حجم النص
بقلم:نــــــــزار حيدر وكيفَ ذلك؟. يَقُولُ أَميرُ المؤمنين (ع)؛ وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ. كنتُ كلّما مررتُ على هذا النصّ الرائع اتساءل مع نفسي: وهل هناك امرئٌ من هذا القبيل؟ وكيف؟ حتى علمتُ الْيَوْمَ وبالدليل والبرهان ماذا يقصد الامام بكلامه هذا؟ وكيف يتحقّق؟. انّ المتابع لاعلام ضحايا الارهاب خاصة في العراق، سواء الاعلام الوطني او اعلام وسائل التواصل الاجتماعي فسيجد اجابات واضحة على التساؤل، وهي؛ اولاً؛ غياب الاستراتيجيّة الإعلامية، فالتّخبط سيد الموقف، ومن علامات ذلك؛ الف؛ انعدام الرؤية. باء؛ عدم مراعاة مبدأ الأهم والمهم. جيم؛ الانشغال بالتوافه على حساب القضية الاستراتيجية. دال؛ غياب مبدأ، دفع الضّرر وجلب المصلحة. ثانياً؛ الفشل الذّريع في توظيف التطورات السياسية والميدانية لصالح القضية الاستراتيجية، وهي الحرب على الارهاب. ثالثاً؛ اختلاف الهوى واحيانا التناقض في الاهتمامات والأولويات. رابعاً؛ الاهتمام بأجندات الاخرين على حساب الاجندات الوطنيّة، في السياسات الإعلامية. خامساً؛ غياب نظرية حماية المصالح. سادسا؛ التسابق في نشر كل ما له اثر سلبي على القضية الاستراتيجية، من صور وافلام ومقالات يتبيّن فيما بعد أنّها امّا من فبركات الإرهابيين او من هذا الطرف او ذاك ممن لهم مصلحة في تضييع العراقيين لمصالحهم، وكذلك في إلهائهم بعيداً عن الاستراتيجية. سابعاً؛ وقوعُنا في فخّ ومصائد الارهابيين عندما ننجرّ لتوظيف أدواتهم القذرة. لقد بدأ ينتابُني شعوراً بأننا اليوم بتنا من أوضح مصاديق قول امير المؤمنين (ع) فنحنُ نمكّن عدوّنا من انفسِنا ونقدّم له اعظم خدمة عندما ننشر صناعاته الإعلامية، وعندما نخسر نقاط القوّة الافتراضية!. وان ذلك يعود الى سببين؛ الاوّل؛ العجز، الثاني؛ الضّعف، الاوّل الذي يتجلّى بفشلنا في صناعة الاعلام الوطني الراقي الذي يعتمد المهنية لياتي مؤثراً، والثاني الذي يتجلّى في حالات التشكيك في إنجازاتنا، بسبب الأنانيات والبكاء على اطلال الماضي، خاصة ما يسطّره الحشد الشعبي من بطولات حتى اصبح هدفاً لكّل ناقص. ليسأل كلُّ واحدٍ منّا نفسه السؤال التالي قبل ان ينشر ايّ شيء يصلُه، وهو طبعاً في اغلب الأحيان صناعة ارهابية إنْ بشكل مباشر او بشكل غير مباشر، والسؤال هو؛ هل تحقّق هذه المادّة المصلحة الاستراتيجية للعراق؟ هل تخدم المقاتلين في ساحات الوغى من القوات المسلحة الباسلة والحشد الشعبي والبيشمرگة والعشائر البطلة وغيرهم؟ هل ستُضعف وتقلّل من معنويات الارهابيين؟ هل ستُساهم في التّخفيف من حدّة الصراعات الجانبية وتدفع باتجاه التهدئة؟. في علم الحرب النفسية لا ينبغي ان نقول كلّ ما نعرفه او ننشر كلّ ما يصلنا حتى اذا كان صحيحاً، فقد يكون السكوت عن الحقيقة في بعض الأحيان يخدم الاستراتيجية ولذلك لا يجوز في هذه الحالة التسرّع في نشرها، ولذلك قال امير المؤمنين عليه السلام {وَإنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، وَإنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ: لاِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَكَلاَم تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ، وَإنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ، وَإنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لاَ يَدْرِي مَاذَا لَهُ، وَمَاذَا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله): «لاَ يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْد حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»}. لماذا؟ لانّ العاقل يفكّر اولاً بمقدار ما يحقّقه الكلام من مصلحة، فيجلب منفعة او يُبعد مفسدة، حتى قبل ان يفكّر بصحة القول او خطئة، صدقهُ من كِذبه. العاقل لا يتعامل مع المادّة من معادلة الصّح والخطأ فقط وانما من افضل الصحّين، ان صحَّ التعبير. انّ كلّ ما نهمّ بنشره يجب ان يخضع للمِبضع في عمليّة جراحيّةٍ دقيقة، لنعرف اولاً ما اذا كان يَصُبّ في تحقيق الهدف الاستراتيجي ام لا؟ هذا اذا كانت المادّة صحيحة وسليمة، اما اذا كانت كذباً وتلفيقاً وفبركةً اعلاميّة، فنضرب بها عَرض الحائط بلا تردد، ولهذا السبب ورد في القران الكريم {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. انّ الكثير من التحليلات السياسية سواء المكتوبة منها او المسجّلة والمصوّرة، لا تصبُّ في الصالح العام ابداً وهي دعايات إعلامية يشجّع عليها أطراف إقليمية بغرض تصفية حسابات مع الطرف الاخر على الاراضي العراقية والضحية هو العراق وشعبه. ان الصحيح منها لا يخدمنا فما بالك اذا كانت مجموعة افتراءات وأكاذيب؟. ولشدَّ ما استغرب من بعض (المحلّلين) الذين يتقلّبون على الفضائيات يتكلمون على كل واحِدَةٍ منها بما تهواه سياساتها، وليس بما يعتقده، طمعاً باستمرار الظهور من اجل ان يجني دراهم معدودة! فأين، اذن، الرسالة الإعلامية المقدّسة؟ اين الوطنية التي تتلبّسون بها؟ وكل كلامكم يخدم اجندات إعلامية خارج الحدود ولا تصبُّ في الاستراتيجية الوطنية لا من قريب ولا من بعيد؟. انّ للحرب على الارهاب في العراق تحديداً خصوصيّات يجب ان نأخذها بنظر الاعتبار من اجل ان نكسبها ونربحها، منها (الطائفية) التي يوظّفها العدو لتشويه حقيقة وجوهر الحرب، ومنها كذلك الحاجة الى (التنسيق بين المتخاصمين) ولذلك ينبغي علينا ان لا نتداول ما من شأنه اثارة الاولى فاذا بالضّحية هو المتهم بتأجيجها مثلاً، وكذلك ما يصنعه المتخاصمون من اعلامٍ رخيصٍ فنفقد نقاط القوّة اللّازمة لهذه الحرب. يجب علينا عدم الانجرار وراء الأثارات الطائفيّة كما تفعل بعض الابواق المحسوبة علينا والتي توظّف المشاعر لتخدع بها السذّج والبسطاء، لنراها في نهاية المطاف كالنّملة المفروكة، على حدِّ تعبير المثل المعروف، امام الحقائق اذا ما لامست (القائد الضرورة)!. E-mail: nhaidar@hotmail. com