حجم النص
بقلم: حسن كاظم الفتال بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ما بلغت رسالته * والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) ــ المائدة / 67 عيد الغدير العيد.. معنىً ما أجملَه من معنى.. والغدير معنى آخر يرمز إلى العطاء والعذوبة والصفاء. لكل من هاتين المفردتين وقع خاص في النفس. إذن كيف لو اجتمعتا معا؟ العيد يذكرني بماذا؟ بكل ما هو جميل. ربما بطفولتي.! مررت يوما. فرأيت الأراجيح تصطف على قارعة الطريق.. أطفالا حلوين.. ما أحلاهم. لا تسعهم الدنيا من الفرحة.. يرددون نشيداً جماعيا أقتنصُ منه مفرداتٍ أو عباراتٍ..بل مقطعاً أود أن أردده مع نفسي التي تبحث عن الطمأنينة فتجد ضالتها عند ترديد هذه العبارة: سيدي..سيدي راح المكة.. جاب لي ثوب وكعكة..!! أوقفني هذا المعنى كثيراً. توقفت لكن ذاكرتي لم تتوقف بل اتسع مدى تجوال خيالي وراحت تنعكس في مخيلتي صور من الماضي. أمسى الزمن يسايرني ويجاري دوراني.. بل عاد معي راجعا إلى الوراء أول همسةٍ تغازل هواجسي وتدغدغ مشاعري فتزيدني شوقا للماضي..فتجسد الخشوع في نفسي. فتذكرني بأعظم وأجل وأكبر حدثٍ لم يماثله لا من قبل ولا من بعد.. مكة أم القرى..يؤمها الحجيج من كل صوب وحدب.زمن مشرقٍ ومغرب. لِمَ توقفت عند ذكرها.؟ ما علاقة العيد بها..؟ ربما بدأت العلاقة من هنا..! إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة. أم القرى عفواً مسامرُها مضى فتساءلت كيف القضاءُ لها ارتضى أو تستغيث ولا تجاب بغوثهـا أم انه أمرٌ تحتمُه اقتضــــى لما الغياهبُ لفعت أستارهــا اشتاقت لنورٍ يستزينُ به الفضـا فأجاب دعوتها الإله تـكـرما برحابها وُلِدَ الوصيُ المرتضــى في لحظةِ تأملٍ أغرقتني الدهشةُ.. لم أذهل هكذا من قبل.. ترى ما الذي أذهلني..؟ ولماذا..؟ ألأني تذكرت مكة.؟ هل هي موافقة..؟ أم هو ميعاد فطري..؟ مكة..الأصنام.. عبادتها..الولادة.. مكة.....التنصيب.. مكة...مكة...مكة... يلفني التأمل فيحيرني. فأقف مرة مبهورا ومرة ألازم الصمت.. لا أدري ماذا أصنع. حتى أتسلل بهدوء إلى عالم الخيال المحسوس وتدور في خلدي الحوادث.. فأشاهد بعين البصيرة ما لم يشاهده غيري.. كأني استمع إلى صدى يدوي يملأ الآفاق..ما هذا..؟ تجرني الرغبة لأن أصغي إصغاءً تاما لصوت الحق. هذا برهان انتمائي.. ينطلق الصوت الملكوتي من أقصى المراحل والحقبِ الزمنيةِ..أزداد إصغاءً بكل خشوع.. أسمع هاتفا بين السماء والأرض..إنه صوت جبرئيل عليه السلام.. بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ما بلغت رسالته * والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) ـ المائدة 67 ولكي تخشع القلوب وتزداد اطمئنانا. وتتمتع بنعم الله عز وجل ومن أجل أن يصمت الباطل ويزهق ويحق الحق ويجيء..ومن أجل أن لا يتذرع المتذرعون. يعود جبرئيل ليكمل هتافه مثلما أكمل الله دينه وأتم نعمته على الناس. (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ـ المائدة/ 3 ويبدأ الإمتحان.. وتختبر النفوس في جهادها الأكبر. هاهنا استحال الأفقُ مرآةَ عقيدةٍ مخلصة.. فغدا صدق التطلع يرسم صورا أخرى في مخيلتي يصاحبها صوت جهوري يردد نشيد الولاء.. فراح ضميري يردد ويتبعه قلبي قبل أن ينطقها لساني. وقفت متحيرا.. لقد استمعت لهذا الصوت ورددته ولكن لا أدري أين؟..أين؟..أين..؟.. نعم تذكرت..! سمعت هذا النداء في عالم الذر.. استمعت إليه وأنا بين الصلب والترائب. إذن قبل يوم غدير خم/ نعم قبل ذلك بوقت طويل. مبارك هذا المنال.. طوبى لمن نال وثيقة البيعة وهو لا زال بين الصلب والترائب هنا حق لي أن أنفض عن جسد الحقيقة غبارا جاءت به رياح الأباطيل فيظهر جسد بلوري شفاف.. يقف أمامي كشبح يحاورني بهدوء الواثق المطمئن. فلنتحاور.. عجبا هل يستطيع أحدٌ أن يحاجج ضميره؟ يشير ضميري إلى الأفق..إلى المرآة المحاطة بزئبق الوفاء.. مرآة وسعها السماوات والأرض. يهمس ضميري..يمد لي شعاعا يقودني به نحو بر الأمان.اتبعه. وإذا بي أقفُ مع مئةٍ وعشرين ألف من حجاج بيت الله الحرام. ما هذا.؟ هذا غدير زلالي المزايا..عذب المنال.عسلي المذاق.. ليدنو الكل.. وليغترف غرفة ولاءٍ صادق بكأس العهد والميثاق الوفي وليرتشف. هنا ينتفض ضميري صارخا.. اللهم اشهد أني اغترفت. يا غدير الشهد بالحق اسقني وأزل علقــم ماضـي الزمنِ در ثديٌ طاهرٌ في مولدي حبَ صنو المصطفى أرضعني لم أكن أظمأ بعد الرضع ذا وأبي حبَ الهـدى أورثنــي ويذوب ويتفتت الظمأ الموروث من ماضٍ سحيق.. وينمو الخصب في الروح لتعشوشب..وتبدأ أغصان الهداية بالتبرعم. رسول الله صلى الله عليه وآله..سيد الكائنات وأشرف الخلق يشير بيد الرحمة والكرامة إلى الجموع فينهض كل من عاش لحظات تأمل.. متمنيا أن يشهد هذه اللحظات. وتجمع الأقتاب.. يتخذ منها رسول الله صلى الله عليه وآله منبرا يخاطب التاريخ بأعلى صوته.. صرخةٌ لا زال الأثير يتشرف بحملها.. يذيع النبي الكريم صلى الله عليه وآله إبلاغ الوحي بعد أن هبط إليه مبلغا هاتفا: سلاماً أبا الزهراء.هذا البلاغ المبين..من ربٍ مهيمن خبير جاء النص الإلهي ليبلغ من لا ينطق عن الهوى وما هو إلا وحي يوحى.يقف المبَلغُ من قبل رب العزة والجلالة ويعتلي منبره الإقتابي أو الأحداجي إن صح لنا التعبير. الكلُ قيام يستطيب الهجير.. كان أطيب من هبوب النسيم في ليلِ قيضٍ جاف.. تشرئب الأعناق يكاد بعضُها يخلع.. الأبصار شاخصة..ينطلقُ صوتُ رسول الله صلى الله عليه وآله ليخترق القلوب والضمائر قبل الأسماع ((معاشر الناس: قولوا أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألستنا وصفقةً بأيدينا. نؤديه إلى أولادنا وأهالينا. لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيدا قولوا ما قلت لكم، وسلموا على علي عليه السلام بأمرة المسلمين، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله، فإن الله يعلم كل صوت وخائنة كل نفس فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما، قولوا ما يرضي الله عنكم فإن تكفروا فإن الله غني عنكم. قال زيد بن الأرقم فعند ذاك بادر الناس بقولهم: نعم يا رسول الله سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد وامتد ذلك إلى أن صلى العشاءين في وقت واحد وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا. نعم يا رسول الله بلغ إنا لسامعون. مرنا ما نفعل إنا ملبون النداء. يقف رسول الله صلى الله عليه وآله ليبلغ أمر الله عز وجل ويعيد ما ردده الوحي ويتلو القرآن فيقول: من كنت مولاه فعلي بعدي مولاه. لك قلبي في صدقٍ يقول بلى بلى هذي (بلى) لسواك تغدو كما لا أشرقت في دنيا النبي محمــد بدراً فأهديت البدور كمالا وبقيت مسنود القوام ولـم تمـل وإلى الصغائر كان غيرُك مالا وأنطلقت الأصواتُ عالية كل ينادي بخٍ.بخٍ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.. طوبى للموالي الذي صدق في تدوين عهده وميثاقه بقوله بخٍ.بخٍ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة
أقرأ ايضاً
- البعد السياسي ليوم الغدير
- الغدير بين منهج توحيد الكلمة وبين المنهج الصهيوني لتفريق الكلمة
- عن الذي لا يحتاجُ “عيد الغدير” كي يُحب الأمير