حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ لا يأتي بجديد من يقول إن المشهد السياسي العراقي بعد التغيير النيساني قد خلا تماما من نموذجين محوريين، الأول هو نموذج (البطل) القومي /الوطني العابر لكل تناقضات المشهد السيوسو/ السياسي العراقي وهو النموذج التاريخي المفصلي (رجل المرحلة) والذي تنضوي الأمة تحت رايته والنموذج الثاني فيتمثل بالكتلة التاريخية والوطنية العابرة لتلك التناقضات وذات المشروع السياسي الوطني فاستحال المشهد السيوسو/ سياسي العراقي الى مشهد مقفر ومتصحر تديره طبقة سياسية استحالت الى طبقية سياسية أترفت واغتنت على حساب شعب مايزال تعيش اغلب شرائحه تحت هامش الفقر المسموح به عالميا، واتسمت بقلة الخبرة والتجربة وعدم النضج السياسي الكافي لإدارة دولة وشعب عراق مابعد التغيير النيساني بكافة استحقاقاته. ونظرا لخلو المشهد السياسي من نموذج البطل القومي/ الوطني / التاريخي ذي الأبعاد والمعطيات الكاريزماتية كشخصية طيب الذكر الشهيد عبد الكريم قاسم او جيفارا او نيلسون مانديلا او غاندي او مهاتير محمد او عبد الناصر والأمثلة تطول ولكل مثل من هؤلاء قصة في بناء امة، وايضا لخلوه من كتلة سياسية تاريخية ولاصطفاف الكثير من القوى السياسية ضمن أجندات وولاءات خارجية طائفية / شوفينية، ناهيك عن تقوقعها داخل منظومات أيدلوجية وحزبوية منغلقة ساهمت آليات المحاصصة ومنهج التشارك التوافقي على ابتلاع هذه القوى لمقدرات الدولة العراقية بعد ان أصبحت دولا وكانتونات داخل إطار الدولة العراقية باستخدام منهج (هذا لك وهذا لي) والتحجج بنظرية "التعويض" عن " المحرومية" والمظلومية" التاريخية فتحولت الفعاليات السياسية الى (فرهود سياسي مبرمج) وساهمت المحاصصة ايضا في ترسيخ توصيفات غير لائقة او مسبوقة بسمعة العراق من مثل أن العراق دولة فاشلة وعميقة وفاسدة وغير مستقرة ومتشرذمة سياسيا ومتشظية سسيوسلوجيا فضلا عن تجييش وتحشيد الشارع العراقي وادلجته وجره الى لعبة المناكفات والمماحكات السياسية واستخدامه كأذرع سياسية ضاربة في تلك اللعبة وبما يتوافق مع طروحاتها السياسية . ولسوء حظ العراقيين وبعد عقود طوال من الفشل الدولتي التأسيسي المتكرر (1921 ـ 1968 ـ 2003) فضلا عن عقود أربعة عجاف من سيطرة حكومة البعث الفاشستية، فان سوء الحظ (والبخت) ظل يلازم العراقيين حتى ما بعد التغيير النيساني الذي حصل بفاعل خارجي (الولايات المتحدة) وهذا الفاعل عجز إما سهوا وإما عمدا واما جهلا بواقع العراق عن إنتاج عملية سياسية ناجحة تديرها منظومة سياسية تتمتع بالروح الوطنية والانتماء الصميمي للعراق وبالكفاءة المطلوبة فلم تكن تلك القوى بمستوى الطموح الشعبي الذي كان يرنو الى قيام دولة مدنية عصرية (دولة مؤسسات) تديرها حكومة رشيدة فلم يتحقق هذا الطموح لمآرب في نفس "يعقوب" . والمثير للاستغراب أن الدعوات الى عبور المحاصصة أتت من داخل العملية السياسية نفسها وممن استفادوا وتمركزوا واستمكنوا منها طيلة 13 سنة اي إن المتحاصص والمستفيد من المحاصصة ومن بنى جميع مرتكزاته (أحزاب ومصالح حكومية واذرع مليشياوية وغيرها) منها، هو من رفع راية "الإصلاح" ووجوب "العبور" فوق المحاصصة وذلك بتولي مسؤولين (تكنوقراط) مستقلين وغير متحزبين او تابعين الى فئة ما وهي دعوات غير واقعية كونها أتت من داخل الأحزاب نفسها ومن قلب المحاصصة عينها ومن صلب الفساد نفسه ودعوات اخرى طالبت بعبور الطائفية والقفز فوق المناطقية وهي أتت من طائفيين ومناطقيين كانت الطائفية والمناطقية والاستحواذ على مقدرات الدولة جوهر فعالياتهم السياسية والمجتمعية لأكثر من عقد من الزمان. وسياسيا إن جميع القوى السياسية العراقية لم تتجاوز لحد الان عقدة الحاجز الذي تجاوزته كل الديمقراطيات العريقة في العالم وهو القناعة التامة بوجود أغلبية سياسية حاكمة وأقلية سياسية مراقبة (الأقلية تراقب الأغلبية) وهو مامعمول به في تلك الديمقراطيات إلا أن الديمقراطية العراقية العرجاء لم تشهد إلا الأغلبية السياسية المستميتة على الدخول كليةً في الحكم وقضم مقدرات الدولة وابتلاع المجتمع فترجمت حرفيا وعمليا فلسفة المحاصصة العرقطائفية والتي تعني في ابسط تجلياتها العملية تقسيم كعكة الموارد والنفوذ والامتيازات حسب "نسب" الاستحقاقات الانتخابية او التمثلات الكتلوية / العرقطائفية ـ المناطقية داخل خارطة العملية السياسية التي قُدر لها أن تنتهج هذا الأسلوب السياسي منذ البداية والذي اثبت فشله في الكثير من البلدان منها لبنان وبلجيكا،إذ فتح هذا التوجه السياسي غير المناسب والملائم في إدارة الدولة الباب على مصراعيه أمام الفساد ليقتحم أروقة مؤسسات الدولة العراقية وكنوزها المالية الثمينة ليتم نهبها واقتسامها وتوزيعها فيما بينها على انه ارث سياسي وحزبي (تعويضي) فقط. وقد كانت المحاصصة في بداية تأسيس العملية السياسية باكورة مشروع سياسي لابديل عنه لكن أن تستقر العملية السياسية على هذا النظام فهو أمر غير منطقي وغير مقبول وبالتالي تحولت العملية السياسية منذ اليوم الأول لانطلاقتها الى صراع من اجل بناء وتعزيز وتحصين الذات القومي - الديني – المذهبي داخل الإطار الحزبوي مع توخي الهيمنة على السلطة لضمان الاستمرار.... البقاء للأقوى والافسد. المطلوب تجاوز مرحلة المحاصصة والشراكة والعبور بالدولة إلى مرحلة الحكم الرشيد وتعزيز المواطنة ورسم خارطة طريق عراقية من شأنها أن تردم الكثير من الفجوات الكبيرة بين المجتمعينِ الأهلي والسياسي. والمطلوب ايضا انتخاب كتلة سياسية عراقية تتجاوز مرحلة غياب مشروع الدولة وضمور مشروع المواطن على حساب مشروع الحزب فالحل كما أراه يتمثل في: 1. قيام كتلة برلمانية ذات أغلبية سياسية عابرة للمحاصصة العرقطائفية 2. التفاف الجماهير العراقية حول شخصية وطنية جامعة تقودهم الى بر الأمان كشخصية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم 3. تشكيل حكومة تكنوقراط يتولاها رئيس الوزراء حصرا طبقاً لأحكام المادة (76/رابعًا) من الدستور وبعيدا عن الاملاءات الحزبوية والتهديدات والسقوف العالية او المُدد الزمنية وأسلوب التلويح بالقوة والانفراد بتقديم المشاريع السياسية المبتسرة وفرضها على الآخرين تأسيسا لنواة ديكتاتورية جديدة تحت عباءة الديمقراطية العراقية المتهرئة. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- فزعة عراقية مشرّفة
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار