حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال بلدة جميلة آمنة.. و شيخ وقور جليل يؤم الجماعة في الصلاة. الشيخ ذو هيبة ووقار يرشد الناس للصلاح والفلاح وكثيرا ما يكون ذلك بعد الفراغ من كل فرض من فروض الصلاة.. الفقه.. الأخلاق إرشادات تقوِّم المجتمع. يحدث لعل البعض يسميه محاضرة فقهية أو دينية ولكن هي ليست كذلك. إنما هي مستلهمة من علوم أهل البيت عليهم السلام. لم يكن كل المصلين الذين يؤمهم ذلك الشيخ عزابا ولكن أغلبهم هكذا.. والشيخ العالم علم اليقين بأن لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله أكبر الأثر على المجتمعات حين يقول صلى الله عليه وآله: (ركعتان يصليهما المتزوج خير من سبعين ركعة يصليها الأعزب) يفرغ هذا الشيخ ذات ليلة من صلاته ويدير بوجهه نحو المصلين وقبل أن يبدأ بأي حديث يعلن عن رغبة أو حاجة في نفسه وهي دعوة الحضور بأن يجمعوا له مبلغا من المال عن طريق تبرعهم بما يتيسر. ولم يتوانَ أحد منهم كل بقدر استطاعته وإمكانيته حتى أصبح المال مبلغا لا بأس به. أعلن هذا الشيخ عن مقدار أو كمية المال. ثم عرض عرضا أذهل الجميع إذ قال: لقد أصبح هذا المبلغ كذا ألف دينار على سبيل المثال فمثلما تبرعتم به من يتبرع بنفسه في أن يستلم هذا المبلغ مقابل أن يتزوج ابنتي. فإن ابتني قد بلغت ما تبلغ النساء وتحتاج لزوج يرعاها ويكوِّن معها أسرة كريمة وهي جميلة وملتزمة بالحجاب والعفاف. يبدو أن العرض لم يكن مغريا كثيرا أو أن البعض لم يعدها إلا كذبة أو خديعة أو مزحة ثقيلة. لذا انصرف الجميع دون أن يجيبه أحد أو حتى يلتفت إليه. وعاد في الليلة الثانية وكرر طلب ليلةِ أمس وتضاعف المال الذي ظل بحوزته وأعاد إعلانه عن مضاعفة المبلغ وعرضه المغري.. وهو تزويج ابنته ممن يرغب في ذلك . وظل يكرر... من يأخذ هذا المبلغ ويتزوج أبنتي وأضمن له ما لم يضمن هو لنفسه من قبل ؟. وكذا وكذا فأخذ كل منهم يهمس بأذن صاحبه وما لبى أحد دعوة الشيخ الكريمة بل لم يجبه أحد وهَمَّ الكل بالإنصراف. وفي الليلة الثالثة كرر العملية نفسها إذ تضاعف المبلغ. وما أن بدأ الشيخ حديثه عن العرض الذي أعلنه في الليلتين السابقتين حتى راح أحد الشبان يحدق طويلا في وجهه. وبدأ الوسواس يعتري هذا الشاب. فهو يريد التحقق من مصداقية عرض هذا الشيخ.. ويتأكد من صدق نيته إن كان صادقا حقا في نيته بهذا العرض المغري وقبل أن يقفز من مكانه راح يحاور هواجسه وأحاسيسه ويقول بينه وبين نفسه (وين لاگيها مرة وبلاش) حتى قفز من مكانه وصاح بصوت رفيع سمعه الجميع.. يا شيخ أنا أتقبل عرضك هذا فزوجني ابنتك. فما كان من الشيخ إلا أن يبرهن على صدق قوله وخلوص نيته ومطابقة فعله بعمله. نهض من مكانه وانتصب أمام الجميع واقفا. وأعلن أمام الحضور وتلا صيغة العقد. ليكون ذلك الشاب زوجا أمينا لابنته. وتم ذلك على بركة الله. زواجا مباركا على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وآله . ومرت الأيام و حلت شهور تسعة فأولدها طفلا جميلا معافى. وبما أن الجميع يسبق الشيخ للمسجد ليأخذ مكانه لأداء الصلاة يترقب الكل قدوم الشيخ المبارك.. يقدم الشيخ وإذا به يحمل على عاتقه طفلا جميلا .. يتهامس المصلون ما هذا ؟. من هذا الطفل ؟. لِمَ يحمله الشيخ ويقدم للصلاة ؟. يبدو أن هذا ليس إلا لغزا لا أحد يملك مفتاحه إلا الشيخ نفسه. حتى حان موعد إتمام الصلاة.. يستدير الشيخ بوجهه. ويأمر بجمع مبلغ عن طريق التبرع. ويجمع المال ويصيح بالجمع قائلا: لقد بلغ مقدار ما جمعتم كذا ألف دينار على سبيل المثال بحساباتنا اليوم. وإذا به يستل من جيب عريض تحت قبائه سكينا ويبدأ بعرض آخر لكنه أكثر غرابة من عرضه في العام الماضي إذ أذهل الجميع ولعله سيذهل من يقرأ اليوم. يصيح الشيخ: من يأخذ هذا المال ويقدم ليذبح بهذا السكين هذا الطفل..؟ ففزع الجميع إذ انتابتهم الدهشة والذهول وراح كل يسأل صاحبه عما دهى الشيخ ؟ هل أصابه مس من الجنون..؟ أعاد الشيخ نداءه: ويحكم أما فيكم جريء يبدي شجاعته ؟ لم يرق هذا العرض لأحد ولابد أن ينتفض الجميع خصوصا وأن اغلب الحضور من الشباب الغيارى. حتى....! (نط) أحدهم منتفضا وبقفزة واحدة أصبح أكثر قربا من سواه للشيخ. إذ أن هذا الشيخ ذَكَّرَه بسفاحين يسمع أو يقرأ عنهم في كتب التاريخ. فصاح هذا الشاب وبقوة المستنكر الغاضب. قائلا: ألم تخشَ الله ؟ تجمع الأموال وتسلمها للشباب طالبا منهم هذا الطلب الغريب..؟ راح الشيخ يتظاهر بالتجاهل إذ بدا وكأنه لم يسمع ما نطق به الشاب ساعة غضبه . بل قابله بابتسامة الواثق المطمئن وهو يسأله بكل هدوء: أتستنكر يا ولدي قتل مثل هذا الطفل..؟ فقال الشاب حتما هذا ما لاشك فيه كيف اقتل مثل هذا الطفل البريء الجميل حسن الهيئة. وما كان من الشبان الآخرين إلا أن ينهضوا ليناصروا هذا الشاب.. فصاح بهم الشيخ: مهلا على رسلكم أكلكم تستنكرون مثل هذا الصنيع..؟ فأجابوا نعم. فقال الشيخ: أما علمتم أن كلا منكم قد قتل الكثير من أمثال هذا الطفل..؟ وإذا بالجميع يتراجع ويعود إلى جلسته. ولكن بكل دهشة وذهول راح الكل يتساءل ويسأل صاحبه متى حدث هذا..؟ وكيف حدث..؟ ماذا يقول هذا الشيخ ؟ هل إنه خرف..؟ فاشتركوا بسؤال واحد وجهوه إلى الشيخ وقالوا: متى وكيف ذاك يا شيخ..؟ فأخبرهم الشيخ بأنه لا يتحدث إلا أن يعود الجميع إلى مكانه ويلزموا الهدوء والسكينة . وحين تم ذلك قال الشيخ: على رسلكم إهدؤوا لأخبركم متى وكيف. ألم يتزوج هذا الشاب في العام الماضي..قالوا: نعم. قال: ألم ينجب بعد عام طفلا.؟ فقالوا نعم. فقال: أما أنتم فلم تنجبوا وكان عليكم أن تتزوجوا لتنجبوا أطفالا تكثرون بهم أمة لا إله إلا الله ليباهي بكم رسول الله صلى الله عليه وآله الأمم. فهرع الجميع للبحث عن بنت الحلال لإنجاب أطفال يكونون رجالا لمستقبل أفضل.
أقرأ ايضاً
- المارد والقمقم ومبادرة ماكرون ...!!!
- الكاظمي بين نار الشيعة ومطرقة الكرد والسنة..!!!
- بالجهل يقتلوننا جميعاً!