حجم النص
بقلم:سالم مشكور العلاقات العراقية - التركية لا تزال ترواح مكانها، بل ان عوامل كامنة لتوترات قادمة، تجري اضافتها الى سجل العلاقة. سابقاً قيل ان تسبب توتير العلاقة مع انقرة هو وجود رئيس الوزراء نوري المالكي. اليوم مرّ على تنحي المالكي عامان، وخلَفُهُ الدكتور حيدر العبادي دعا الى فتح صفحة جديدة في علاقات العراق الاقليمية، وبدأ تحركاً باتجاهها لكن شيئا لم يتغير مع أغلب هذه الدول، خصوصا تركيا. ربما تبدو العلاقات العراقية التركية خالية من التوتر وتبادل التصريحات النارية كما في السابق، الا ان هذا الهدوء يبدو شكليا ولا يعني عدم وجود خلافات وشكوك وعدم ثقة متبادلة، تبدو واضحة أكثر من الجانب العراقي. من الزاوية العراقية، يرى المعنيون أن أنقرة لم تبادل الانفتاح والرغبة من الحكومة العراقية بمواصلة علاقات ايجابية، بخطوات عملية. بالعكس، قامت بخطوات استفزازية جعلت مركز القرار العراقي يعيد النظر في جدوى هذا الانفتاح. التوغل التركي في العمق العراقي رسخ شكوكاً لدى الجانب العراقي لم تستطع تبديدها توضيحات وتبريرات المسؤوليَن، الامني والسياسي، التي قدماها خلال زيارتهما الى بغداد. قالا ان وجود هذه القوات ليس موجها ضد العراق انما هي خطوة تقتضيها مصلحة الامن القومي التركي. تبرير رسخ الشكوك بدل تبديدها، بل هو تبرير يحتاج الى تبرير. كيف يمكن انتهاك سيادة بلدٍ بذريعة حفظ الامن القومي للبلد المنتهِك؟. عادة ما يتم هذا عبر اتفاقيات أمنية ثنائية وتوافق على التفاصيل وليس خطوة من جانب واحد قد ترتد سلباً على الامن القومي. هذا الوضع يجعل رئيس الوزراء الدكتور العبادي يتريث في اعطاء الاذن للسفير الجديد الدكتور هشام العلوي للالتحاق بمركز عمله في أنقرة. مستشار للعبادي قال لي: «نريد علاقات قوية مع تركيا لكن انتهى ذلك الوقت الذي نعطي فيه ولا نتلقى بالمقابل نوايا حسنة». أحد المعنيين بملف العلاقات مع تركيا أشار لي الى ان ملفات الخلاف بين الجانبين تتوزع بين مزمن كملف المياه والعلاقة مع الاقليم وقضايا النفط، ومستحدث وهو موضوع القوات التركية في العراق وطبيعة وآفاق العلاقة بين أنقرة ومجموعات عراقية تعمل بتمويل وتسليح تركيين بذريعة تحرير الموصل من داعش. الجانب التركي يبرر موقفه في هذه الملفات بالقول ان تركيا لم تلق تجاوباً وتفهما لحاجاتها في مجال الامن والطاقة وغيرها. يقولون عقدنا اتفاقات واجرينا تفاهمات لكن أياً منها لم ينفذ، يبررون تعاملهم مع قوى محلية بالقول ان الدولة المركزية غير قادرة على بسط نفوذها. قد يكون كل هذا صحيحا لكن السؤال هو: من الذي يضعف قوة الحكومة الاتحادية؟ التعامل مع مجموعات وأشخاص خارج نطاق الدولة العراقية أمر يضعف الحكومة، ولا يحقق مصالح ستراتيجية لتركيا. اليوم، حيث المنطقة تمر بتغييرات وتطورات متسارعة، يحتاج العراق وتركيا الى تصحيح مسار هذه العلاقة، لتعود في صالح الجانبين. نحتاج في العراق الى دبلوماسية التواصل عبر المشتركات والانطلاق منها لحل الخلافات، وأن نفهم ان العلاقات بين الدول تقوم على المصالح وليس المواقف الاخلاقية. في المقابل، تحتاج أنقرة الى ان تقدّر ظروف بغداد، وأن تساعدها على استعادة قوتها لتكون ضامناً للمصالح المتبادلة.