطلة يوم السبت في جميع المؤسسات الحكومية والبعض الأخر اعترض على اليوم الوطني للعراق وهو الذي تم تحديده في 3 تشرين الأول من كل عام وهو اليوم الذي يوافق دخول العراق في عصبة الأمم المتحدة في العام 1932حيث طالب عدد من النواب بان يكون اليوم الوطني للعراق يوما لثورة العشرين وهكذا تستمر المجادلات والمطالبات دون التوصل الى نتيجة مع بقاء العطل تتناسخ وتتناسل وتتشاطر وبشكل كيفي وبعضها مزاجوي ويستمر معها الهدر المبرمج في المال والوقت مع إهدار فرص ثمينة للتقدم لاتعوض. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- اختلاف أسماء المدن والشوارع بين الرسمية والشعبية وطريقة معالجتها
- بعد الزيارة الرسمية
- إلغاء عطلة السبت أم تقليل العطل الرسمية؟!