حجم النص
بقلم: طارق الكناني إن ما طرحه الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق لم يأتِ اعتباطاً أو وليد الصدفة المحضة فهو نشأ في كنف جده علي بن أبي طالب وأبيه الحسين عليهما السلام وهما من أسس للفكر الثوري والتحرري المعاصر بناءً على رؤى إستراتيجية وضع لبناتها الأساسية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أول من فصل الدين عن الدولة في نظرية الحاكمية الإلهية وهو الذي ألغى هذه النظرية وفق معايير حقيقية تتبناها الأمم اليوم وهو من أسس نظرية زرع الأزمنة (كما يقول الدكتور السعدي) حيث كسب معاوية زمنه وكسب علي بن أبي طالب كافة الأزمنة، وجاء الإمام الحسين ليجسد هذه الأسس بالمنظور الآخر للثورة وأخذ عن أبيه هذه النظرية الكبرى حيث كسب يزيد زمنه وقضى على الثورة جسدياً ولكن الحسين كسب كل الأزمنة، فهذه الإطار الفكري المتميز بقي سمة غالبة لمن جاء بعد الحسين وقد تنبه الإمام السجاد للأطروحات العلوية واعتنى بها وأسس لها برسالة الحقوق التي كانت جزءاً مما طرحه علي بن أبي طالب.يقول الدكتور الباحث علي السعدي في بحثه نبي الإنسان.........(الكثير من البحوث والدراسات التي تناولت شخصية الإمام علي، ركزت بمعظمها على الجوانب الفقهية والحكمية والأخلاقية والبلاغية في شخصيته،ومن ثم غابت عنها جوانب أخرى ذات أهمية كبيرة في تلك الشخصية،تلك المتعلقة بالجوانب الحقوقية والسياسية التي تأطرت برؤية شمولية ذات أبعاد إستراتيجية يمكن أن يطلق عليها إستراتيجية (زرع الأزمنة) تمهيداً لما سيأتي لاحقاً من تحولات كبرى في مسار البشرية،وقد يكون بذلك أول من تنبه إلى ما سوف يكون أحد القوانين الرئيسة الثلاثة في (الديالكتيك) الذي سيظهر بعد قرون عديدة الدارس والمتتبع لمجموع الأطروحات الفكرية للإمام علي،سيجد إن هناك تأسيسات لمقولات كبرى ستصبح ركائز في بناء دولة يحملها المستقبل،دولة يكون فيها للإنسان دور حاسم ومقرر على حساب الحاكمية المطلقة ,ومن ثم يمكن استخلاص العديد من النتائج التي طرحها الإمام في حياته،تعبر عن إمتلاكه نظرة إستراتيجية كبرى تمتد عبر الأزمنة ومن ثم يمكن القول انه أول من اتبع إستراتيجية (زرع الأزمنة(التي ستكون محوراً رئيسا في استراتيجيات الأمم المتطورة لتحقيق أهدافها الكبرى. لقد رأى الإمام علي ما حلّ بالإسلام بعد وفاة صاحب الرسالة (النبي محمد) ومن ثم بداية الصراعات التي ستأخذ طابعاً حادّاً في سبيل الإمساك بالسلطة،ومن طبيعة التحالفات التي تشكلت بين وجوه قريش،أدرك إن فرصته في جعل الثورة المحمدية ممكنة التجسد،أصبحت مستبعدة،فما أن بويع مرشح التسوية (أبو بكر الصدّيق) حتى بدأت الحاكمية تكشف عن توجهاتها التي اتخذت طابعاً عنفياً، كانت نتيجتها أن حوصرت قبائل عربية وقُتِلَ بعض رجالها في ما سمي بحروب الردّة،التي كشفت بعض تفاصيلها وأحداثها،أنها لم تكن في بعضها ردّة أو رفضاً للإسلام،بل عدم القبول بالحاكمية القرشية التي مثّلها الخليفة الأول،وقد كانت لواقعة مقتل مالك بن نويرة،ورفض الخليفة بمعاقبة خالد بن الوليد، فعل الصدمة فيما ستتجه إليه الأمور اللاحقة.) كثيرٌ هو علم أهل البيت الذي تم التعتيم عليه وكثيرةٌ هي انجازاتهم الفكرية التي أفادت منها البشرية ومن ضمن ما تم التعتيم عليه رسالة لخصت حقوق الإنسان كلها وأحتاج الإنسان المعاصر إلى قرون بعد إصدار هذه الرسالة للوصول إلى هذه الأفكار والنتائج التي تم طرحها قبل أكثر من ألف عام ألا وهي (رسالة الحقوق) للإمام السجاد عليه السلام..لابد لكل انطلاقة فكرية أن تستوفي مستلزمات الانطلاق من عقول متفتحة وإمكانيات فكرية قادرة على الاستجابة للتغيرات التي ستطرحها هذه الانطلاقة باعتبار أن هذه العقول هي من سيتبنى هذا التغيير وستكون وعاء لما سيطرح من أفكار تنسجم مع هذه الانطلاقة، فكانت الدعوات التي وجهت إلى الكثير من العقول التي يمكنها أن تحمل رسالة التغيير في الرقعة الجغرافية التي تشغلها.....فرسالة الحقوق هي رسالة للتعايش السلمي بين أبناء الجنس البشري وكان لزاما أن يكون في الدعوة تنوع فكري وأيديولوجي..أن القائمين على هذا المهرجان كانوا من الذكاء والفطنة وسعة الصدر ما مكنهم من استيعاب الآخر، ونقصد هنا بالآخر كل من يخالفهم الرأي والمعتقد، ووضعوا في اعتباراتهم النوع الإنساني فوق كل اعتبار والسلوكيات الحضارية لهذا الإنسان بدلاً من التدقيق في معتقداته التي تخصه وحده، وهنا حصل هذا الانسجام بالرغم من التباين الديموغرافي للمدعوين... عند انتهاء مهرجان تراتيل سجادية الذي انعقد للفترة من 18-20 تشرين الثاني 2014 تعالت الدعوات لعقد مؤتمرات دعت إليها منظمات وشخصيات إسلامية ومفكرين إسلاميين في ضرورة تسليط الضوء على هذه الرسالة وتوسيع البحث في طياتها للوقوف على المضامين الفكرية الكبرى التي دعا إليها الإمام السجاد استكمالاً لرسالة جده وأبيه في هذا الإطار الإنساني وبهذا كان باكورة القطاف هو مهرجان تراتيل سجادية......
أقرأ ايضاً
- أهم مضامين سورة الفاتحة
- اعلامية مصرية تكتب: سماحة زين العابدين تتجلى بمهرجان تراتيل سجادية
- مفارقات غير عادية من تراتيل سجادية