حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
يهل على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء عيد الأعياد وهو عيد الغدير الذي يطلق على اسم عيد الغدير في السماء يوم ” العهد المعهود”، وفي الأرض يطلق عليه يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود وذلك على حسب اقوال أهل الشيعة، أما عن إطلاق اسم عيد الغدير عليه فقد جاء نسبة إلى المكان الذي حدثت فيه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العودة من حجة الوداع وقد كانت بالقرب من غدير خم القريب من منطقة الجحفة.
والمتتبع الى مجريات الرسالة المحمدية أنه كان نتيجة منطقية ، والذي كان على قدر من المسؤولية والحكم بالعقل والمنطق يجد أن بيعة غدير خم هي نتيجة منطقية ونهائية وفي تلك الخطبة من قبل الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله)بأنه وصي رسول رب العالمين وخليفة الله في الأرض من بعد النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) عندما أصبح ولي كل مؤمن ، والذي جاء بعد نزول جبرائيل(عليه السلام)على النبي محمد وتبلغيه بهذا الأمر الإلهي من خلال الآية الكريمة التي ذكر فيها في محكم كتابه بقوله { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (1).
والتي كانت مسبوقة بالآية الكريمة والتي نزلت بعد حجة الوداع {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...}(2) ، وإكمال الدين وإتمام النعمة هي ولاية ووصاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)
وفي مقالنا سوف نستعرض قدر الإمكان التسلسل لمجرى الرسالة الإسلامية وكيف كان الأمور تجري من أجل اتمام هذا الأمر قبل صعود النبي محمد(صل الله عليه وآله)إلى الرفيق الأعلى وجوار ربه ، ومن خلال الوقائع التاريخية مشفوعة بالدلائل والمصادر وحتى من قبل القرآن الكريم في بعض الأحداث.
كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله) إلى الأمام علي(عليه السلام)
والقارئ لهذه الحادثة من خلال مصادر الفرق الأخرى أنه " سبب آخر دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في كفالة الإمام علي (عليه السلام) وهو من نعم الله تعالى، وهو أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى حمزة والعباس: (إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثم بقي في وحده إلى أن أخذ يوم بدر واخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبو طالب فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي إلى أن مضى وبقى علي بعده) (3)".
وهو تفسير فيه الكثير من الشبهات والتفسير المنطقي هو أن " الاختيار الإلهي حينما وقع في شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وأمرهم بنشر الدين الإسلامي، واختيارهم من دون سائر البشر دليل على أن لهم مكانة مخصوصة وكبرى عند الله تعالى، وحينما نرجع الى العلاقة بين النبي وأمير المؤمنين (صلوات الصلاة والسلام) نراها علاقة ليست كباقي العلاقات الاجتماعية من حيث النسب أو الصهر؛ فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام)، بل هو أمر من الله (عز وجل) بأن يتكفل النبي (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ كان صبياً، بدليل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (اخترت من اختار الله لي عليكم عليا) (4).
ولو رجعنا إلى الخطبة القاصعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) نرى فيها المنزلة الخصيصة له عند رسول الله (صل الله عليه وآله) حيث تبين كل معالم الكفالة حيث يقول (عليه السلام): (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (صل الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه... ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ...) (5).
وقد سمع رنة الشيطان في ليلة نزول الوحي ، وعن الإمام علي (عليه السلام): ( كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبيحة الليلة التي أسري به فيها وهو بالحجر يصلي، فلما قضى صلاته وقضيت صلاتي سمعت رنة شديدة، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ قال: ألا تعلم؟! هذه رنة الشيطان؛ علم أني أسري بي الليلة إلى السماء فأيس من أن يعبد في هذه الأرض ) (6).
ويشير الإمام الصادق(عليه السلام) إلى هذا الأمر في حديثه بقوله : (رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : " رَنَّ إِبْلِيسُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ (7) : أَوَّلُهُنَّ يَوْمَ لُعِنَ . وَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ . وَ حِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه و آله ) عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ .
وَ حِينَ أُنْزِلَتْ أُمُّ الْكِتَابِ .
وَ نَخِرَ نَخْرَتَيْنِ (8) : حِينَ أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ . وَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ " (9) .
وبهذه التربية في حجر الحضرة النبوية الشريفة أن يتربى ويقطف من ثمار الأخلاق النبوية الشريفة ، والسجايا النبيلة للرسول الأعظم ، وأن يعمل تحت رعايته وفي كنفه , بتوجيهه وقيادته إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي ، وأن يكون بالتالي هو نفس النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) ، كما في جاء في آية المباهلة{...أنفسنا وأنفسكم...} معصومة من الزلل وأمنة من الفتن ومطهرة من كل أنواع الدنس ، وبالتالي يذهب عنه الرجس وطهره تطهيراً.
ومن هنا كان الاختيار الإلهي في كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله)الى أمير المؤمنين هو أمر إلهي ولتكون منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام) بمنزلة الرسول(صل الله عليه وآله) ، وهذا مصداق إلى قوله(صل الله عليه وآله) : { أما ترضی أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي } (10).
ورغم وجود بعض الاختلافات في صياغة الحديث ، إلاّ أنّ المضمون واحد ومشترك بين جميع الصياغات ، وهذا الاختلاف راجع بالأساس لنقل الرواة و ومدى ضبطهم للعبارة ، وكذلك صدور الحديث من النّبيّ(صل الله عليه وآله) في مواضع كثيرة لا موضع واحد ، كما أشار إلى ذلك بعض العلماء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [ المائدة : 67 ].
2 ـ [ المائدة : 3 ].
3 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 38/295.
4 ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب: 2/28.
5 ـ ينظر: نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 300-302. نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٥٧. منشورات المكتبة الشيعية. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ –ـ محمد الريشهري ـ ج ٨ ـ الصفحة 194. منشورات المكتبة الشيعية.
6 ـ شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢٠٩؛ بحار الأنوار: ١٨ / ٢٢٣. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ١١ - الصفحة ١٦٦. منشورات المكتبة الشيعية.
7 ـ الرَّنَّةُ : الصَّيْحَةُ الحَزِينةُ . ( لسان العرب : 13 / 187 ) .
8 ـ النَّخِيرُ : صوتُ الأَنفِ . نَخَرَ الإِنسانُ و الحمار و الفرس بأَنفه يَنْخِرُ و يَنْخُرُ نَخِيراً : مدّ الصوت و النفَس في خَياشِيمه . و امرأَةٌ مِنْخار : تَنْخِرُ عند الجماع ، كأَنها مجنونة ، و من الرجال من يَنْخِرُ عند الجماع حتى يُسمع نَخِيره . ( لسان العرب : 5 / 197 ) ، و المقصود هنا فرحه و ابتهاجه .
9 ـ بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 11 / 204 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
10 ـ الهداية، الشيخ الصدوق: 157. البخاري ، صحیح البخاري، کتاب فضائل أصحاب النبی، باب 9، ص 659 ، ح 3706. سنن ابن ماجة، باب 11: فضل علي بن ابي طالب، ج 1، ص 42، حدیث 115. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 163؛ الشیخ الطوسي، الامالي، ص 261، المجلس 10، ح 13، مجلس 10؛ وعنه في البحراني، غایة المرام، ج 2، ص 84، ح21 ؛ صحیح البخاري، کتاب المغازي، باب 80، ص 777، ح 4416. صحیح مسلم، کتاب فضائل الصحابة، باب 4: من فضائل علي، ح 34 ؛ الحاکم النیشابوري، المستدرک علی الصحیحین، کتاب معرفة الصحابة، مناقب امیرالمؤمنین علي بن ابي طالب،ج 3، ص 109. احمد بن شعیب النسائي، خصائص امیرالمؤمنین علي بن ابي طالب، ص 50-55، ح 44-53. أحمد بن حنبل، المسند، کتاب فضائل الصحابة، ج 2، ص 701 ح 957 و 956 و ص 732 ح1005؛ ابوعیسی محمد بن عیسی، الجامع الصحیح سنن الترمذی، کتاب المناقب: باب 21، ص 980، ح 3733؛ القندوزي، ینابیع المودة لذوي القربی، ج 1، باب 6، ص 155-158، ح 21- 29.
يهل على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء عيد الأعياد وهو عيد الغدير الذي يطلق على اسم عيد الغدير في السماء يوم ” العهد المعهود”، وفي الأرض يطلق عليه يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود وذلك على حسب اقوال أهل الشيعة، أما عن إطلاق اسم عيد الغدير عليه فقد جاء نسبة إلى المكان الذي حدثت فيه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العودة من حجة الوداع وقد كانت بالقرب من غدير خم القريب من منطقة الجحفة.
والمتتبع الى مجريات الرسالة المحمدية أنه كان نتيجة منطقية ، والذي كان على قدر من المسؤولية والحكم بالعقل والمنطق يجد أن بيعة غدير خم هي نتيجة منطقية ونهائية وفي تلك الخطبة من قبل الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله)بأنه وصي رسول رب العالمين وخليفة الله في الأرض من بعد النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) عندما أصبح ولي كل مؤمن ، والذي جاء بعد نزول جبرائيل(عليه السلام)على النبي محمد وتبلغيه بهذا الأمر الإلهي من خلال الآية الكريمة التي ذكر فيها في محكم كتابه بقوله { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (1).
والتي كانت مسبوقة بالآية الكريمة والتي نزلت بعد حجة الوداع {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...}(2) ، وإكمال الدين وإتمام النعمة هي ولاية ووصاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)
وفي مقالنا سوف نستعرض قدر الإمكان التسلسل لمجرى الرسالة الإسلامية وكيف كان الأمور تجري من أجل اتمام هذا الأمر قبل صعود النبي محمد(صل الله عليه وآله)إلى الرفيق الأعلى وجوار ربه ، ومن خلال الوقائع التاريخية مشفوعة بالدلائل والمصادر وحتى من قبل القرآن الكريم في بعض الأحداث.
كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله) إلى الأمام علي(عليه السلام)
والقارئ لهذه الحادثة من خلال مصادر الفرق الأخرى أنه " سبب آخر دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في كفالة الإمام علي (عليه السلام) وهو من نعم الله تعالى، وهو أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى حمزة والعباس: (إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثم بقي في وحده إلى أن أخذ يوم بدر واخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبو طالب فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي إلى أن مضى وبقى علي بعده) (3)".
وهو تفسير فيه الكثير من الشبهات والتفسير المنطقي هو أن " الاختيار الإلهي حينما وقع في شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وأمرهم بنشر الدين الإسلامي، واختيارهم من دون سائر البشر دليل على أن لهم مكانة مخصوصة وكبرى عند الله تعالى، وحينما نرجع الى العلاقة بين النبي وأمير المؤمنين (صلوات الصلاة والسلام) نراها علاقة ليست كباقي العلاقات الاجتماعية من حيث النسب أو الصهر؛ فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام)، بل هو أمر من الله (عز وجل) بأن يتكفل النبي (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ كان صبياً، بدليل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (اخترت من اختار الله لي عليكم عليا) (4).
ولو رجعنا إلى الخطبة القاصعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) نرى فيها المنزلة الخصيصة له عند رسول الله (صل الله عليه وآله) حيث تبين كل معالم الكفالة حيث يقول (عليه السلام): (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (صل الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه... ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ...) (5).
وقد سمع رنة الشيطان في ليلة نزول الوحي ، وعن الإمام علي (عليه السلام): ( كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبيحة الليلة التي أسري به فيها وهو بالحجر يصلي، فلما قضى صلاته وقضيت صلاتي سمعت رنة شديدة، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ قال: ألا تعلم؟! هذه رنة الشيطان؛ علم أني أسري بي الليلة إلى السماء فأيس من أن يعبد في هذه الأرض ) (6).
ويشير الإمام الصادق(عليه السلام) إلى هذا الأمر في حديثه بقوله : (رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : " رَنَّ إِبْلِيسُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ (7) : أَوَّلُهُنَّ يَوْمَ لُعِنَ . وَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ . وَ حِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه و آله ) عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ .
وَ حِينَ أُنْزِلَتْ أُمُّ الْكِتَابِ .
وَ نَخِرَ نَخْرَتَيْنِ (8) : حِينَ أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ . وَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ " (9) .
وبهذه التربية في حجر الحضرة النبوية الشريفة أن يتربى ويقطف من ثمار الأخلاق النبوية الشريفة ، والسجايا النبيلة للرسول الأعظم ، وأن يعمل تحت رعايته وفي كنفه , بتوجيهه وقيادته إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي ، وأن يكون بالتالي هو نفس النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) ، كما في جاء في آية المباهلة{...أنفسنا وأنفسكم...} معصومة من الزلل وأمنة من الفتن ومطهرة من كل أنواع الدنس ، وبالتالي يذهب عنه الرجس وطهره تطهيراً.
ومن هنا كان الاختيار الإلهي في كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله)الى أمير المؤمنين هو أمر إلهي ولتكون منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام) بمنزلة الرسول(صل الله عليه وآله) ، وهذا مصداق إلى قوله(صل الله عليه وآله) : { أما ترضی أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي } (10).
ورغم وجود بعض الاختلافات في صياغة الحديث ، إلاّ أنّ المضمون واحد ومشترك بين جميع الصياغات ، وهذا الاختلاف راجع بالأساس لنقل الرواة و ومدى ضبطهم للعبارة ، وكذلك صدور الحديث من النّبيّ(صل الله عليه وآله) في مواضع كثيرة لا موضع واحد ، كما أشار إلى ذلك بعض العلماء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [ المائدة : 67 ].
2 ـ [ المائدة : 3 ].
3 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 38/295.
4 ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب: 2/28.
5 ـ ينظر: نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 300-302. نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٥٧. منشورات المكتبة الشيعية. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ –ـ محمد الريشهري ـ ج ٨ ـ الصفحة 194. منشورات المكتبة الشيعية.
6 ـ شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢٠٩؛ بحار الأنوار: ١٨ / ٢٢٣. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ١١ - الصفحة ١٦٦. منشورات المكتبة الشيعية.
7 ـ الرَّنَّةُ : الصَّيْحَةُ الحَزِينةُ . ( لسان العرب : 13 / 187 ) .
8 ـ النَّخِيرُ : صوتُ الأَنفِ . نَخَرَ الإِنسانُ و الحمار و الفرس بأَنفه يَنْخِرُ و يَنْخُرُ نَخِيراً : مدّ الصوت و النفَس في خَياشِيمه . و امرأَةٌ مِنْخار : تَنْخِرُ عند الجماع ، كأَنها مجنونة ، و من الرجال من يَنْخِرُ عند الجماع حتى يُسمع نَخِيره . ( لسان العرب : 5 / 197 ) ، و المقصود هنا فرحه و ابتهاجه .
9 ـ بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 11 / 204 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
10 ـ الهداية، الشيخ الصدوق: 157. البخاري ، صحیح البخاري، کتاب فضائل أصحاب النبی، باب 9، ص 659 ، ح 3706. سنن ابن ماجة، باب 11: فضل علي بن ابي طالب، ج 1، ص 42، حدیث 115. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص 163؛ الشیخ الطوسي، الامالي، ص 261، المجلس 10، ح 13، مجلس 10؛ وعنه في البحراني، غایة المرام، ج 2، ص 84، ح21 ؛ صحیح البخاري، کتاب المغازي، باب 80، ص 777، ح 4416. صحیح مسلم، کتاب فضائل الصحابة، باب 4: من فضائل علي، ح 34 ؛ الحاکم النیشابوري، المستدرک علی الصحیحین، کتاب معرفة الصحابة، مناقب امیرالمؤمنین علي بن ابي طالب،ج 3، ص 109. احمد بن شعیب النسائي، خصائص امیرالمؤمنین علي بن ابي طالب، ص 50-55، ح 44-53. أحمد بن حنبل، المسند، کتاب فضائل الصحابة، ج 2، ص 701 ح 957 و 956 و ص 732 ح1005؛ ابوعیسی محمد بن عیسی، الجامع الصحیح سنن الترمذی، کتاب المناقب: باب 21، ص 980، ح 3733؛ القندوزي، ینابیع المودة لذوي القربی، ج 1، باب 6، ص 155-158، ح 21- 29.
أقرأ ايضاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الشماتة بحزب الله أقسى من العدوان الصهيوني