حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم تكن تسونامي حزمة الإصلاحات الاولى التي أطلقها رئيس الوزراء د. العبادي هي استجابة فقط لانتفاضة الشارع العراقي الذي هب عن بكرة ابيه في بغداد وبعض المحافظات العراقية، ولم تكن فقط استجابة لطلب المرجعية الدينية العليا ولجمعتين متتاليتين وعلى لسان ممثليَها في كربلاء ومن على منبر الجمعة في الحضرة الحسينية الشريفة بل كانت هي تفعيلا حقيقيا لبرنامج السيد العبادي الحكومي والذي تم إقراره بأغلبية "مريحة" غداة تشكيله كابينته الحكومية في ايلول الماضي وهو برنامج وُضعت في دواليبه الاف العصي والمعرقلات والمعثِّرات ولم يتسنَّ له ان يخرج الى النور معافى وصحيحا بسبب الطبيعة التوافقية والتشاركية التي تأسست وفقها العملية السياسية وبسبب التناحرات والمناكفات والتخندقات التي أوجدتها الأسس الخاطئة التي ارتكزت عليها العملية السياسية لمابعد التغيير النيساني. وكانت حزمة الإصلاحات الاولية هذه محاولة شجاعة وذكية وغير مسبوقة ولم يحظ بها اي رئيس حكومة عراقية سابق للشروع بترشيق الدولة العراقية المترهلة بمالايعد ولايحصى من الحلقات الطفيلية الزائدة والمكتظة بما لايعد او يحصى بالمناصب الارضائية والشرفية والتفخيمية والتي تعطى كهبات وعطايا ومغانم واكثرها مناصب فضائية وزائدة عن حاجة الدولة والمواطن، وللشروع بالقضاء على الداء العضال الذي ابتليت به هذه الدولة التي مازالت "تتربع" على اعلى مقاييس الفساد في مؤشرات الشفافية الدولية ومقارنة مع اكثر الدول فشلا (وعمقا) في العالم فضلا عن اعادة العراق كدولة ومرتكزات وشعب حي على السكة الصحيحة التي كان ينبغي ان يكون عليها غداة التغيير النيساني الذي قام على أطلال وخرائب ديكتاتورية صدام حسين الشمولية ولتصويب وتصحيح الانحراف الشمولي الذي لحق بعملية سياسية ديمقراطية انتظرها الشعب العراقي لعقود طوال ذاق فيها الأمرين ولكن هذا الانتظار المضني لم يؤتِ الا بنتائج محبطة لآمال الشعب العراقي في حياة كريمة بسبب فشل وفساد منظومته السياسية في إدارة الدولة العراقية كشفت عن ذلك المظاهرات الصاخبة التي جابت البلاد وكان مركزها ساحة التحرير في بغداد وأوضحت مقدار امتعاض الشارع من فشل وفساد هذه المنظومة التي اعتمدت المحاصصة نهجا سبّب الخراب الشمولي والانتكاسات الأمنية والاقتصادية والمجتمعية للبلد وكشفت عن مدى القطيعة مابين المجتمع الاهلي والمجتمع السياسي وعن مناسيب الثقة المتدنية وازمة المصداقية بالسياسيين قاطبة على اختلاف تحزباتهم وعن يأس الشارع العراقي من اي مشروع اصلاحي يُطرح لان المشاريع الإصلاحية السابقة لم تكن سوى حبر على ورق او كانت مشاريع ناقصة وترقيعية وتخلو من الرؤية الاستراتيجية ومن هذا المنطلق راهن البعض على "فشل" السيد العبادي في مسعاه الاصلاحي الاستراتيجي الشامل وقالوا (لن يستطيع) معللين ذلك انه سيُجابه بالكثير من الصعوبات التي اصطبغت بها العملية السياسية ولكون اغلب السياسيين العراقيين قد أصيبوا بداء النرجسية السياسية اذ انهم يعتبرون جميع مايثار ضدهم تسقيطا سياسيا ومناكفة حزبية واستهدافا كتلويا واحترابا طائفيا او مناطقيا وحتى شخصيا وتقام الدنيا ولاتقعد لمجرد طرح "ملف" واحد يُشم منه رائحة فساد ضدهم فكيف لو طرح برنامج (من اين لك هذا؟) وبالجملة . ومن الواضح ان السيد العبادي لم تكن تنقصه العزيمة او الشجاعة او حتى الرغبة في مسعاه الإصلاحي الذي حظي بقبول ودعم دولي (الامم المتحدة) واقليمي (جامعة الدول العربية) ومحلي (الشارع والمرجعية واغلب الفرقاء السياسيين) وانما كان ينتظر الفرصة المواتية لذلك لكي لايكون وحده في الساحة او يكون اعزل من السلاح وهو يواجه اخطر الملفات حساسية وخطورة وتشابكا وها هي الفرصة الذهبية قد سنحت واتت على طبق من ذهب فالشارع العراقي كله انتفض ضد الفساد وينتظر الاصلاح ويفوّض العبادي لهذه المهمة الصعبة والعسيرة ولكن غير المستحيلة ومن جانبها المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف والمتمثلة بمرجعية السيد السيستاني دام ظله وقفت مع العبادي (بعد ان دقت جرس الانذار في الجمعة قبل الماضية ووجهت تحذيرها شديد اللهجة للطبقة السياسية الحاكمة بان صبر العراقيين قد نفد وهم لاينتظرون طويلا في اشارة الى ان الامور قد تخرج عن السيطرة) ثم تعود لتعطي تفويضا عريضا وسندا قويا للسيد العبادي وضوءا اخضر ساطعا للانطلاق نحو مشروع الاصلاح ان يضرب بيد حديد جميع أوجه الفساد ولايخشى في الحق لومة لائم ولكي لاتنزلق الأمور الى مالايحمد عقباه بعد ان نفد صبر المواطن العراقي الذي كان مازال يئن تحت وطأة المعاناة والحرمان والشظف وهو يرى مقدرات الدولة العراقية تذهب الى جيوب السراق والهامشيين والفضائيين والطفيليين وبعد ان ترسخت طبقية سياسية وحزبوية وكتلوية متنفذة استحوذت على مفاتيح المال العام واحتكرت الدولة لنفسها ولذويها وبقي الشعب كطبقة ليس لها في الامر حيلة فضلا عن البيانات التي تشير باضطراد مستمر الى معيشة الكثير من شرائح المجتمع العراقي تحت خط الفقر المسموح به عالميا في بلد كان ولعقد ونيف يستهلك موازانات "انفجارية" كل عام ودون ان يلمس منها المواطن البسيط مايشير الى رفاهيته او ضمان لمستقبله ومستقبل أولاده ولو بالشيء اليسير. ولكن السيد العبادي الذي أمامه مشوار طويل وشائك لم يخيب امل الشارع العراقي او المرجعية الدينية الرشيدة وذلك بالمباشرة في ترشيق الحكومة العراقية وجعلها حكومة تكنوقراط ومن ذوي الكفاءات المستقلين بأقل عدد ممكن من الوزارات والمؤسسات والهيئات والمجالس والمناصب والمراتب والرتب ابتداء من اعلى الهرم وانتهاء باقل المستويات ومحاسبة الفاسدين باختلاف أزمنتهم ومستوياتهم وفتح ملفات الفساد المتقادمة وتصحيح آليات ادارة سلطات الحكومة العراقية الثلاث، فان تضافر السلطات السيادية الثلاث لاسيما البرلمان في ترجمة هذه الحزمة على ارض الواقع يعطي دافعا معنويا كبيرا لمن فقد الامل في العملية السياسية وحقق ارتياحا شعبيا لاول مرة بعد التغيير و اعطى دعما معنويا ولوجستيا لقواتنا الأمنية والحشد الشعبي وهي تقارع الإرهاب الأسود في مشوار دولتي شفاف لـ (بيريسترويكا "اعادة البناء") عراقية حقيقية وللتمهيد الى التأسيس الرابع بعد ان فشلت التاسيسات الثلاثة السابقة في ارساء دولة مدنية عراقية . اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- فزعة عراقية مشرّفة
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة