- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب الحسيني صوت هادر على مدى الزمان/الجزء الثاني عشر
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي أحداث يوم التاسع في كربلاء هناك أحداث كثيرة حدثت يوم التاسع من المحرّم في كربلاء، نذكر منها ما يلي: 1ـ محاصرة مخيّم الإمام الحسين(عليه السلام) قال الإمام الصادق(عليه السلام): «تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين(عليه السلام) وأصحابه(رضي الله عنهم) بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه(رضي الله عنهم)، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين(عليه السلام) ناصر، ولا يمدّه أهل العراق...».(1) ثم نادى اللعين عمر بن سعد يا خيل الله! اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟ فرفع الحسين(عليه السلام) رأسه فقال:{ إني رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا}، فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسين (عليه السلام): ليس لكِ الويل، يا أُخيّة اسكتي، رحمك الله وفي رواية أخرى قال: فلطمت زينب (عليها السلام) على وجهها وصاحت، فقال لها الحسين(عليه السلام): مهلا ، لا تشمتي القوم بنا.(2) وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب ـ بنفسي يا أخي ـ أنت حتى تلقاهم وتقول لهم: ما بالكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين (عليه السلام). فلما أخبره العباس بقولهم قال له:{ ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار}. فسألهم العباس ذلك، فقال: يا هؤلاء، إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر، فإن هذا أمرٌ لم يجر بينكم وبينه فيه منطقٌ، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه، أو كرهنا فرددناه. فتوقف ابن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله! والله لو أنّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد ؟! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلى ذلك.(3) قال الطبري في تكملة حديثه في الإشعاع السابق: قال: فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين يخبره بالخبر. ولنلاحظ موقف عمر أبن سعد(لعنه)والذي كان خائف من أوامر المجرم اللعين بحيث كان متباطئاً في أعطائهم المهلة وكان عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الأموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمام(عليه السلام) ليزيد أو قتله وأهل بيته وأصحابه(4).ولا يعطيهم مهلة من أجل سفك دماء الحسين وأهل بيته وأصحابه كأنهم ليسوا بمسلمين ولاحتى عرب فأنظر لعبيد الدرهم والدينار ومن حاشية يزيد الذين لاهم لهم إلا العطايا والهبات المغموسة بالدماء وكذلك المناصب فتعساً لعبيد الدنيا. ولله درّ الشاعر في وصف حالة الإمام الحسين في تلك الساعة إذ يقول: فَاسْتَمْهَلَ السِّبْطُ الطُّغَاةَ لعلَّه*** يدعو إلى اللهِ العليِّ وَيَضْرَعُ فَأَقَامَ ليلتَهُ يُنَاجي رَبَّه ***طوراً وَيَسْجُدُ في الظلامِ وَيَرْكَعُ.(5) وفي هذه الفترة لأخذ المهلة وذهاب الأمام العباس(ع) إلى أخيه الحسين تكلم أصحاب الحسين مع معسكر يزيد الأوغاد حيث قال حبيب ابن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم إن شئت. وإن شئت كلمتهم، فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم. فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه (صلى الله عليه وآله) وعترته وأهل بيته (عليهم السلام) وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا. فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت. فقال له زهير: يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها، فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية. قال: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا. قال: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟ أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط، ولا أرسلت إليه رسولاً قط، ولا وعدته نصرتي قط، أما والله قد جمع الطريق بيني وبينه ودعاني الى نصرته وتذكرت حديث سلمان الباهلي وذكرت بالحسين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله(صلى الله عليه وآله).(6) 2ـ مخاطبة الإمام الحسين(عليه السلام) أصحابه وجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: {اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين. (أمّا بعد) فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم; فإنّهم لا يريدون غيري}.(7) وقال مسلم بن عوسجة: «أنخلّي عنك ولمّا نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقّك؟ أما والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيك، والله لو علمتُ أنّي أُقتل ثمّ أُحيا، ثمّ أُحرق ثمّ أُحيا ثمّ أُذرى، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك، وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟». وقال زهير بن القين البجلي: «والله لوددت إنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت، حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك».(8) وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا(9) وأمر الحسين (عليه السلام) أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم. وقام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً. قال بعض أصحاب الحسين (عليه السلام): مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).(10)فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين ؟! فقال له: مَن أنت ويلك ؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابّا، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: (رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص).(11) وكان هو أحد الأشقياء من الأولين والآخرين هو شمر بن ذي الجوشن(عليه لعنة الله)ومن هنا إلا يحق لنا أن هذا المعسكر هو معسكر النور والهداية والذين يقضون ليلتهم بين قائم وراكع ومصلٍ وقارئ للقرآن وباعتقادي المتواضع كانت الملائكة تحفهم في ذلك الوقت وتحرسهم وبيدهم حراب من نور والله سبحانه يباهي بمثل هؤلاء الصحابة الذين يعرفونهم إن قتلهم سوف يكون غداً وبأبشع ميتة من قبل حيوانات كاسرة متعطشة لسفك الدماء وقتلهم ولكنهم يقضوها في عبادة الله وذكره بينما في المقابل معسكر الرذيلة والأجرام غارق في السكر والعربدة وتمنية النفس فيما سيغدق عليهم سيدهم المجرم يزيد من عطايا وهبات والذين هم أشتروا سخط الخالق برضا المخلوق. ثم إلا يحق أن نقول أن معسكر الحسين وأهل بيته وأصحابه المنتجبين هم أفضل صحابة على الإطلاق وهم مستعدين للذود عن حرم رسول الله وحتى لو قتلوا ونشروا ألف مرة ولو رجعنا إلى التاريخ وإلى صحابة رسول الله (ص) لوجدنا العشرات من الحوادث التي تدل على نكوص الصحابة وخذلانهم لنبينا الأكرم محمد(ص) وقد تحدث القرآن العظيم عن ذلك ولنأخذ واحدة منها. وهي مذكورة في محكم كتابه إذ يقول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.(12) فهؤلاء أنصار أبي عبد الله كانوا رموزاً ومشاريع للتضحية والاستشهاد فهذا الشاب الذي يخرج يوم عاشوراء وهو عمر بن جنادة الأنصاري وهو أبن أحدى عشرة عاماً يخرج بعد أن قتل أبوه ويرتجز ويقول (حسين أميري ونعم الأمير) وهو أمامه تلك الجيوش الزاحفة والمتعطشة للفتك به وبمن معه ولكن يقولها بثبات وبلا خوف أو وجل أم أن كل من يستشهد وهو في أخر رمق من حياته فيسلم على أمامه ويقول(السلام عليك يا أبا عبد الله). أم أن البطل مسلم بن عوسجة والذي أذاق معسكر أبن سعد المرارات حيث يرميهم بالسهام فلا يخطئ سهمه أبداً وعندما يستشهد فيوصي صاحبه حبيب بن مظاهر وهو في اللحظات الأخيرة من حياته فيقول له (أوصيك بهذا) ويشير إلى الأمام الحسين فأي بطولة تلك وأي مآثر يجب أن تكتب عن أنصار الحسين وهل يتم مقارنتهم بمن فروا يوم معركة أحد من صحابة الرسول وهربوا وحتى واحد منهم قد طلب أخذ الأمان من أبو سفيان بعد انكسار جيش المسلمين وسريان شائعة أن النبي محمد(ص) قد قتل وهو يصبح خليفة ويلقب بألقاب مهمة منها ذو النورين وهو لم يبدي أي بطولة تذكر في أي معركة من معارك المسلمين والحديث يطول في هذا الجانب. ولكن نقول نحن لا نغالي في تمجيد أنصار أبي عبد الله بل هو الحق يقال والوقائع والدلائل تذكر ذلك والذي وصفهم الأمام الحسين(ع) لأخته زينب(ع) عندما استعلمت عنهم وعن شدتهم فقال لها { والله لقد بلوتهم فما وجدتُ فيهم إلا الاشوس الاقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه!! }.(13) فهاهم يتبارون للموت في ليلة التاسوعاء العظيمة تذكر هذه الحادثة إذ: في نفس ليلة العاشر محرم الحرام جمع حبيب بن مظاهر الاسدي رضوان الله عليه أصحابه وهو يقول: يا أخوتي أترضون إن يتقدم علينا بنو هاشم في ساحة القتال ونحن ننظر إليهم وهم يُقتلون؟ فقالوا: لا و الله يا حبيب ما جئنا الى كربلاء إلا لكي لا نرى هاشميا مضرجا بدمه. إما حال بني هاشم في هذه الليلة رضوان الله عليهم فقد جمعهم ابو الفضل العباس وقام خطيبا فيهم وهو يقول: يا بني هاشم الحمل الثقيل لا يقوم به إلا أهله, نحن المطلوبون, إما الأصحاب فقد جاءوا إلى مساعدتنا ونصرتنا فنحن الذين ينبغي إن نتقدم للقتال أولا فإذا قُتلنا أخذوا بثأرنا. وأخيرا جاء بنو هاشم والأنصار الى خيمة الحسين عليه السلام وعرضوا هذا الأمر عليه, كلٌ يريد إن يسبق الأخر إلى القتال, فقال عليه السلام: تتقدم الأنصار على بني هاشم, وجزاهم جميعا عن الله خيرا. ولهذا وصفهم في خطابه الأمام الحسين صحابته بقوله { فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً}. فهم يستحقون هذا الوصف العظيم والسامي في أنهم صحابة منتجبين وأهل بيت بررة يتسابقون في نصرة إمامهم والذود عن حلائل وذراري وحرمات أهل بيت النبوة. 2ـ الأمان للعباس وإخوته(عليهم السلام) نادى شمر بن ذي الجوشن: أين بنو أُختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان ـ أولاد أُمّ البنين ـ بنو عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام)، فقالوا: «ما تريد»؟ فقال: أنتم يا بني أُختي آمنون، فقالت له الفتية: «لعنك الله ولعن أمانك، أتُؤمننا وابن رسول الله لا أمان له»؟!(14). فقالوا له: أبلغ خالنا السلام وقل له: لا حاجة لنا في أمانكم، أمان اللّه خير من أمان ابن سميّة ". حيث أخذ من أبن مرجانة عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام، وكانت أُم البنين عمّته، أي أن أولاد أم البنين أولاد خاله وبعثه مع مولاه كزمان. وكذلك الشمر اللعين هو من قبيلة بني كلاب. وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟! 4ـ وصول كتاب ابن زياد إلى ابن سعد في هذا اليوم أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ إلى عمر بن سعد، وفيه: «إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذر له، ولا لتكون له عندي شافعاً، اُنظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فأزحف إليهم حتّى تقتلهم وتُمثّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقّون، فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عات ظلوم، وليس أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول قد قلته: لو قتلته لفعلت هذا به، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام».(15) فلمّا قرأه، قال له عمر: «ما لك ويلك؟! لا قرّب الله دارك، قبّح الله ما قدمت به عليَّ، والله إنّي لأظنّك أنّك نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه، وأفسدت علينا أمرنا، قد كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين، إنّ نفس أبية لبين جنبيه». قال له شمر: «أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه؟ وإلّا فخل بيني وبين الجند والعسكر»، قال ابن سعد: «لا، لا والله ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك، فدونك فكن أنت على الرجالة».(16) يوم عاشوراء: انقضت ليلة الهدنة، وطلع ذلك اليوم الرهيب، يوم عاشوراء، يوم الدم والجهاد والشهادة، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين(عليه السلام) وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ. نظر الحسين(عليه السلام) إلى الجيش الزاحف، ولم يزل(عليه السلام) كالطود الشامخ، قد اطمأنت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر جيش الباطل أمامه، ورفع يديه متضرعاً إلى الله تعالى بدعاء جده الرسول الأعظم محمد(ص) قائلاً:{ اللهم أنت ثقتي في كل كَرْب، وأنت رَجائي في كُلِ شِدّة وأنت لي في كل أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعدَّةٌ، كم من همٍّ يَضْعَفُ فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة}.(17) وفي هذا الدعاء توجيهٌ للسامعين إلى الله، وإيحاءٌ بالثقة والرجاء والأمل والفرج والكشف والكفاية، وتحديدٌ للعدوّ والصديق، وتذكير بالنعمة والحَسنة والغاية التي هي لقاء الله أمّا إذا لم ينفع التذكيرُ، ولم ينجع النُصحُ لقومٍ غفلوا عن الله، وهم عُميٌ صُمٌ بُكمٌ لا يفقهون حديث، ولا يعون شيء. وكان هذا اليوم عظيماً وهو يومٌ عظيمٌ في تاريخ المسلمين، وهو على آل الرسول أليم. أمّا عظمتهُ، فهي مِن أجل اقترانه بالحسين (عليه السلام)، ذلك الإمام العظيم الذي مَثّل الرسول في شخصه، لكونه سبطه الوحيد ذلك اليوم، ولكونه كبير أهل بيته، وخامس أهل الكساء المطهَّرين مِن عِترته، والذي مثّل الرسالة في علمها وسموّها وخلودها. فكانتْ معركة عاشوراء معركة الإيمان الذي مثله الحسين (عليه السلام)، والكُفر الذي حاربه، ومعركة الحقّ الذي تجسّد في الحسين (عليه السلام)، والباطل الذي قاومه، ويعني ذلك أنّه: قد تكرّرت في هذا اليوم معارك الأنبياء ومشاهد الصالحين عبْرَ التاريخ، وبخاصّة مغازي النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بدر وأُحُد والأحزاب وغيرها، ومشاهد عليّ (عليه السلام) في الجَمل وصفّين والنهروان. فكلّ الأنبياء والأئمّة والأولياء والصالحين والشهداء والمجاهدين يشتركون بأهدافهم وآمالهم وبدمائهم، وتشخَص أعيُنهم على نتائج المعركة في عاشوراء. وكلّ جهود الكُفر والنفاق، والفجور والفسق، والرذيلة والخيانة، والجهل والغرور والإلحاد تركّزت في جيش بني أُميّة، تُحاول أنْ تنتقم لكلّ تاريخها الأسود مِن هذه الكوكبة التي تدور حول الحسين (عليه السلام)، يُريدون ليُطفئوا نور الله بسيوفهم وأسنّة رماحهم! وأمّا ألَم عاشوراء الذي أقرح جفونَ أهل البيت، وأسبل دموعَهم، وأورثهم حُزْناً، فهو مِن التوحُّش الذي أبداه الأعداء مع تلك الأبدان الطاهرة، ومِن الظُلم الذي جرى على مُمثّل الرسول والرسالة في وَضَح النهار المُضيء، وأمام أعين الأُمّة المدّعية للإسلام مِن دون نكير، بل استهلّوا فرحاً بالتهليل والتكبير! "وما أفظع الظُلم والقهر والألم بأنْ يُعتدى على ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى يد أُمّته مِن المسلمين كما يتظاهرون، ومِن العرب كما يزعمون، وبأمر مِن الخُلفاء والولاة كما يدّعون! إنّها الرِدّةُ الحقيقيّةُ، لا عن الإسلام فحسب، بل عن كلّ دين مَزعوم، وعن كلّ معنىً والتزام إنساني أو قوميٍّ أو وطني، أو انتماء طائفي، أو تبعيّة، أو أيّ معنىً آخر معقول، بل ليس ما جرى في يوم عاشوراء قابلاً للتفسير، إلاّ على أساس الجاهليّة والعمى، والغَباء والغرور، والغطرسة والحماقة، وحُبّ سفك الدم الطاهر وروح الاعتداء والانتقام، والرذالة والخسّة، والعناد للحقّ الظاهر وركوب الرأس، والعُنجهية وخُسران الدنيا والآخرة. فحقّاً كانت معركةُ عاشوراء معركةَ الفضيلة كلّها ضدّ الرَذيلة كلّها. لكنْ لم ينتهِ الظُلم على آل محمّد بانتهاء عاشوراء، بل امتدّ مدى التاريخ الظالم على يد حُكّامه، وعلى يد كُتّابه، وعلى يد الأشرار الّذين ناصبوا آل محمّد العداءَ والبُغضَ والكراهيةَ، وورثوا كلّ ذلك مِن أسلافهم الّذين صنعوا مأساة عاشوراء. أليس مِن الظلم البيّن والخيانة المفضوحة أن يُفْصَلَ يوم عاشوراء ومُجرياته التاريخية عن تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) ؟".(18) وقد أخذنا هذه المقاطع من كتاب السيد محمد رضا الجلالي ولنرى ماذا يقول لنتعرف مقدار التحريف والتزوير اذي يحصل في تاريخنا وهذا هو مثال فقط وهو غيض من فيض فيقول: "والذي وقع ـ فعلاً ـ في كتاب (تاريخ دمشق) لابن عساكر. ونحنُ نربأ بابن عساكر نفسه ـ ذلك المُؤرّخ الشهير ـ أنْ يكون قد أغفلَ ذِكر أحداث كربلاء، ويوم عاشوراء بالذات عن تاريخه الكبير، إذ لا يخفى عليه أنّ تاريخ الحسين (عليه السلام) إنّما يتركّز في عاشوراء، ويَعلم أنّ مِثل ذلك العمل سيؤدّي إلى أنْ يُنتقدَ بلا ريب مِن قِبل المُؤرّخين والفُضلاء والنُبلاء. لكنّ يداً آثمة امتدّتْ إلى هذا الكتاب العظيم، لتُفرّغه مِن ذِكر أحداث يوم عاشوراء، إذْ ليس في ذِكر تلك الأحداث إلاّ ما يَكشف عن مدى الألم والظُلم والاعتداء الذي جرى على أهل البيت، ممّا لا يمكن إنكارهُ ولا دفعُه ولا توجيهُه ولا تفسيرهُ إلاّ على أساس ما قُلنا. وتلك اليد الآثمة الخائنة للعِلم والتُراث تُريد أنْ تُبرّئ ساحة بني أُميّة أسلافها مِن الجرائم المُرتكبة يومذاك، تلك الجرائم السوداء البشعة التي لم يَغسل عارَها مرورُ الأيّام، ولا ينمحي بحذف هذه الأحاديث مِن هذه النُسخة أو تلك. ولئن امتدّت يدُ الخيانة إلى تاريخ ابن عساكر فحَذفتْ منه حوادث يوم عاشوراء، فإنّ مؤرّخي الإسلام ومؤلّفي المسلمين قد أفعموا كُتب التاريخ بذِكر تلك الحوادث، وجاء ذِكر ذلك في العديد مِن الكُتب التاريخيّة، وأُلّف لذلك خاصةً: ما يُسمّى بكُتب (المقاتل). ولعلّ نسخةً مِن أصل تاريخ ابن عساكر توجدُ هناك أو هنا فيعرفها مُطّلعٌ، أو يطّلع عليها منصِفٌ، فيُخرجها إلى النور، فيَبْهَتُ الخائنون الّذين ظلموا الإسلام، وظلموا آل محمد، وظلموا التاريخ، وظلموا التراث، وظلموا المسلمين بالتعتيم عليهم، وكتمان ما جرى على أرض الواقع عنهم. كما فعلوا مثل هذا الحَذف والتحريف في كثير مِن كُتب التراث والحديث والدين، فأبادوها بالدفن والإماثة بالماء والإحراق.(19) ولكنّ الحقائق وإنْ خالوها تخفى على الناس فإنّها لا بُدّ وأنْ تُعْلَم مهما طال الزمن.(20) ومن هنا فان ماننقله هو منقول من كتبهم واهمها تاريخ دمشق للشامي ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) فقط لا نُحاول أنْ نَخرجَ عن هذا الالتزام وغيرها من كتبهم والتي في طبعات متقدمة تم حذف كل تلك الحوادث وماجرى في عاشوراء". ونحن قد عرجنا على هذه النقطة الجانبية لنبين مدى التحريف الأموي والعباسي لواقعة الطف ولكل تاريخ أهل البيت وهو على سبيل المثال لا على الحصر. ونعود إلى يوم عاشوراء وما حصلت به من مآسي ومحن على الأمام الحسين روحي له الفداء ، فلنَستعرض حوادث السيرة ؛ اكتفاءً بما جاء في المقاتل القديمة والحديثة مِن ذكره، وأملاً في أنْ نُوفّق في عرضها وايصال الفكرة. قال الرواة: لمّا نزلَ عمر بن سعد بحسين، وأيقنَ أنّهم قاتلوه، قامَ الحسين (عليه السلام) في أصحابه خطيباً، فحمدَ الله وأثنى عليه، ثمّ قال: { قد نزلَ بِنا ما ترونَ مِن الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرتْ وتنكّرتْ وأدبر معروفها، واستمْرَتْ حتّى لم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، إلاّ خسيس عيش(21)كالمرعى الوبيل، ألا ترونَ الحقَّ لا يُعمل به، والباطلَ لا يُتناهى عنه ؟! ليرغبَ المؤمنُ في لقاء الله، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً }.(22) ففي أقصر عبارة وأوفاها في الدلالة جَمع الإمام بين الإشارة إلى الماضي والتعريف بالحاضر، وذَكر الحقّ وتَركِه والباطل والالتزام به، وذكّر بلقاء الله مُنتهى أمل المؤمنين ورغّبهم فيه، وذكر السعادة، وجعل (الحياة مع الظالمين) ضدّها، وأهمّ ما في الخُطبة: التذكير بالتغيّر الحاصل في الدنيا، وإدبار المعروف. ألا يكفي السامع أنْ يتنبهَ إلى الفرق بين (دُنيا) يوم عاشوراء عن الدنيا قبلها، وما هو(التغيّر) الحاصل فيها كي يعتبر ؟ وأظنّ أنّ كلّ مُفردة مِن المُفردات التي أوردها الإمام في خُطبته تكفي لأنْ يعيَ السامعون ويبلغوا الرُشد، إنْ لم تكن على القلوب أقفالُها. ولتصبح مقولة الحسين (وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً) مقولة يتخذها كل الأحرار والثائرين دليل عمل ومنهاج يختطون به منهج عمل الثائرين ضد كل أنواع الظلم والطغيان ولتصبح هذه المقولة خالدة كخلود التاريخ لتبقى ألق يشع لكل الثوار والأحرار في كفاحهم ونضالهم وعلى مدى الزمان. وبقي الحسين وحيدا يلقي تارة نظرة إلى مخيم النساء بعد قليل سيصرن سبايا وهن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتارة ينظر إلى القوم الذين احتوشوه استعدادا لقتله ويبكي! سألته أخته زينب لماذا البكاء؟ قال: أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي. فهل رأيتم إنسانا يبكي على عدوه الذي يظلمه؟!..ولا يصدر هذا القول إلا من هذا الأمام العظيم هو في منزلة الأنبياء والأوصياء والذي هو سفينة النجاة ومصباح الهدى.(23) وفي غداة يوم عاشوراء خَطب الإمامُ أصحابه: فحَمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: { عبادَ الله، اتّقوا الله وكونوا مِن الدنيا على حَذَر ؛ فإنّ الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحدٌ كانت الأنبياءُ أحقَّ بالبقاء، وأولى بالرضى، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله تعالى خلقَ الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحلٌّ، وسرورها مكفهرٌّ، والمنزلُ بُلْغةٌ، والدار قلعة، (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبابِ}.(24) فذكر الدنيا وحذّر منها، وذكر الأنبياء ؛ ليدلّ على حضورهم في الأهداف معه. ويذكر البلاء والفناء والبلى واضمحلال نعيمها واكفهرار سرورها، لعلّ كلماته تبلغ مسامعَ أهل الكوفة فتندكّ بها، فيرعوون عمّا هُم عليه مقدمون. "وهكذا نجد أنّ الحسين (ع) وهو يتحرك كان يريد أن يعمّق الرسالة في نفوس كلّ الذين ينطلق معهم، فعندما كان يقف مع معسكر ابن سعد كان يعظهم بين وقت وآخر، وكان يحاول أن يعضهم في أجواء روحانية وعظية تنقلهم إلى الآخرة وتجعلهم في مواجهة حقارة الدنيا، فلو كانت المسألة عند الحسين (ع) مجرد مسألة سياسية لكان تحدّث معهم بلغة سياسية في حين نراه يتحدث معهم بلغة قرآنية وبلغة وعظية لأنّ الحسين (ع) كان يعرف أنّ مشكلة المجتمع الإسلامي آنذاك، كما هي مشكلة المجتمع الإسلامي في كثير من المراحل، هي أنّ الناس قد أغلقت قلوبهم عن الله سبحانه تعالى، وانّهم لا يفكرون بالآخرة وإنما يستغرقون في الدنيا، ولذلك عندما ندرس الكثير من كلمات الإمام الحسين (ع) في مسيرته من المدينة إلى مكة ومن مكّة إلى كربلاء نرى أنّ كلَّ أحاديثه وعظية تفتح القلب وتفتح الروح، لأنّه كان يريد أن ينتج مجتمعاً إسلامياً، صحيح أنّ الحسين (ع) كان يطلب أن يكون هو الذي يحكم، لكنه لم يكن ليطلب الحكم لذاته بل لرسالته ليغيّر الواقع من خلال تجربة الحكم".(25) دعاء الأمام الحسين على بعض المجرمين ليعاقبهم الله سبحانه في الدنيا قبل الآخرة في الدنيا 1 ـ قال: ونازله عبد الله بن أبي حصين الأزدي وعِدادُه في بَجيلة فقال: يا حسين إلا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا، فقال حسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا. قال حميد بن مسلم: والله لعُدْتُه بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هولقد رأيتُه يشرب حتى بَغَرَ ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يَبْغُرُ(26)فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه (27)، يعني نفسه.(28) 2 ـ و أقبل رجل: من عسكر عمر بن سعد على فرس، يقال له: ابن أبي جويرة المزني: فلما نظر: إلى النار تتقد صفق بيده، ونادى: يا حسين و أصحاب الحسين. أبشروا بالنار: فقد تعجلتموها في الدنيا. فقال الحسين عليه السلام: من الرجل ؟ فقيل: ابن أبي جويرة المزني. فقال الحسين عليه السلام: اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه: و ألقاه في تلك النار، فأحترق(29) 30 ـ ثم أقبل آخر: من عسكر عمر بن سعد، يقال له: محمد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة: أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك ؟ فتلى الحسين هذه الآية: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.(30) ثم قال: والله: إن محمد: لمن آل إبراهيم، وإن العترة الهادية: لمن آل محمد. من الرجل ؟ فقيل: محمد بن أشعث بن قيس الكندي. فرفع الحسين عليه السلام: رأسه إلى السماء، فقال: اللهم: أر محمد بن الأشعث، ذلا في هذا اليوم، لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا. فعرض له عارض: فخرج من العسكر يتبرز ، فسلط الله عليه عقربا فلدغته، فمات بادي العورة.(31) وفي جزئنا القادم سوف نستكمل أن شاء الله إن طكان لنا في العمر بقية أحداث يوم عاشوراء الخالة والتي أقرحت دموع وأدمت قلوب كل موالي ومسلم بل وحتى كل إنسان شريف يؤمن بقيم الحق والبطولة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1ـ الكافي 4/147. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي: 44/391 ، اللهوف في قتلى الطفوف ، السيد ابن طاووس: 55. 3 ـ أعلام الهداية كتاب الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)قم المقدسة ص 188 - 189. 4 ـ الإرشاد للمفيد: 2 / 85، الفتوح: 5 / 97، بحار الأنوار: 44 / 284، إعلام الورى: 1 / 451، البداية والنهاية: 8 / 189، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 245. 5 ـ المجالس العاشورية في المآتم الحسينية. تأليف:الشيخ عبدالله ابن الحاج حسن آل درويش ص 333. 6 ـ الطبري: 4/316- 317. الفتوح لابن الاعثم. ليْلَةُ عاشُورَاءْ في الحديث والأدب تَأليفُ الشَّيخْ عَبْدِ اللهِ الحَسَنْ ص 16، 17. الكامل في التاريخ ج2ص168. تاريخ الرسل والملوك ج3ص268. البداية والنهاية لابن كثير ج8ص176. 7 ـ مقتل الخوارزمي246:1،اللهوف:79. الإرشاد ج2ص91، بحار الأنوار ج40ب37ص392ح2.تاريخ الرسل والملوك ج3ص268. 8 ـ بحار الأنوار، المجلسي: 44/391 ـ 394. 9 ـ الإرشاد: 2/93. 10 ـ [آل عمران: 178، 179]. 11 ـ راجع أعيان الشيعة: 1 / 601. 12 ـ [آل عمران: 144]. 13 ـ ليْلَةُ عاشُورَاءْ في الحديث والأدب تَأليفُ الشَّيخْ عَبْدِ اللهِ الحَسَنْ ص178. 14ـ الإرشاد 2/89. تاريخ الطبري 4: 314، الكامل في التاريخ 4: 56. 15ـ الإرشاد للمفيد: 2/93. 16ـ المصدر السابق 2/ 88. 17 ـ الإرشاد: 2 / 96. أعلام الهداية كتاب الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)قم المقدسة ص 191. 18 ـ كتاب الحُسَيْنُ (عليه السلام)سِمـاتُهُ و سِيْرَتُهُ تَرجمةٌ شارِحةٌ اعتماداً على ما أوردهُ المُحدّثُ المُؤرّخ الشاميّ ابنُ عَساكر في كِتابهِ الكبير (تاريخُ دِمشق) تأليف: السيّد محمّد رضا الحُسيني الجلالي دار المعروف للطباعة والنشر طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي. 19 ـ اقرأ عن ذلك: (تدوين السنّة الشريفة) للمؤلّف. 20 ـ مثل الطبقات الكبرى، لابن سعد كاتب الواقدي، فإنّه ذَكر في ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) مقتله، وما جرى عليه يوم عاشوراء بتفصيلٍ وافٍ، ولا بدّ أنّ ابن عساكر قد أورده في تاريخه ؛ لأنّه لا يغفل ما رواه ابن سعد في الطبقات، فكيف يتجاوز هذا المقتل ؟! إلاّ أنّ ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) مِن كتاب (الطبقات) لابن سعد هي الأُخرى حاول إغفالها الطابعون للطبقات، فلم يوردوها في المطبوع، لا الطبعة الأُورپيّة ولا البيروتيّة! لكنّ الله ادّخر منها نُسخةً في مكتبة أحمد الثالث في استانبول ـ وهي النسخة الأصل التي اعتمدها طابع النُسخة الأُورپيّة ـ وحقّقها أخيراً سماحة السيّد الطباطبائي في نشرة تُراثنا الصادرة مِن مؤسسة آل البيت ـ قُم، في العدد (10)، ونُشر مستقلاً أيضاً. كما أورد مُحقق كتاب ابن عسـاكر ـ سماحة الشيخ المحمـودي ـ كلّ ما يرتبط بالمقتـل منه في هامش مطبوعته مِن تاريخ ابن عسـاكر ؛ ليتلافى النقص في ترجمة الإمام (عليه السلام) منه، فجزاه الله خيراً. 21 ـ في مُختصر تاريخ دمشق، لابن منظور: (حشيش عَلَس). 22 ـ مُختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7 /146). كتاب الحُسَيْنُ (عليه السلام)سِمـاتُهُ و سِيْرَتُهُ. تأليف: السيّد محمّد رضا الحُسيني الجلالي دار المعروف للطباعة والنشر، ص 132. 23 ـ كتاب بنور فاطمة (ع) اهتديت للكاتب عبد المنعم حسن، ص 201. الحُسَين (ع) أبو الشّهداء.عبّاس محمود العقّاد. منشورات الشّريف الرّضي شبكة الإمامين الحسنين. 24 ـ ابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج 4 ص 333 ط روضة الشام) قال:خطب عليه السلام في اليوم الذي استشهد فيه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قالها. ورواه في (كفاية الطالب) (ص 282 ط الغري). 25 ـ من أقوال في أحدى محاضرات العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله. 26 ـ بَغَر الرجل يبغُر: إذا اكثر من شرب الماء ولم يرو لداء به. 27 ـ في لسان العرب: لفظ عصبه أي ريقه. 28 ـ بحار الأنوار: 44. ص 388-389. تاريخ مختصر الدول ج1ص58. 29 ـ روضة الواعظين ج1ص184. بحار الأنوار ج44ص316ب37. 30 ـ [آل عمران: 33، 34]. 31 ـ أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. بحار الأنوار ج44ب37ص317ح1.
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري