حجم النص
(١) بقلم: نــــــــــــــــزار حيدر في العالِمِ اليوم تيارٌ من الاعلاميّين والكتّاب يبذل قُصارى جهدهُ ويوظِّف كلّ الأدوات لاقناع الرّأي العام بأَنّ سبب كلّ هذا الارهاب (الدّيني) الذي يجتاح العالم من اقصاه الى اقصاهُ، هو النّصوص فهو، إذن، مفهومٌ وقناعةٌ راسخةٌ في الثّقافة الاسلاميّة وليس كما يبرّرهُ البعض من انّهُ إِجتهادات وشروح، ولذلك، يضيفونَ تأسيساً على هذا الاستنتاج، لا يُمكن القضاء على الارهاب الا بالقضاء على النّصوص، تغييرها مثلاً او حذفها او إلغاءها او بأيّة طريقةٍ أُخرى من الطّرق. والمسلمون إزاء هذا التّفسير ينقسمون الى ثلاثة أقسام؛ القسم الاوّل؛ هم الارهابيّون الذين يرقصونَ طرباً لمثلِ هذا التّفسير لانّهُ يخدمهم ويبرر نهجهم ويحميهِم. انّهُ يساعدهم على تحقيق أجنداتهم التي تتبنّى بالأساس نظريّة نشر الرّعب من الاسلام في صفوف الغربيين تحديداً، على قاعدة نظريّة [لقد جئتكُم بالسّيف، او بالرّعب] كما يروون ذلك كَذِباً ودَجلاً على رسول الاسلام والإنسانية (ص). القسم الثّاني؛ هم البُسطاء والسُّذَّج والمغفّلون المنبهِرون بكلِّ بِضاعةٍ يصدّرها لهم الغرب، خاصَّةً على مستوى الفكر والثقافة والاعلام. انّهم المهزومون الذين يهضُمون نتاج الآخر بلا عقلٍ يفكّر ويبتلعونَ الطّعم والسمّ بلا انتباهٍ أو حذرٍ. انّهم لا يحدِّثون انفسهم للدفاعِ عن الحقيقة على الأقل، إن لم أَقُل عن دينهم وعقائدهم ونصوصهم المقدّسة! ولذلك تراهم يردّدون مثل هذا الكلام كالببغاوات لا يفقهونَ شيئاً، خاصّة منهم مَن يقيمُ في بلادِ الغربِ!. القسم الثّالث؛ هم المثقفون الواعون والمفكّرون النَّبهون، الذين يميّزون بين الغثّ والسّمين عندما يسمعون أَو يقرأون أَو يُشاهدون، وهم يفهمون المغزى من كلّ ذلك، فلا يقبلون أو يرفضون شيئاً قبل بحثهِ ودراستهِ وتمحيصهِ. سلاحهُم الحوار وأَدواتهم المنطق والدّليل ونهجهم العقلانيّة. همُّهم الحقّ وتبيين الامور وفرزها من أجل ان لا تختلط على الرّأي العام فيضيع الأخضر بسعرِ اليابس كما يقول المثل! وهو بيت القصيد ومِربط الفرس بالنّسبة للمتربّصين خاصّة الذين يتبنَّون نظريّة صِدام الحضارات وضدّ حوار الأديان، فيدفعون بالاتّجاه المُعاكس دفعاً بمثل هذه المقولات الظّالمة!. ولا شكّ فانّ الفكرة بمجملِها خطأٌ وهي مُحاولة لبثّ الرّعب والخوف من الاسلام، وبالتّالي لتضخيم الإسلاموفوبيا عند الرّأي العام خاصةً الغربيِّ مِنْهُ. أولاً؛ فلو ننتبهَ جيِّداً وندقّق في تاريخ المسلمين سنلحظ انّ النَّص الواحد قد تمَّ توظيفهُ في أوقاتٍ مختلفةٍ لأغراضٍ متباينةٍ بل قُل متناقِضةٍ، حالُ المسلمينَ في ذلك حال اتباع كلّ الديانات السّماويّة الأخرى، فيما سنلحظ كذلك تضخّم نصوص على حساب ضمور أُخرى في مرحلةٍ وانعكاس الصّورة في مرحلةٍ أُخرى، هذا يعني انّ النصّ، وهو واحِدٌ لا يتغيّر، لا علاقةَ لهُ بصناعة الأحداث في الزّمانِ والمكانِ، وانّما الذي لهُ علاقةً مباشرةً في ذلك هي الشّروح التي يوظّفها الحاكم من خلالِ وعّاظ السّلاطين وفقهاء البلاط حصراً، كما هو الحال الى اليوم، فعندما قضَت حاجة السّلطان تكفير الطّاغية الذّليل صدّام حسين عند اجتياحهِ دولة الكويت لتبرير قرارهِ باستدعاء القوّات الغربيّة (الصّليبيّة) لبلاد الحرمَين الشّريفَين، استذكرَ كبيرُ فقهاء بلاط نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرةِ العربيّة نصٌّ يختلف عن النصّ الذي استذكرهُ لتقليد نفس هذا الطاغيّة وسام الشّهادة عندما حكم عليه العراقيّون بالإعدام شنقاً حتّى الموت!. إِنَّهُ التّوظيف السّياسي السيّء للنّص على طول التّاريخ منذ إطلاق نظريّة (التقمّص) على لسان الخليفة الثّالث وقبل ذلك إطلاق نظريّة (التّكفير) على لسان (أُمُّ المؤمنين) مروراً بإطلاق نظريّة (الجبر) على لسان فقهاء البلاط الامويّ في عهد طاغيتهِم مُعاوية ابْنُ هند آكلة الاكباد!. انّ مردّ ذلك الى حاجة (أصحاب الصّنعةِ) الى المالِ المتكدّس في البلاط. يَقُولُ الكاتب المصري المعروف أحمد أمين في مقدّمتهِ على كتاب (العقد الفريد) لعبد ربّه الأندلسي، والتي دوّنها في (القاهرة في أكتوبر سنة ١٩٤٠)؛ فَلَمَّا تجمّعَ هذا التّراث الضخم، ورأَوا انّ من العسيرِ الإحاطة به واستقصاءه، وانَّ الخاصّة، فضلاً عن العامّة، ينوءون بحملهِ، ظهرت ظاهرة أُخرى وهي (الاختيار) إختيار خيرَ ما رُوِيَ. وَكَانَ الباعثُ على الاختيارِ أموراً مختلفةً، منها: أنّ الأدب كان يرتبطُ إرتباطاً وثيقاً بمجالسِ الخلفاءِ والأُمراءِ، وَكَانَ الأُدباءُ بحاجةٍ الى استدرارِ المالِ من أيديهم، وكانوا لا يدرّونَ المالَ الّا إذا سرّهم الحديث أو أعجبهم الشّعر، فعكف رُواةُ الادبِ على تخيّر ما يحسن أن يُروى في هذهِ المجالسِ بما يُعجب او يُضحك أو يهزّ الاريحيّة، فانتخبوا الأدب يستخرجونَ مِنْهُ أوْلاه بهذهِ الأغراض. وهكذا بمرور السنين والعقود والقرون تضخّم أدب الخلفاء والسّلاطين والأمراء والحكّام الذي يعتمد الشّروح على حساب (النّص) والسّياسي على حساب الدّيني، لتنتقل الحالة بمرور الوقت الى التيّارات والأحزاب والجماعات كما نرى ذلك اليوم بشكلٍ واضحٍ عند جماعات العنف والارهاب، وبكلّ أسمائها ومسمّياتها وعناوينها، والتي عشعشت وبيّضت وفرّخت ونمت وكبُرت في ظلّ نظام (آل سَعود) الذي يُعدّ الحاضنة الدافئة للارهاب والرّاعي الحصري الاوّل للارهابيّين!. يتبع E-mail: nhaidar@hotmail. com