- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أفول داعش ..الفصل الاخير لسيناريو الخلافة
حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ كثيرة هي الدلائل والعلامات التي دلت وأشارت بوضوح جلي إلى إن تنظيم داعش الإرهابي بدأ يعاني من التقهقر المريع والموت السريري ويقترب من الاحتضار والتلاشي، هذا التنظيم الذي وُلد بعملية قيصرية أنتجت جنينا مسخا ومشوها من رحم تنظيم القاعدة الأم التي أفرزتها مآلات التحولات الدراماتيكية للحرب الباردة. ومن يتابع الخطوط البيانية لنشوء وصعود تنظيم داعش الإرهابي وهو النسخة الأكثر دموية وتوحشا من تنظيم القاعدة الأم في الأراضي السورية وفق أجندات إقليمية سيا ـ طائفية وحسابات دولية ـ إقليمية تخص الشأن السوري ومآلات الحرب الأهلية الطاحنة في هذا البلد ومن ثم زحفه إلى الأراضي العراقية وتشكيل مايسمى بدولة الخلافة في العراق والشام (باعتبار أن العراق وسوريا يمثلان كلاهما مجالا حيويا واحد ومنطلقا إستراتيجيا لداعش) ومن يتابع هذا السيناريو يجد أن داعش بعد أن تمتع في بعض الأحيان ببعض "إمكانات" الدولة نتيجة الدعم والتأييد الإقليمي الواسع وامتداداته الدولية الأخطبوطية في كل أرجاء العالم وفي مناحٍ عدة شكلت العمود الفقري للقوة التي منحته وجودا استطاع من خلاله أن يحتل مناطق شاسعة من العراق وسوريا، يضاف إليه دعم حواضن محلية تورطت في دعمه وإسناده وقدمت تسهيلات لوجستية وتكتيكية فضلا عن المواقع الإستراتيجية كان يتحصن بها ويستثمرها في عملياته العسكرية والإرهابية في كل الدول التي يتواجد على أراضيها لان الإخطبوط الداعشي وصلت مخالبه إلى تخوم بلدان عديدة كالعراق وسوريا ومصر وليبيا ودول افريقية أخرى وصار يهدد دولا كبرى كندٍ لها . إلا أن الخطوط البيانية العريضة لداعش لم تكن على وتيرة واحدة فتأرجحت صعودا ونزولا وفي الآونة الأخيرة شهدت خطوطه البيانية أدنى منسوب لها وذلك نتيجة أخطائه الفادحة وتخبطاته المريعة وفقدانه العديد من مصادر التمويل والدعم اللوجستي وبدأ نفوذه ينحسر ويتراجع كثيرا نتيجة الضربات الجوية الماحقة والانتصارات العسكرية النوعية والإستراتيجية التي تحرزها قواتنا العسكرية والأمنية تساندها فصائل الحشدين الشعبي والعشائري، والفلوجة كانت آخر "المعاقل " التي كان طبّل لها داعش بأنها عصية على الاقتحام والتحرير وكما أنها شهدت باكورة الاحتلال الداعشي للعراق فإنها بدت تشهد الفصول الأخيرة لسيناريو داعش بعد تطهير كافة التراب الوطني من دنسه. من المؤكد أن عراق مابعد تحرير الفلوجة يعني عراقا لما بعد داعش فمعركة الفلوجة (60 كم غرب بغداد) لم تكن معركة تقليدية في سلسلة المعارك التي خاضتها المنظومة العسكرية والأمنية العراقية يضاف إليها الحشد الشعبي والمتطوعون ضد عصابات داعش في جميع المناطق التي استولت عليها هذه العصابات كما أنها لن تكون الأخيرة فما زالت الموصل أسيرة، فالفلوجة كمدينة إستراتيجية أخذت أبعادا سوقية وتعبوية كبيرة لما يسمى بالدولة الإسلامية وأبعادا رمزية أيضا فهي ـ أي الفلوجة ـ تتمتع برأسمال رمزي ومعنوي لديمومة التمدد الداعشي في العراق ولخصوصية الطبيعة الديمغرافية ولتشابك الأجندات كانت لمايقرب من عامين ونصف رمزا لقوة شوكة داعش وعنون تحد لها، وسوقيا فان الفلوجة كانت "المصنع" الذي كانت اغلب الأعمال الإرهابية تنطلق منه إن لم تكن كلها والتي كانت تهدد بغداد، وليس بجديد القول إن معركة الفلوجة المفصلية حصلت في وقت كان العراق يقاتل على أكثر من جبهة (سياسية واقتصادية وإعلامية) وفي ظل أجواء سياسية معقدة وأزمة برلمانية خانقة وظروف اقتصادية صعبة للغاية بسبب تدهور أسعار النفط في السوق العالمية وتذبذبها ما أدى إلى اضطرار العراق إلى طلب قرض نقدي عاجل من صندوق النقد الدولي لإدامة عجلة اقتصاده الذي يشهد عجزا ماليا واضحا إضافة إلى استمرار تردي الواقع الخدماتي ومستوى المعيشة وتزايد مناسب البطالة ومعدلات الفقر يضاف إلى كل ذلك استحقاقات إعادة إعمار المناطق المحررة من نير داعش واستحقاقات النازحين والمهجّرين، ومع هذا فقد تحقق النصر في الفلوجة، رغم وجود أكثر من عامل سلبي كاد يحول دون ذلك ـ لاسمح الله ـ ولم يكن نصرا عاديا كالذي حصل في غيرها من المدن المغتصبة والمحتلة فان الفلوجة كانت استثناء عن باقي أخواتها المدن العراقية التي نكبت بداعش فقد اغتصبت الفلوجة اغتصابا وتم تجنيد الكثير من أهلها لصالح داعش بعد أن تم غسل عقولهم بشكل مبرمج والإيحاء بان مستقبلهم لايكون ضمن العراق ومع باقي مكونات الشعب العراقي الذين صوّرهم داعش في عيون الفلوجيين بأنهم إما روافض مجوس أو سُنة مرتدون أو نصارى وايزيديون كفار وصوروا لهم ان الجيش والحشد يوم يدخلون الفلوجة سيقضون على أهاليها قضاء مبرما، ناهيك عن أن أكثر المناطق المحررة لاتشبه الفلوجة من عدة نواح منها أن الفلوجة كانت حاضنة كبرى للإرهاب القاعدي والداعشي ومنها انطلقت تداعيات سقوط المدن العراقية كقطع الدومينو بيد داعش فهي كانت الأساس في الاحتلال لاسيما الموصل (تم احتلالها في كانون الثاني عام 2014، في حين أن مدينة الموصل سقطت بيد “الدواعش” في حزيران من العام نفسه) وكانت الأساس في احتضان الإرهاب فقد كانت «العاصمة» الفعلية للدواعش وليست الرقة. وسقوط «العاصمة» يعني سقوط المشروع الداعشي بالتمام. وبعد التحرير الناجز والنصر المظفر فان الفلوجة تحتاج إلى برنامج واسع ومتكامل لكسر الإرهاب وتجفيف كل إمكانية لعودته مجدداً بصيغ وذرائع وواجهات طائفية متعددة ويجب التحضير لمعركة الموصل إذا ما اعتبرنا أن النصر في الفلوجة هو مفتاح النصر في الموصل ولطي الصفحة الأخيرة من داعش. وبات من المؤكد ان ضرب «داعش» في الفلوجة سيؤثر حتما على قوته الإستراتيجية في الموصل بعد أن استرد العراقيون كامل الثقة بقواتهم المسلحة التي سطّرت بمختلف صنوفها ملاحم بطولية لاتنسى عبر التاريخ، تلك الثقة التي انحسرت على هامش نكسة حزيران العراقية التي حدثت في الموصل في العاشر من حزيران. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الثاني والاخير
- "خُوارٌ جديدٌ".. برامجُ إلْحاديّة بطرقٍ فنيّة !! - الجزء الثالث والاخير
- منبر أم أعواد ؟ - الجزء الثالث والاخير